يواجه الاقتصاد العراقي جملة من التحديات بدءاً من تدهور الوضع الأمني في البلاد والتراجع الكبير بأسعار النفط وصولاً إلى التوترات الجيوسياسية والاضطرابات الاجتماعية في سياق ضعف الخدمات العامة وعدم إحراز تقدم في مكافحة الفساد المستشري، ناهيك عن تفشي الفقر والبطالة بين السكان، يضاف إلى هذه تحديات بطء إعادة الإعمار بعد سنوات طويلة من الحروب، وانتعاش اقتصادي مترنح يواجه اليوم تداعيات أزمة كورونا الموجعة.
في هذا التقرير نرصد رؤية كبرى المؤسسات الدولية لاقتصاد دولة ما بين النهرين أولى المراكز الحضارية والتجارية في العالم قبل أن تتعاقب عليها أنظمة تسببت في استنزاف العراق، وأدخلت شعبه في دوامة الفقر والبطالة لعقود مقبلة، كما ترصد تلك المؤسسات الأسباب التي جعلت البلد عاجزاً حتى اليوم عن تحقيق السلام والاستقرار ومستويات معيشة أفضل لمواطنيه والعودة لمعدلات النمو الماضية. واقترحت تقاريرها أيضاً مسارات استراتيجية يمكن للعراق من خلالها أن يتحرر من واقعه الهش الذي يعيشه اليوم.
البنك الدولي
يقول البنك الدولي إن العراق يقف اليوم على مفترق طرق. فبعد مرور زهاء عقدين من الزمن على حرب عام 2003، ما زال البلد عالقاً في واقع هش، ويواجه حالة متزايدة من انعدام الاستقرار السياسي، والاضطرابات الاجتماعية المتصاعدة، وفجوة متزايدة العمق ما بين الدولة والمواطن. وفي خضم عدد من الأزمات؛ بما في ذلك تراجع أسعار النفط، وجائحة كورونا، والاحتجاجات الأخيرة. يضاف إليها تراكم تأثيرات السياسات الاقتصادية الضعيفة، وغياب الإصلاحات، والعجز عن معالجة الفساد. ويشهد العراق الآن أسوأ أداء للنمو في الناتج المحلي الإجمالي السنوي خلال عام 2020 منذ سقوط نظام صدام حسين. ويظل انعدام الاستقرار، وعدم توافر فرص العمل، والفساد، وضعف تقديم الخدمات من بين المخاطر الأهم التي تحيط بالنمو الطويل الأمد في البلاد.
وتوقع البنك أن ينكمش الاقتصاد العراقي في عام 2020 بسبب انخفاض أسعار النفط وتفشي جائحة كوفيد-19. ونتيجةً لذلك، رجّح تزايد العجز المزدوج مما يعكس الاتجاه النزولي للدين العام، ويزيد من الضغط على سعر الصرف واحتياطيات البنك المركزي.
وأشار البنك الدولي في تقريره إلى أن ضعف أسعار النفط، وعدم مرونة الموازنة، وكذلك تقليص البرامج المشجعة للنمو وبطء تنفيذ الإصلاحات الهيكلية، وهي جميعاً تشكل مخاطر أساسية تواجه الآفاق الاقتصادية للبلاد، وتشكل عائقاً في تعزيز تكوين رأس المال البشري وإيجاد الوظائف.
أضاف، أنه في ظل هذه الأزمة المتعددة الأوجه، من المتوقع أن ينكمش معدل النمو في العراق بنسبة 9.5 في المئة خلال عام 2020، وهو أسوأ أداء سنوي منذ عام 2003. إذ يسجل إجمالي الناتج المحلي النفطي انكماشاً 12 في المئة وسط قيود اتفاق منظمة أوبك والمنتجين من خارجها على خفض الإنتاج، فيما ينكمش إجمالي الناتج المحلي غير النفطي 5 في المئة بسبب تأثر قطاعات الخدمات بتدابير الحد من تفشي الجائحة، لا سيما قطاع السياحة الدينية شديد الأهمية.
وأشار التقرير إلى أن ضعف الطلب المحلي وانخفاض قيمة عملتي إيران وتركيا مقابل الدينار العراقي أدى إلى كبح جماح معدل التضخم، مشيراً إلى أن معدل التضخم الكلي والأساس لم يسجل ارتفاعاً سوى 0.4 في المئة و0.7 في المئة خلال الشهور السبعة الأولى من 2020 على أساس سنوي.
