تنتشر بعض التكهنات أنه بمجرد أن يتم رفع العقوبات التي فرضتها الولايات المتحدة منذ عدة أشهر، ستغيّر إيران ولاءها القائم مع روسيا وتحاول خداع الدب الروسي عن طريق عقد صفقات تصدير الغاز والنفط التي تقوّض روسيا مباشرة، وخاصة خط أنابيب الغاز التركي لشركة غازبروم، والتي تستهدف الولايات الجنوبية في الاتحاد الأوروبي. وفي حال حدوث ذلك، وربما في الوقت نفسه يعيد البنتاغون ووكالة الاستخبارات المركزية تسليح الجيش الأوكراني وتوريد المدفعية الثقيلة لإطلاق هجوم عسكري أكثر فعّالية في الجمهوريات التي نصبت نفسها في شرق أوكرانيا، فإنّ حسابات واشنطن ستكون ضربة مدمّرة للاستقرار الاقتصادي الروسي. وبغض النظر عن أحلام البنتاغون، من غير المحتمل حدوث أي خداع من إيران لأسباب عديدة.
العواقب
أولًا، من المفيد أن نطرح السؤال الافتراضي في حال خداع إيران لروسيا، وهو ما هي عواقب ذلك على طهران؟ لا شك أن هناك سياسيًا أو رجل أعمال إيراني قد توهم حول الثروات الهائلة التي ستأتي من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بمجرد رفع العقوبات الاقتصادية الصارمة التي فرضتها الولايات المتحدة والاتحاد الأوربي. اشترت بعض الوفود التجارية من عدة دول أوروبية في محادثات تركيا مع طهران، وهذا استثمار محتمل ضخم في إعادة بناء القطاع النفطي المتهالك في إيران ومشاريع أخرى محتملة.
ولكن ما هي عواقب تقويض إيران لصادرات النفط والغاز المهمة من الناحية الاستراتيجية لروسيا؟ أولًا وقبل كل شيء، هذا التقويض سيجعل طهران تحت رحمة الغرب الذي فرض عليها العقوبات. وأوضح وزير النفط الإيراني بيجان نامدار زنكنه، في كلمة له على شاشة التلفزيون الإيراني في 26 أغسطس حين أعلن عن نية إيران لاستعادة مستويات تصدير النفط السابقة بغض النظر عن تأثيرها على أسعار منظمة أوبك. وأشار إلى أنّه في حال مضاعفة صادرات إيران وانخفاض الأسعار، فإنه لن تكون هناك مشكلة في ظل اعتياد البلاد على العقوبات والقيود المفروضة على التصدير.
شملت عقوبات الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي إغلاق غير مسبوق للحوالات الدولية في نظام “سويفت” بين البنوك إلى إيران لمنع الدفع لصادرات النفط في نهاية عام 2011، وكانت المرحلة الثانية في عام 2012. وكانت العواقب وخيمة للغاية. انخفضت صادرات النفط الإيراني من 2.6 مليون برميل يوميًا إلى 1.4 مليون برميل يوميًا في عام 2014. وقد شغل هذا الفراغ الصين ومشترين آخرين من آسيا والاتحاد الأوروبي للنفط الخام الإيراني، والذين كانوا يشترون في الأساس من المملكة العربية السعودية والكويت ونيجيريا وأنغولا، وذلك وفقًا لبيانات إدارة معلومات الطاقة الأمريكية.
إضافة مليون برميل إلى الوفرة التي يشهدها سوق النفط اليوم والتي تبقي الأسعار أقل من 50 دولارًا للبرميل بدلًا من سعر 114 دولارًا للبرميل في يونيو 2014، لن يكون خبرًا سعيدًا لموسكو. ومع ذلك، كل هذا يتوقف على مدى استمرار المملكة العربية السعودية وغيرها من الدول الأعضاء في منظمة “أوبك” في إغراق أسواق النفط العالمية في محاولة للقضاء على المنافسة من النفط الصخري في الولايات المتحدة. ويقدّر تقرير جديد من البنك الدولي أن في وقت ما في عام 2016 قد تصدر إيران مليون برميل إضافي. وفي سوق النفط اليوم هذا يعد وفرة كبيرة في المعرض النفطي.
ومع ذلك، تشير الدلائل إلى أنّ إيران لن تتصرف بطريقة متهورة. أدرجت المملكة العربية السعودية ومنظمة “أوبك” إيران كعضو داخل المنظمة حتى وقت قريب. وهذا يعني أنّ السعوديين وغيرهم ممن ملأ فراغ تصدير النفط الإيراني في السنوات الثلاث الماضية يجب أن يتوقعوا خسارة الحصص الأخيرة المكتسبة من الضائقة الاقتصادية في إيران. كما أنّ المفاوضات الروسية الأخيرة مع المملكة العربية السعودية حول صفقات بقيمة 10 مليار دولار، شملت شراء محطات للطاقة النووية روسية الصنع وعمليات شراء كبيرة محتملة للأسلحة المتطورة الروسية من قِبل المملكة العربية السعودية، من شأنها أن تضع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في دور الوسيط بين إيران والمملكة. ورُغم كل شيء، إيران ليس لديها ما تكسبه من خلال الإجراءات المتهورة التي تخلق أعداء جدد في حين أنّ “الصديق” الأمريكي الجديد غير جدير بالثقة.
