تبقى محافظة كركوك (شمالي العراق) محل صراعات سياسية تفوق غيرها من المحافظات العراقية؛ بسبب مزيج مكوناتها وقومياتها، لتطفو نزاعات الدوائر الانتخابية على المشهد، بسبب شعور التركمان بالغبن تجاه الدوائر الثلاث التي أقرها البرلمان للمحافظة.
الطائي لا يرى غبنا على التركمان في كركوك بتطبيق قرار البرلمان في توزيع الدوائر الانتخابية (مواقع التواصل)
شرارة الخلاف
كان تقسيم كركوك لثلاث دوائر انتخابية السبب في إثارة حفيظة التركمان، إذ أوضح عباس البياتي، نائب رئيس الحركة القومية التركمانية في كركوك، للجزيرة نت، أن الدائرة الشمالية ستكون أشبه بالخالصة للكرد كونهم يشكلون النسبة العظمى فيها، ويناظرهم العرب في الدائرة الغربية؛ لتكون الدائرة الوسطى خليطا بين التركمان والكرد والعرب، مما يعطيهما نصيبا إضافيا للدائرة المغلقة لكل منهما، مضيفا وهذا غبن لحق القومية التركمانية الأعرق في كركوك.
بينما لا يرى العرب غبنا كونه قرارا برلمانيا بالدرجة الأولى إضافة إلى عامل التوزيع الجغرافي، بحسب ما قاله الناطق الرسمي باسم المجلس العربي في كركوك، حاتم الطائي، مؤكدا أن الكثافة العالية للكرد في المناطق الشمالية من المحافظة وكثافة العرب في المناطق الغربية خدمت القوميتين؛ لكنه واقع الحال.
وأضاف الطائي، أن مشكلة التركمان مركبة من توزيعهم الجغرافي المقتصر بأغلبه على المناطق الوسطى من كركوك وأعداد قليلة متباعدة خارج الوسطى يصعب جمعها في دائرة واحدة، إلى جانب قلة نسبتهم السكانية قياسا بالعرب والكرد، مما يجعلهم يشعرون بالغبن وهو أمر غير صحيح.
واتفق القيادي ومسؤول الانتخابات في حزب الاتحاد الوطني الكردستاني، علي محمد قلايي، مع الطائي، مضيفا لم يكن هناك توافق مسبق بين الأكراد والعرب حتى يتم اعتبار أن التركمان قد لحقهم الغبن.
البياتي اعتبر أن قرار البرلمان حول الدوائر الانتخابية أوقع الحيف بحق التركمان لصالح الكرد والعرب (مواقع التواصل)
الحلول التركمانية
وردا على العرب والكرد، اللذين يعتبران التوزيع الجغرافي والكثافة السكانية واقع حال، قال البياتي طالبنا لحل الأزمة أن تكون كركوك حالة استثنائية من 4 دوائر أو 3 بحسب القوميات لحل النزاعات، ومع عدم موافقة البرلمان نطالب بتعديل عدد المقاعد بحيث تكون الدائرة الشمالية 4 مقاعد بدلا من 5، والغربية تبقى 3، وتكون الوسطى وهي محل الخلاف الأكبر 5 بدلا من 4 مقاعد للحصول على الإنصاف، وهو التعديل الذي يلتزم العرب والكرد الصمت عن المطالبة به.
قد يكون صمت العرب والكرد عن التعديل لتوافق قرار الدوائر مع المصالح المرتقبة لهما دون إبرام اتفاق مشترك؛ وهو ما لا يؤيده المحلل السياسي ورئيس مركز التفكير السياسي، الدكتور إحسان الشمري، فقد أوضح للجزيرة نت أن خطوط الدوائر ذهبت لحد كبير لمصلحة الكرد والعرب؛ متابعا القول وهذا ما يؤشر أنها رسمت على أسس المصالح بين القوى السياسية بعيدا عن المبدأ العلمي بما يتعلق بعدد السكان من حيث الوجود، وهو ما يثير مشاكل كبيرة في كركوك.
وأضاف أن التقسيم المقرر لن يصنع الحل إذ ما تزال النظرة الحزبية والمكوناتية هي المسيطرة، ولذلك لا بصيص أمل ما دامت الهويات النوعية هي الحاكم على مستوى النفوذ والمصالح، وأن نظام الدوائر الانتخابية ليس خلاصا من الأزمات بقدر ما هو خدمة للقوى السياسية المتنفذة، التي رسمت حدود الدوائر في المحافظة حسب منافعها، وقد تزيد الدوائر من أزمة كركوك المكوناتية.
لا تقتصر الأزمات على تأسيس الدوائر على أسس المصالح فحسب، فقد سرد الشمري أسبابا أخرى يتقدمها غياب الممثل الحقيقي لكركوك مما غيب ثقافة انتخاب الناخب الكردي أو العربي للتركماني وبالعكس إلى جانب استمرار التخندقات الطائفية والحزبية.
بينما يقول البياتي إن مشكلة كركوك منذ 2003 أن قراراتها تمضي حسب هوى الحاكم فيها، وأن المعضلة الأزلية “التكريد” مشيرا إلى توطين قرابة 500 ألف كردي في المحافظة بعد الغزو الأميركي للعراق عام 2003 من ضمنهم جنسيات غير عراقية، وهذا السبب الرئيسي في تغيير ديمغرافية كركوك؛ مما ولد غبنا متعمدا بحق باقي القوميات وفي مقدمتها التركمانية.
الشمري عزا الأزمة الحقيقية في كركوك إلى استمرار التخندقات الطائفية والعرقية والحزبية (الجزيرة نت)
ضرورة ومخاطر
رغم كل ما طرأ من سلبيات تقسيم الدوائر الانتخابية والمشاكل المتجذرة بنظر التركمان؛ إلا أنهم يدعون لعدم المقاطعة ووجوب التوجه لصناديق الاقتراع للحصول على أدنى حد ممكن من الحقوق كوجود وتمثيل ضروري لقوميتهم رغم مساوئ الدوائر الانتخابية، بحسب تصريح البياتي.
من جهته أشار الشمري إلى أن المعضلة ليست في إقرار البرلمان لقانون الدوائر الانتخابية، الذي يضم نظامه إشكاليات كبيرة فحسب؛ بل أكد وجود إشكالية ترتبط بقضية نضج الناخب العراقي وكيفية اختيار ممثله بعيدا عن التحزب والطائفية.
وأعرب الشمري عن خشيته من مقاطعة الانتخابات في كركوك كون الأجواء المناخية في المحافظة غير مهيأة، ولربما تعاد سيناريوهات فوضى انتخابات 2018 من تزوير واحتجاز لصناديق الاقتراع والتجاوزات على المراكز الانتخابية من الجهات المتنفذة، وهو ما قد يتسبب بسحب الشرعية من النظام السياسي وإسقاطه.
الجزيرة