يقف ترمب في مواجهة صعاب عديدة مع اقتراب يوم الانتخابات، فهو ما زال يلاحق خصمه الديمقراطي جو بايدن في غالبية استطلاعات الرأي، ومرت آخر فرصة لتغيير شكل السباق في المناظرة الانتخابية الأخيرة من دون تأثير كبير، ومع ذلك يواصل حملته بتفاؤل ونشاط، ويتنقل بين أربع ولايات مختلفة في اليوم الواحد متعلقاً بالأمل في البقاء بالبيت الأبيض لدورة ثانية، فما الذي يجعل الرئيس الأميركي متشجعاً بالفوز على الرغم من كل ما يرسمه الإعلام الليبرالي المسيطر في الولايات المتحدة من صورة قاتمة لحظوظه؟ وما هي العوامل الستة التي يقول أنصاره إنها قد تسبب صدمة هائلة لخصومه مثلما حدث عام 2016، ولماذا لا يعتبر بايدن والديمقراطيون أن ترمب خرج بالفعل من السباق؟
إذا أظهرت نتائج الانتخابات الأولية غير الرسمية فجر الرابع من نوفمبر (تشرين الثاني) فوزاً آخر مفاجئاً للرئيس ترمب، فمن المرجح أن تكون هناك ستة أسباب تفسر هذا الفوز.
أصوات المترددين المتأخرين
يشير تصويت حوالى 60 مليون أميركي حتى الآن في عمليات التصويت المُبكر إلى تضاؤل عدد الناخبين الذين لم يحسموا أمرهم بعد، وأظهرت استطلاعات للرأي أن حوالى خمسة في المئة من الناخبين لم يحددوا حتى الآن إن كانوا سيختارون الرئيس دونالد ترمب أو جو بايدن عند إدلائهم بأصواتهم يوم الثالث من نوفمبر، وعلى الرغم من صغر عدد هؤلاء، إلا أن الدلائل السابقة تشير إلى أن أصحاب الاختيار المتأخر كان لهم تأثير قوي في نتائج الانتخابات، خصوصاً عندما يكون السباق متقارباً في الولايات الحاسمة التي تحدد مصير الانتخابات، فقد ساندت غالبية المقترعين المترددين ترمب في تحقيق انتصارات غير متوقعة في الولايات التي ساعدته في الوصول إلى البيت الأبيض عام 2016.
ويخشى الديمقراطيون من أن الاستطلاعات التي أجريت خلال الأيام الأخيرة، من كونها كشفت أن الناخبين المترددين الذين أدلوا بأصواتهم بالفعل قبل يوم الانتخابات، كانوا يميلون لاختيار بايدن، تاركين أولئك الذين يميلون لاختيار ترمب للتصويت يوم الثلاثاء المقبل.
علاوة على ذلك، أظهر استطلاع سابق أن ترمب، حصل على دعم أعلى بين الناخبين الذين يعتزمون التصويت شخصياً في يوم الانتخابات مقارنة بنائب الرئيس السابق بايدن، الذي كان متقدماً في دعم الناخبين عبر البريد، بينما توقع خبراء استراتيجيون في الانتخابات أن يؤثر تصويت الناخبين المترددين المتأخرين في ولايات تشهد تقارباً كبيراً بين ترمب وبايدن مثل ولايتي فلوريدا ونورث كارولاينا، ما قد يؤدي إلى تغيير في النتيجة النهائية التي تتوقف على بضعة آلاف من الناخبين.
أما ولايات الغرب الأوسط مثل ميشيغان وويسكونسن ومينيسوتا التي تشهد تقدما أكبر لجو بايدن، فمن المحتمل أن يكون للناخبين المترددين تأثير أقل، ما لم تتغير نتائج استطلاعات الرأي لتسجل تقارباً بين المرشحّين الرئاسيين خلال الأسبوع الأخير قبل الانتخابات.
قاعدة ترمب الخجولة
وتنتشر واحدة من أكثر النظريات شيوعاً بين فريق الرئيس ترمب، وهي أنه يعاني من مشكلة غير عادية توصف في العلوم الاجتماعية وفي دراسات الرأي العام بتحيز “الرغبة الاجتماعية”، ما يعني أن من يؤيدون ترمب يخفون آراءهم الحقيقية عن منظمي استطلاعات الرأي، الأمر الذي يصعب إثباته أو دحضه.
