الباحثة شذى خليل*
في المراحل الأولى لنشئة التنمية الصناعية في العراق، لم يكن التوزيع متوازناً لها، حيث تركزت في مراكز المدن الكبيرة ومنها العاصمة بغداد ومدينة الموصل لكونها تتمتع بمزايا اقتصادية إيجابية كبيرة ساعدتها على استمرار استقطابها للاستثمارات الصناعية على حساب ضعف فرص الاستقطاب للمحافظات الأخرى المتخلفة صناعياً أو الأقل تطوراً رغم امتلاك بعضها موارد تنموية كامنة من حيث الكم والنوع في مجال الاستثمار الصناعي، لاسيما محافظة الانبار ومنها الثروات المعدنية والموارد البشرية.
إن عدم التخطيط والتفكير البعيد الأمد في تحقيق التوازن الاستثماري خلق انعكاسا سلبياً على ضعف المناخ الاستثماري وبالتالي بقاء الفجوة التنموية كبيرة لصالح المدن الكبيرة الرئيسة، وهذا بدوه يخلق اختلافا بكل شيء بتوزيع الدخل والموارد والتنمية… الخ.
إن التجربة الصناعية في العراق تأثرت وبشكل واضح بالظروف السياسية والاقتصادية والأمنية التي شهدها القطر.
وبالرغم من إن هذه التجربة حققت تطوراً نوعياً وكمياً خلال عقد الستينيات وحتى منتصف الثمانينيات من القرن الماضي، فإنها قد واجهت العكس تماماً منذ التسعينيات ولحد الآن، دون وجود معالجات أو استراتيجيات تنموية حقيقية.
• فمنذ تسعينيات القرن الماضي، شهدت هذه المرحلة تقلبات سياسية واقتصادية مهمة في العراق.
• فرض الحصار الشامل على العراق من قبل مجلس الأمن الدولي العدوان الثلاثيني على العراق الذي استهدف كافة مجالات الحياة، لاسيما القطاعات الاقتصادية عموماً والقطاع الصناعي على وجه التحديد.
• شيوع ظاهرة الفساد الإداري ضمن القطاعات الاقتصادية في القطر ومنها القطاع الصناعي.
• غياب دور المنظم وعدم وجود أية خطط تنموية تهدف إلى تطوير القطاع الصناعي مما انعكس ذلك سلبا على تدهور هذا القطاع.
• الأهم غياب عنصر التخطيط في مجال توقيع المشاريع الصناعية وتدهور الأوضاع الأمنية.
• انخفاض حجم رؤوس الأموال المستثمرة في القطاع الصناعي وصعوبة الحصول على العملات الصعبة، رغم وجود تخصيصات استثمارية للقطاع الصناعي في مختلف المناطق.
• ضعف الكفاءة الإنتاجية للأنشطة الصناعية خلال هذه المرحلة وتوقف العديد منها عن الإنتاج بصورة كلية أو جزئية ويتضح واقع ومستوى التراجع في اتجاهات التوطن الصناعي خلال هذه المرحلة.
بعد عام ٢٠٠٣ والذي نتج عنه أثاراً تدميرية لكافة مجالات الحياة، لاسيما القطاعات الاقتصادية على مستوى القطر، حيث كان لتعاظم دور الفساد الإداري وانعدام دور التخطيط الصناعي وعدم وجود أية سياسات وخطط تنموية ملائمة مع انعدام الدعم الحكومي في ظل سيادة فلسفة الخصخصة غير المدروسة، لمنشآت القطاع الصناعي العام وتدمير خدمات البنى الارتكازية، والانفتاح الكبير غير المخطط للسوق المحلي للمنتجات الأجنبية المستوردة، كلها عوامل انعكست سلباً وبشكل كبير على تراجع مستوى التطور الصناعي.
ويمكن إجمال اهم معوقات التنمية الصناعية في العراق، بضعف الثقافة الإدارية وبشكل خاص الثقافة التسويقية، إذ ان مقومات النجاح والرقي في الصناعة الوطنية مهما توفرت، إذ لم تتوفر الثقافة التسويقية ولم يتم تطوير هذا القطاع الحيوي المهم، وإشراك القطاع الصناعي الخاص عبر منظماته الاقتصادية الفاعلة في سن وتشريع القوانين الاقتصادية، وتطبيق القوانين الدولية التي لم تطبق في العراق كقانون مكافحة الإغراق .
