تساؤلات عديدة تُطرَح عن استمرار الصراع بين أذربيجان وأرمينيا على إقليم ناغورني كاراباخ، وذلك بعد فشل اجتماع وزيري خارجية أرمينيا، زهراب مناتساكانيان، وأذربيجان، جيهون بيراموف، في التوصل إلى وقف إطلاف النار، إلى جانب فشل الهدن الثلاث التي رعت روسيا وفرنسا اثنتين منها، ورعت الولايات المتحدة الثالثة، حيث تستمر المعارك لتدخل شهرها الثاني، في ظل عدم وجود أفق لإيقافها في المدى القريب، على الرغم من تعدّد المطالبات والوساطات الدولية.
ولعل الدخول المتأخر للولايات المتحدة على خط الوساطة بين الطرفين، الأذري والأرميني، جاء من باب فضّ العتب، وعلى خلفية مشاركتها كلاً من روسيا وفرنسا في رئاسة مجموعة مينسك، وذلك في ظل انشغالها بالانتخابات الرئاسية، والتصريحات التي أطلقها أخيراً الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، وكانت تميل إلى كفّة أرمينيا، عندما وصف مقاتليها بالأشخاص “المذهلين، الذين يحاربون مثل الشياطين”، وألقى باللائمة على أذربيجان، لأنها رفضت العرض الذي قدّمه بوقف إطلاق النار.
تثبت مجموعة مينسك عجزها حيال وقف المعارك بين أذربيجان وأرمينيا، حيث لم يفلح الرؤساء المشتركون للمجموعة في جعل الطرفين يلتزمان مجرّد هدنة إنسانية
ومرة أخرى، تثبت مجموعة مينسك عجزها حيال وقف المعارك الجارية بين أذربيجان وأرمينيا، حيث لم يفلح الرؤساء الثلاثة المشتركون لمجموعة مينسك في جعل الطرفين يلتزمان مجرّد هدنة إنسانية، في ظل تبادل الاتهامات بينهما بخرق الهدن وقصف المدنيين وارتكاب المجازر وجرائم الحرب. يضاف ذلك إلى فشلها نحو 28 عاماً في إيجاد حلّ سياسي للصراع على إقليم ناغورني كاراباخ بين الدولتين، لكونها لم تبذل جهوداً كافيةً للتوصل إلى حلّ القضايا الخلافية المسببة له، والمتمثلة بالوضع القانوني للإقليم، وكيفية وممكنات إنشاء ممرٍّ آمنٍ، يوصله بأراضي أرمينيا، وفق عملية تبادل أراضٍ بين الدولتين. إضافة إلى انسحاب القوات الأرمينية من المناطق الأذربيجانية التي تحتلها بعد الحرب التي توقفت في عام 1994، وعودة ما يقارب المليون لاجئ أذري إلى مناطقهم المحتلة، ومعهم المهجّرون الأذريون من مناطقهم في إقليم كاراباخ، وكانوا يعيشون فيها قبل عام حرب تسعينيات القرن الماضي.
الأهم أن مجموعة مينسك لم تتمكّن من إيجاد توافقات لتطبيق قرارات مجلس الأمن الثلاثة التي طالبت بانسحاب القوات الأرمينية من الأراضي الأذربيجانية المحتلة، ولا إلى القرارين اللذين أكّدا وحدة الأراضي الأذربيجانية، وصدرا عن الجمعية العامة للأمم المتّحدة، وراحت تركز فقط على الشقّ المتعلق بوقف إطلاق النار، لذلك بقيت قضايا النزاع الأساسية من دون حل، وشكّلت فتيلاً لإشعاله من جديد.