لكن مديري حملة الرئيس يضيفون بعداً آخر حول استطلاعات الرأي، إذ يعتقدون أن فوز ترمب عام 2016 يعود في جزء مؤثر منه، إلى نسبة مشاركة كبيرة في الأماكن الأقل اكتظاظاً بالسكان في بعض الولايات الحاسمة الذين تجاهلتهم استطلاعات الرأي، ما جعلها غير دقيقة ومخادعة.
وعلى الرغم من أن بايدن يتمتع بالصدارة في جميع الاستطلاعات الوطنية تقريباً، وفي العديد من الولايات الرئيسة الحاسمة، ووفقاً لاستطلاعات رأي أخيرة، شهد دعم الرئيس ترمب تزايداً في بعض المناطق ما قد يحدث تغييراً في النتيجة النهائية في الولايات التي تشهد تنافساً قوياً.
وتراهن حملة الرئيس ترمب على أن حملات طرق الأبواب التقليدية التي تتنقل من منزل إلى آخر دعماً للرئيس ستحقق نتائج مبهرة، بعدما بلغ عدد أفراد الحملة أكثر من 2.5 مليون متطوع، وهو ما يعد رقماً قياسياً مقارنة بالحملة التي ساعدت الرئيس السابق باراك أوباما وبلغ عددها 2.2 مليون شخص عام 2008.
ويؤكد مساعدو حملة ترمب أن البيانات التي لديهم تُظهر تفوقهم، إذ تمكن المتطوعون من طرق أبواب نصف مليون منزل في الولايات المتأرجحة خلال أسبوع واحد من سبتمبر (أيلول) على سبيل المثال، بينما انصب تركيز حملة بايدن على بناء شبكة اتصالات قوية مع الناخبين عبر الرسائل الإلكترونية ووسائل التواصل الاجتماعي والاتصالات الهاتفية، لكنها كانت أبطأ بكثير في الانتقال إلى حملة طرق الأبواب بسبب انتشار كورونا طوال أشهر الحملة، الأمر الذي يوفر ميزة نسبية لحملة ترمب في الاتصال المباشر والمؤثر بالناخبين المحتملين.
تفتيت أصوات الأميركيين الأفارقة
وكان تراجع نسبة مشاركة الأميركيين الأفارقة في انتخابات عام 2016، أحد الأسباب الرئيسة لخسارة هيلاري كلينتون في عام 2016، بعدما فترت حماستهم الانتخابية فور نهاية حكم باراك أوباما، أول رئيس للولايات المتحدة من أصل أفريقي.
وفي المقابل، ركز ترمب على الناخبين السود بدرجة غير عادية لمرشح رئاسي من الحزب الجمهوري، ونظمت حملة الرئيس الانتخابية حملة واسعة النطاق عبر محطات الإذاعة الموجهة للأميركيين الأفارقة، كما شمل المؤتمر الوطني للحزب الجمهوري عدداً من المؤيدين الأميركيين الأفارقة البارزين مثل نجم اتحاد كرة القدم الأميركي السابق هيرشل ووكر.
ووفقاً لموقع البيانات الأميركي “فايف ثرتي إيت”، يظل الأميركيون الأفارقة الأكبر سناً هم الشريحة الأكثر تأييداً للمعسكر الديمقراطي، لكن الناخبين الأصغر سناً أقل حماسة منهم، ويشير استطلاع للرأي إلى أن دعم ترمب بين الناخبين من أصل أفريقي والذين تتراوح أعمارهم بين 18 و44، ارتفع من 10 في المئة عام 2016 إلى 21 في المئة هذا العام.
وعلى الرغم من شكوك فريق حملة ترمب حول قدرتهم على زيادة أعداد مؤيدي الرئيس عن ثمانية في المئة بين الناخبين من أصل أفريقي الذين دعموه عام 2016، إلا أن استراتيجيتهم تنصب الآن على تثبيط حماسة الأميركيين الأفارقة تجاه بايدن، وفي الوقت نفسه الاستفادة من تفتيت أصوات محتمل بوجود مرشح رئاسي أميركي من أصل أفريقي مؤيد للرئيس ترمب هو مغني الراب الشهير “كاني ويست” زوج نجمة الواقع الذائعة الصيت “كيم كارديشيان”، وهو ينافس على الانتخابات الرئاسية في 12 ولاية فقط، ما قد يتيح له جذب عدد من أصوات الأميركيين من أصل أفريقي الذين لا يثقون في كل من ترمب أو بايدن، وبالتالي سيحرم ذلك بايدن من أصوات بضعة آلاف آخرين في الولايات المتأرجحة الحاسمة ما قد يؤثر في النتيجة النهائية لهذه الولايات.