إن عدم توفر الطاقة الكهربائية والمحروقات الى جانب فتح الحدود على مصراعيها أمام الاستيراد دون ضوابط تذكر، او عدم توفير أية حماية للمنتج المحلي من منافسة غير متكافئة، ناهيك عن عمليات غسيل الاموال التي دخلت ضمن عمليات الاستيراد، تلك كانت وراء شل حركة ونمو الصناعة في العراق.
عدم قدرة القطاع المصرفي في تلبية احتياجات القطاع الاستثماري، سيما العراقي من حيث التشريعات والتسهيلات في التمويل وفتح الاعتمادات والائتمانات المصرفية الامر الذي دفع رجال الاعمال والمستثمرين الى العزوف نهائياً عن الدخول في مشاريع ضمن القطاع الخاص، مما أسهم وبشكل كبير في تدهور الوضع العام للقطاع الصناعي ووصوله الى حالة من التوقف شبه النهائي.
رغم المشاكل التي يواجهها قطاع صناعة النفط، إلا انه لم يتم اجراء ايه دراسات تفصيلية لأوضاع المؤسسات، الى جانب ذلك لا توجد هناك خطة استراتيجية لوضع أولويات لتنفيذ المشاريع الكبيرة في قطاع النفط.
معوقات اقتصادية، من أبرزها الفساد الذي أدى عدم توفير رأس المال والسوق وتوفير مستلزمات الانتاج، إذ ان إنشاء الصناعات الحديثة وتطوير النشاط الانتاجي وما يرتبط به من هياكل ارتكازية يحتاج الى الموارد المالية ورؤوس الاموال اللازمة لقيامها لأهمية ذلك في توفير المكائن والمعدات والاجهزة الصناعية للمشروع الصناعي او لمجموعة المشاريع المترابطة معه.
معوقات اجتماعية، ترتبط بمرحلة التطور الاجتماعي، والسياسة الاقتصادية، ومدى إسهام وفاعلية المجتمع في تدعيم النشاط الصناعي.
مشاكل تكنلوجية ترتبط بطبيعة العمليات التكنيكية السائدة ونوعها ومدى إمكانية الحصول عليها ونقلها وتطويعها لتواكب المتطلبات الواقعية .
مشكلات موقعيه ترتبط باختيار موقع ومكان المشروع الصناعي وتأثيراته الاقتصادية والاقليمية وتأثيره في البيئة الطبيعية.
تحديد بنية القطاع الصناعي من خلال مواكبة الطلب على المنتجات الصناعية ونوعيتا، وتوافر حجم الموارد الطبيعية والبشرية والاقتصادية.
ولتطوير هذا القطاع يتطلب إعداد برنامج تنموي بعيد عن الفساد والمحسوبية وبيع المشاريع، يهدف إلى تنمية وتطوير هذا القطاع، ولابد أن يأخذ بعين الاعتبار الظروف والواقع والمشاكل التي يعانيها القطاع الصناعي من جانب والاقتصاد العراقي ومن جوانب أخرى.
الترميم.. ما يمكن ترميمه والاهتمام بالبنية التحتية للقطاع الصناعي وذلك من خلال إنشاء مناطق صناعية حدودية أو محلية.
الاهتمام بالصناعات ذات الطابع التصديرية سيما الصناعات النفطية.
الاهتمام بالصناعات الصغيرة الحجم وتوفير كل الدعم لها وذلك لما لها من دور كبير في خلق فرص عمل.
إن تنمية القطاع الصناعي مرتبط بشكل أساس بحجم الاستثمارات التي يجب توظيفها في الصناعة وتهيئة المناخ الاستثماري المناسب الذي يعمل على جذب الاستثمارات المحلية والأجنبية.
وختاما إن تنمية القطاع الصناعي مرتبط بشكل أساس بالوضع السياسي والاقتصادي للبلد والاستقرار والتخلص من الفساد، كلها عوامل تخلق بيئة صالحة للاستثمار في بلد يفترض أنه بلد الاستثمارات الأول بالعالم للإمكانيات المادية والبشرية الهائلة التي يمتلكها، بالإضافة الى وضع استراتيجية التنمية الشاملة ودور القطاع الصناعي ودراسة طبيعة وفلسفة الاستراتيجية المناسبة للتصنيع في ظل الفترة الإصلاحية الشاملة والفترة الدائمة (الأجل القصير والأجل الطويل).
وحدة الدراسات الاقتصادية
مركز الروابط للبحوث والدراسات الاستراتيجية