لا ترغب روسيا في دخول قوى دولية غربية على خط الصراع الأرميني الأذري
وفي ظل فشل مجموعة مينسك، فإن الطرفين القادرين على وقف المعارك بين أذربيجان وأرمينيا، وحثهما على القبول بالمفاوضات، هما روسيا وتركيا، إذ على الرغم من الخلافات بينهما، إلا أن روسيا التي تحاول الظهور بمظهر الوسيط بين البلدين المتصارعين، وتركز تصريحات مسؤوليها على أن لا حسم عسكرياً للصراع الدائر، لا تمانع في إشراك تركيا في التسوية السياسية له، الأمر الذي يرجّح أن يعقدا تفاهماتٍ واتفاقياتٍ على غرار تفاهمات واتفاقات الشراكة بينهما في الملفين، السوري الليبي، وقد يشركان إيران معهما التي تحرّكت دبلوماسياً في هذا الإطار، ذلك أن الروس لا يمانعون مشاركة تركيا في إنهاء الحرب وحل النزاع، وفق ما أعلنه الرئيس الروسي، بوتين، بعد اتصالات أجراها مع نظيره، أردوغان، حيث طرح مناقشة التوصل إلى ممكنات إعادة أرمينيا المناطق التي تحتلها إلى أذربيجان، مع إيجاد وضع خاص لإقليم ناغورني كاراباخ المتنازع عليه. وبالتالي، من المتوقع أن تتكثف الاتصالات الروسية التركية مع ساسة كل من أرمينيا وأذربيجان، بغية التوصل إلى تثبيت هدنةٍ وفق خريطة طريق جديدة للحل، بمشاركة روسية وتركية وإيرانية، يمكنها أن تسهم في وقف المعارك، وعودة الطرفين إلى طاولة التفاوض.
اللافت أن كلاً من أذربيجان وأرمينيا تُبديان استعدادهما للتفاوض في موسكو، حيث اعتبر رئيس الوزراء الأرميني، نيكول باشينيان، أنه مستعد لتقديم تنازلاتٍ مؤلمة، إلا أن بلاده لا تقبل أي دور لتركيا في تسوية الصراع، وتتهمها بالقتال إلى جانب أذربيجان، ونقل مقاتلين من سورية وليبيا إلى ساحة الحرب، بينما تطرح أذربيجان صيغة 2+2، أي أرمينيا وأذربيجان مقابل روسيا وتركيا، حيث اعتبر الرئيس الأذري، إلهام علييف، أن هذه الصيغة تناسب بلاده إطاراً لتسوية النزاع في الإقليم، وأنه على استعداد للتفاوض من دون شروط.
تحاول روسيا الظهور بمظهر الوسيط بين البلدين المتصارعين وتركز على أن لا حسم عسكرياً
وأطلقت روسيا، منذ بداية تجدّد المعارك بين أذربيجان وأرمينيا، دعواتٍ إلى التهدئة، وراحت تشدّد على أن الحل العسكري غير مجدٍ لإنهاء الصراع، ولم تسارع إلى مساندة أرمينيا عسكرياً، بالنظر إلى علاقاتها المميزة مع كل من أذربيجان وتركيا. كذلك لا ترغب روسيا في دخول قوى دولية غربية على خط الصراع الأرميني الأذري، على الرغم من أنها تشارك كلاً من فرنسا والولايات المتحدة رئاسة مجموعة مينسك، بوصفها الإطار الدولي الوحيد الجامع بين روسيا والدول الغربية في العالم الأوراسي، لكن ذلك لا ينفي وجود خلافاتٍ عميقةٍ في العلاقات بين روسيا وكل من الولايات المتحدة وفرنسا حول ملفات دولية عديدة.
غير أن روسيا بدأت تربط علناً بين الوضعين في إدلب وفي جنوب القوقاز، حيث أقدمت، أخيراً، على تصعيد خطير، عبر استهداف “فيلق الشام” المدعوم من تركيا، موجهةً رسالة قوية إليها، فيما وجهت تركيا اتهاماً مباشراً إلى روسيا بعدم “دعمها السلام الدائم والاستقرار في المنطقة”، وذلك على لسان الرئيس أردوغان، لكن ذلك كله لا يعني نهاية التفاهمات واتفاقات الشراكة بينهما.
ومع تشابك المصالح بين تركيا وروسيا، ووجود الخلافات، فإن استمرار المعارك في كل من إدلب السورية وإقليم ناغورني كاراباخ مرهونٌ بإرادات القوى الدولية الفاعلة قبل كل شيء، إضافة إلى جملة من العوامل الداخلية في كل من أرمينيا وأذربيجان، ومدى تحملهما حرباً طويلة الأمد، على الرغم من الزخم والتجييش الداخلي الداعم لاستمرار الحرب، لكن مع ارتفاع كلفة الحرب بشرياً ومادياً، ستراجع القوى الداعمة خطاباتها التي تصوّر الحرب مسألة حياة أو موت، بينما هي في الواقع تكلف البلدين ثمناً باهظاً، في ظل دعم القوى المتدخلة فيها التي تريد تحقيق نفوذ وأدوار أكبر في منطقة جنوب القوقاز.
عمر كوش
العربي الجديد