تسجيل الناخبين
وشهدت أرقام تسجيل الناخبين في الولايات المتأرجحة الرئيسة تحولاً جديداً يشير إلى صعود في نسبة الناخبين المؤيدين لترمب، ففي الأشهر الأربعة الأخيرة من كل دورة انتخابية، كان الديمقراطيون يتفوقون باستمرار على الجمهوريين المسجلين للانتخابات مثلما حدث عام 2016، إلا أن الجمهوريين عكسوا هذا الوضع وتجاوزوا عدد الديمقراطيين في التسجيل للانتخابات.
وعلى سبيل المثال زاد عدد الديمقراطيين المسجلين للانتخابات على الجمهوريين بأكثر من 78 ألف شخص في ولاية فلوريدا بين أغسطس (آب) ونوفمبر 2016. ولكن منذ أغسطس الماضي وحتى الآن، يتمتع الحزب الجمهوري بتسجيل عدد أكبر من ناخبيه يقدر بحوالى 104 آلاف شخص في الولاية مقارنة بالديمقراطيين.
وتكرر هذا النمط في ولاية بنسلفانيا أيضاً، إذ تحولت الزيادة في عدد الديمقراطيين المسجلين خلال الأشهر الأربعة الأخيرة من عام 2016 إلى زيادة على الجانب الجمهوري بحوالى 72 ألفاً هذا العام.
وبالمثل انخفض معدل تسجيل الديمقراطيين بشكل عام في ولاية نيفادا بحوالى 10 آلاف ناخب وفقاً لحملة ترمب، لكن هذا العدد الصغير نسبياً تعتبره حملة الرئيس حاسماً في ولاية فازت بها هيلاري كلينتون بفارق 27 ألف صوت فقط في الانتخابات الرئاسية الماضية، وهو ما يمثل فرصة لضم هذه الولاية إلى صفوف الولايات الحمر المؤيدة للرئيس ترمب، خصوصاً أن بعض أنصاره يتوقعون ضمور القوة الانتخابية للنقابات العمالية في الولاية بسبب الضربة التي عانت منها صناعة السياحة والألعاب أثناء الوباء.
أصوات الـ “لاتينوز”
على الرغم من أن ترمب سيخسر على الأرجح أصوات الـ “لاتينوز” (المتحدرين من أميركا اللاتينية) على الصعيد الوطني في الولايات المتحدة بحسب استطلاعات الرأي، إلا أنه ليس هناك ما يشير إلى أن نسبة تأييده التي بلغت 28 في المئة قد تراجعت بين هذه الشريحة الانتخابية المهمة منذ عام 2016، بسبب سياسات الهجرة التي اتبعها، وهي نسبة مثلت مفاجأة للبعض لأن تأييد ترمب كان أفضل قليلاً من ميت رومني مرشح الحزب الجمهوري لعام 2012، الذي تمسك بموقف أكثر وسطية في ما يتعلق بالهجرة.
وفي وقت يحافظ ترمب على المستوى نفسه مع هؤلاء الناخبين، على الرغم من تآكل شعبيته مع المجموعات السكانية الرئيسة الأخرى بما فيها البيض، إلا أنه حقق وضعاً متميزاً بين هذه الشريحة في ولاية فلوريدا، أكبر ولاية وأهمها ضمن الولايات التي ستحسم المعركة الانتخابية، وأظهر استطلاعان رئيسان في سبتمبر الماضي، أنه يتقدم قليلاً بين الناخبين الـ “لاتينوز” في فلوريدا التي فاز بها عام 2016 على الرغم من أن تأييده بينهم في هذا الوقت كان أقل من هيلاري كلينتون بفارق 27 نقطة مئوية.
ولعل السبب وراء هذا التحول في ولاية الشمس المشرقة يعود إلى أن الأميركيين من أصل كوبي الذين يشكلون نسبة كبيرة من الـ “لاتينوز” يُعتبرون في حالة عداء تقليدي للاشتراكية التي ينادي بها ساسة ديمقراطيون بارزون مثل السيناتور بيرني ساندرز وألكساندريا أوكاسيو كورتيز عضوة مجلس النواب.
طارق الشامي
اندبندت عربي