يبدو أن دخول المرشد الأعلى للنظام الإيراني علي خامنئي للمرة الثانية على خط الدفاع المباشر عن رئيس الجمهورية حسن روحاني وحكومته، وإن كان قد لجم المعركة السياسية الداخلية التي يخوضها المعسكر المحافظ ضد الأخير عبر تحميله مسؤولية كل الإخفاقات التي أصابت مختلف مجالات العمل الحكومي، السياسية والاقتصادية والمالية، وحتى في مجال العلاقة مع المجتمع الدولي. إلا أن هذا الموقف والتدخل، أسهما في إعادة الاعتبار لهذه الحكومة وترميم الثقة بها على المستويين الداخلي والخارجي، إذ نقل موقف المرشد أي تهجّم على الرئيس والنيل منه إلى مستوى اعتباره بمثابة “عمل حرام”، ووضعه في سياق الأحكام الشرعية انطلاقاً من موقعه كـ”ولي فقيه” يمسك بناصية الموقف الديني والفقهي الذي يشكل الغطاء الأيديولوجي للنظام الإسلامي.
المعسكر المحافظ
هذا الإصرار الذي مارسته قيادات المعسكر أو التيار المحافظ، في النيل من أداء السلطة التنفيذية برئاسة روحاني في مختلف المجالات، لم يأخذ في الاعتبار الآثار السلبية التي تنعكس على موقع إيران في الساحة الدولية والعلاقات التي يفترض أن تقوم بينها والدول الأخرى، ومن شأنها أن تعرقل آليات أي اتفاقات ذات أبعاد استراتيجية. كما لم يراعِ المحافظون تراجع منسوب الثقة بأي سلطة تنفيذية وأي حكومة منبثقة عنها، في مجال التعامل على المستوى الدولي.
تردد صيني
ولم يقتصر تراجع الثقة بالحكومة الإيرانية وانهيارها على الإدارة الرسمية، بل نال من الثقة بقدرة رئيسها على اتخاذ أي قرار، إن كان على الصعيد الداخلي، أو الخارجي في العلاقة مع المجتمع الدولي، سواء مع الخصوم أو الحلفاء الاستراتيجيين.
ولعل الأثر المباشر لاهتزاز الثقة بروحاني وحكومته تمظهر في العراقيل التي برزت على طريق اتخاذ الخطوة الأخيرة ضمن الاتفاق الاقتصادي الاستراتيجي بين إيران والصين عبر توقيعه والانتقال به من مرحلة التفاوض إلى مرحلة التنفيذ، إذ يبدو أن بكين لا تبدي حماسة واضحة لذلك في ظل الحكومة الإيرانية الحالية، على الرغم من الجهود الكبيرة والحثيثة التي بذلها وزير الخارجية محمد جواد ظريف الذي يراهن مع روحاني على إحداث نقلة نوعية وبلوغ محطة أساسية ومفصلية في “المعركة الاقتصادية” التي يخوضها النظام الإيراني مع الإدارة الأميركية على خلفية العقوبات الاقتصادية التي فرضتها إدارة الرئيس دونالد ترمب.
النظام الإيراني وتحديداً المرشد، بات واقفاً على حجم أزمة الثقة التي يواجهها النظام والحكومة على المستوى الدولي ومع الحلفاء الذين من المفترض أن يكونوا استراتيجيين في مواجهة الهيمنة الأميركية وسياسات ترمب الاقتصادية والأمنية والعسكرية. من هنا تأتي خطوة تكليف الرئيس السابق للبرلمان، مستشار المرشد، علي لاريجاني مهمة متابعة العلاقة والتنسيق مع الجانب الصيني، من أجل التوصل إلى اتفاق للتوقيع على الاتفاقية الاقتصادية الاستراتيجية وإدخالها حيّز التنفيذ في أسرع وقت ممكن لتسهم في التخفيف من الآثار السلبية للعقوبات الأميركية التي دخلت مرحلة متقدمة في عرقلة الاقتصاد الإيراني والحياة اليومية للمواطن، بالتالي باتت تشكل تهديداً حقيقياً لاستقرار النظام وقدرته على مواجهتها.
ويعكس تكليف لاريجاني متابعة ملف الاتفاق مع الصين، نوعاً من الاعتراف بحجم الضرر الذي لحق بالسلطة التنفيذية وتراجع الثقة الدولية بقدرتها على اتخاذ القرار. وهو كذلك اعتراف بالدور السلبي الذي لعبته قوى المعسكر المحافظ في إفشال كل الخطوات التي سعت حكومة روحاني إلى إنجازها خلال رئاسته الجمهورية والسلطة التنفيذية، على الصعيدين الداخلي والخارجي، خصوصاً تلك التي تتعلق بالاتفاق النووي ومنعه من ترجمة النتائج التي تضمّنها، إن كان في الانفتاح على المجتمع الدولي أو في تنفيس الاحتقان الداخلي والتخفيف من التداعيات السلبية للسياسات الاقتصادية الخاطئة التي ورثها من سلفه.
دور لاريجاني
ويفترض أن تلبّي خطوة تكليف لاريجاني الشروط التي وضعها الجانب الصيني للانتقال إلى المرحلة التنفيذية من الاتفاق، وأبرزها أن يكون التوقيع الإيراني صادراً عن أعلى سلطة تكون قادرة على الوفاء بالالتزامات التي يفرضها التوقيع ونتائجه. كما أن اختيار لاريجاني لهذه المهمة يأتي من كونه يشغل حالياً موقع مستشار المرشد، أي أن الجانب الإيراني يسعى إلى الالتفاف على ما يمكن أن يكون شرطاً صينياً، بتوقيع المرشد لضمان الاتفاق وتنفيذه، ما يعني ضمناً أن الجانب الصيني لم يعد يملك الثقة اللازمة لاعتبار السلطة التنفيذية وتوقيع الرئيس روحاني على الاتفاق ضمانة للتنفيذ، بخاصة أن دخوله تلك المرحلة يحتاج إلى موافقة البرلمان الإيراني الذي يسيطر عليه التيار المحافظ، الذي من المرجح أن يعمد إلى عرقلة آلية إقراره، في حين أن الجهة القادرة على تجاوز هذه العقبة هي المرشد الأعلى.
ولعل المخاوف الصينية التي أدت إلى وضع بكين هذا الشرط، تستند إلى سابقة حصلت في مرحلة “الاتفاق النووي” الذي أخرجت مسألة إقراره وتنفيذه من دائرة صلاحيات البرلمان ووضعت بأمر من المرشد الأعلى، ضمن دائرة صلاحيات المجلس الأعلى للأمن القومي. وكانت الجهة التي حاولت عرقلة الاتفاق النووي آنذاك، هي ذاتها التي تسيطر على البرلمان اليوم.
لذا من المرجح أن تتأخر عملية التوقيع على هذا الاتفاق بين بكين وطهران إلى ما بعد الانتخابات الرئاسية الإيرانية وليس الأميركية فقط، بانتظار حسم المعسكر المحافظ معركة استعادة السيطرة على السلطة التنفيذية، حين سيكون بالتالي النظام قادراً على الذهاب بسهولة إلى إنهاء عمليات التفاوض حول مختلف الملفات والاتفاقيات الاستراتيجية والسياسية، ليس فقط مع الصين، بل مع روسيا وأميركا أيضاً.
حسن فحص
اندبندت عربي