وقال البنك، إن الآفاق المستقبلية للعراق تتسم بدرجة عالية من الهشاشة وتتوقف على تطور أسواق النفط العالمية، وقدرة نظام الرعاية الصحية العراقي على التصدي لهذه الجائحة، وعملية الإصلاح.
وعلى رغم قتامة الصورة التي رسمها البنك، فإنه أعطى بصيصاً من الأمل بقوله، إنه إذا ما تحسنت الظروف فمن المتوقع أن يعود معدل النمو تدريجاً إلى ما يتراوح بين 2.0 و7.3 في المئة في الفترة بين عامي 2021 و2022 مع توقع تعافي الاقتصاد غير النفطي، ليسجل في المتوسط 4 في المئة في الفترة ذاتها. ومن المتوقع أن يؤدي تعافي الطلب المحلي إلى زيادة معدل التضخم بمتوسط سنوي قدره 2 في المئة في الفترة ذاتها.
وكان البنك الدولي قد أعلن في أبريل (نيسان) استعداده لدعم العراق وإعادة هيكلة القروض الممنوحة بما يسهم في حماية شرائح المجتمع الهشة.
وقال الممثل المقيم للبنك الدولي في العراق رمزي نعمان، خلال لقاء مع وزير التخطيط العراقي نوري الدليمي، إن البنك الدولي يسعى لتقديم رؤية متكاملة لمعالجة التداعيات المستقبلية التي ستفرزها أزمة كورونا، ومنها ارتفاع معدلات الفقر والبطالة نتيجة الانكماش الاقتصادي وتراجع معدلات النمو، وانخفاض الناتج المحلي الإجمالي.
وأشار إلى أن البنك الدولي، على استعداد لتقديم الدعم الممكن وإعادة هيكلة القروض الممنوحة للعراق، بما يسهم في حماية شرائح المجتمع الهشة، مبيناً شمول 11 محافظة عراقية بمشروع الصندوق الاجتماعي للتنمية الداعم لخطط الحكومة العراقية الاستراتيجية للتخفيف من الفقر.
صندوق النقد
ويرى صندوق النقد الدولي أن نهاية الحرب على تنظيم داعش والتغلب على المشكلات الاجتماعية الاقتصادية التي طال أمدها، وربط ذلك بعودة قوية لأسعار النفط، قد تشكل جميعها فرصة لإعادة بناء العراق، الذي يواجه بحسب الصندوق تحديات هائلة.
وذكر الصندوق، أن عجلة الانتعاش الاقتصادي في العراق لا تزال تسير بوتيرة بطيئة، ومشروعات إعادة الإعمار محدودة جداً، بعد أن وضعت الحرب أوزارها، فيما يعزز الإنفاق الجاري الكبير المخاطر التي تحدق بالاقتصاد العراقي، مما يضع الأموال العامة واحتياطيات البنك المركزي على مسار لا يمكن دعم استمراريته. وأكد التقرير، الصادر في 2019، أهمية مكافحة الفساد لأجل تعزيز فعالية المؤسسات العامة، ولدعم جهود الاستثمار، وإيجاد فرص العمل من جانب القطاع الخاص.
وفي القطاع المالي، دعا الصندوق الحكومة العراقية إلى إيجاد خطة قوية لإعادة هيكلة مصارف القطاع العام الكبيرة الحجم، وما يقترن بذلك من تعزيز الرقابة على المصارف، الذي قال إنه أصبح ضرورة لتأمين الاستقرار المالي، كما دعا إلى تعزيز التطوير والشمول المالي، ووضع ضوابط أقوى لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، وتعزيز عمليات الإشراف مما يساعد العراق على منع إساءة استعمال القطاع المالي بالبلاد لأغراض جني العوائد الإجرامية المتأتية من غسل الأموال وتمويل الإرهاب.
ويرى الصندوق أن معالجة ضعف الحوكمة ومواطن الضعف التي ينتشر من خلالها الفساد عاملٌ مهمٌّ للغاية في تحقيق الأهداف. وكخطوة أولى، حث الصندوق السلطات العراقية على تطوير فهم شمولي لمخاطر الفساد الموجودة بالبلاد، ومن ثمّ العمل على تنفيذ السياسات للقضاء على هذه المخاطر بطريقة متجانسة ومنسقة.
مؤكداً ضرورة تعزيز الإطار التشريعي لكي يمنع المسؤولين بطريقة فاعلة من سوء استغلال مناصبهم، أو سوء استعمال موارد الدولة. وتحقيقاً لهذه الغاية، اقترح الصندوق الإسراع في إقرار القوانين التي تعزز إنفاذ نظام إشهار الذمة المالية، وتجريم الكسب غير المشروع، وضرورة ضمان استقلال ونزاهة الهيئات العاملة في مجال مكافحة الفساد، ووجوب تفعيل نظام مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب لدعم جهود مكافحة الفساد.
منظمة الشفافية الدولية
أما منظمة الشفافية الدولية، فقد ركزت في تقريرها على تفشي البطالة بين الشباب العراقي وتراجع الحريات بما فيها الحريات الإعلامية، وهيمنة الجماعات الطائفية في البلاد مما عزز الانقسام المجتمعي.
وقالت المنظمة، إن ارتفاع معدلات البطالة بين الشباب وجهود الإصلاح الهزيلة، كانت الدافع وراء نزول الآلاف من الشباب العراقيين إلى الشوارع أوائل أكتوبر (تشرين الأول) من العام الماضي. تلا ذلك مشاهد مروعة من القمع العنيف، حيث استخدمت قوات الأمن الذخيرة الحية ضد حشود المتظاهرين السلميين، ما أسفر عن مقتل أكثر من 100 وإصابة الآلاف.
وقال تقرير المنظمة، الذي صدر العام الماضي، إن الجماعات الطائفية في البلاد هيمنت على السياسة بالعراق منذ إطاحة الولايات المتحدة صدام حسين في عام 2003. وإن القوة الراسخة بين هذه الجماعات قسّمت السكان، وخلقت مساحة للأحزاب السياسية للسيطرة على المزيد من مجالات الحياة، مما يؤثر في كل شيء بالبلاد من فرص العمل إلى توزيع العقود الحكومية، التي تشكل أرضاً خصبة للفساد.
وأشارت المنظمة إلى إغلاق قناة الحرة المدعومة من الولايات المتحدة، في سبتمبر (أيلول) الماضي بعد أن نشرت تقارير عن الفساد المستشري بين الجماعات الطائفية. ودعت الحكومة العراقية إلى احترام الحقوق والحريات الأساسية، مثل حرية التجمع والاحتجاج والتعبير، ودعتها إلى دعم نضال العراق ضد الفساد.
مؤسسة التمويل الدولية
ويعد العراق أحد أولويات مؤسسة التمويل الدولية في منطقة الشرق الأوسط. وقامت المؤسسة بتمويل نحو 10 مشروعات بالبلاد تغطي الاتصالات والصناعة والمياه والفنادق من بين قطاعات أخرى، كما تدرس المزيد من فرص الاستثمار في قطاعي الطاقة والتصنيع. ونمت استثمارات مؤسسة التمويل الدولية، بشكل كبير على مدار السنوات التسع الماضية حيث استثمرت المؤسسة ما قيمته 1.5 مليار دولار في العراق، يشمل المبلغ استثمارات مشتركة مع جهات أخرى، وتبلغ محفظة مشروعاتها الحالية 330 مليون دولار. وتركز هذه المشروعات بشكل خاص على تحسين الوصول إلى البنية التحتية الحيوية ودعم قطاع التصنيع.
وقالت مؤسسة التمويل الدولية، وهي عضو في مجموعة البنك الدولي، إن سنوات الحرب ونقص الاستثمار تسببا في شل البنية التحتية للطاقة بالعراق، الأمر الذي أدى إلى انقطاع التيار الكهربائي بشكل متكرر وخنق النمو الاقتصادي. وتحدثت عن افتقار القطاع العام بالبلاد إلى الموارد اللازمة لتمويل إعادة الإعمار.
وكانت المؤسسة قدمت أيضاً حزمة التمويل بقيمة 375 مليون دولار لشركة الطاقة العراقية الخاصة ماس جلوبال إنرجي السليمانية، في خطوة نحو تعزيز البنية التحتية للطاقة بالمنطقة وسكانها.
كفاية أوليير
اندبندت عربي