عامل الاعتدال الآخر هو الاتفاقات والمفاوضات لتسليم المشتريات السابقة والأسلحة الجديدة حالما يتم رفع العقوبات. تجري هذه الصفقات بين طهران وموسكو حتى الآن وليس مع دول حلف الناتو في الغرب.
الصواريخ الروسية تذهب إلى إيران
وقال نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل بوغدانوف، في 19 أغسطس، في تصريحات لوسائل الإعلام الروسية إنّ إيران ستحصل على أنظمة صواريخ S-300 طويلة المدى سطح-جو بحلول نهاية هذا العام. وهذا ما أكده وزير الدفاع الإيراني حسين دهقان الذي أضاف ملاحظة هامة بأنه سيتم ترقية أنظمة الصواريخ لتشمل جميع التحسينات التي أدخلتها روسيا منذ تجميد الرئيس ميدفيديف الصفقة الأصلية بحجة العقوبات التي فرضها مجلس الأمن الدولي في وقال 2010. أنظمة S-300 اليوم هي أفضل الأنظمة المضادة لصواريخ الطائرات المنتشرة حاليًا، بما في ذلك الأنظمة الأمريكية.
في المؤتمر الصحفي نفسه، قال دهقان إنّ طهران تجري محادثات أيضًا مع موسكو لشراء مقاتلات روسية جديدة ونفى صحة التقارير التي تشير إلى أنّ عملية الشراء الإيراني المحتملة لطائرات عسكرية من فرنسا.
وتعليقًا على قرار شراء طائرات روسية مقاتلة، صرّح دهقان أنه “في مجال الطائرات المقاتلة، أعلنا متطلباتنا للروس ولم نقدم أي طلب في هذا المجال لفرنسا“، مشيرًا إلى أنه “من غير المحتمل” لإيران أن تشارك في التعاون العسكري مع فرنسا في ظل الوضع الراهن.
يا لبؤس فرنسا؛ فهي فقدت ليس فقط بيع طائرات ميسترال إلى روسيا ولكن أيضًا بيع الطائرات المقاتلة لإيران. دائمًا ما يذكّرنا ساركوزي إلى حلف الناتو في عام 2009، ويعكس قرار الرئيس الفرنسي شارل ديغول عام 1966 بترك حلف الناتو، وحينها لم يكن لدى فرنسا سوى المشاكل.
وفي المعرض الجوي الفضائي “ماكس” في 28 أغسطس عام 2015، أعلن نائب وزير الصناعة والتجارة الروسي أندريه بوجنيسكي أن إيران قد أعربت عن رغبتها في الحصول على العشرات من طائرة الركاب “سوخوي سوبرجيت – 100″ ذات المحركين لتحديث أسطولها التجاري الذي تمّ تجميده منذ العقوبات الأمريكية عام 1979. عرضت روسيا السماح لإيران بتوطين جزء من الإنتاج في حال شراء الطائرات الروسية.
كما أجرى نائب الرئيس الإيراني، سورينا ستاري، أثناء وجوده في موسكو لإجراء مناقشات بشأن استعادة الاتصالات والتجارة بين البلدين، محادثات مع وزير الصناعة والتجارة الروسي، دينيس مانتروف. وناقشا باستفاضة كيفية تصنيف التفاعل بين النظم المصرفية وخطوط الائتمان المفتوحة. وقال ستاري للصحيفة الروسية، كوميرسانت: “وهذا من شأنه خلق الأساس اللازم لتطوير التعاون التجاري والاقتصادي بين البلدين. المحادثات كانت إيجابية للغاية. نأمل في التوصل إلى نتيجة إيجابية بشأن هذه المسألة“.
إيران مهتمة أيضًا باستخدام حاملات الصواريخ الروسية لإطلاق أقمار صناعية إلى الفضاء. وأشار ستاري إلى أنه “من المهم أن يتم ذلك في إطار مشاريع مشتركة حتى نتمكن معًا من تطوير وإنشاء الأقمار الصناعية والتعاون في مجال بناء صاروخ فضائي“، وأضاف أنّ روسيا ليس لديها منافسين في مجال تكنولوجيا الفضاء.
وداعًا لوكالة الفضاء الأوروبية ولوكالة الأوهام الأمريكية “ناسا” صاحبة العقود الفضائية الزائفة مع إيران أيضًا.
باختصار، يبدو أنّ إيران تخطط بعد رفع العقوبات لتعميق العلاقات الاستراتيجية مع موسكو وليس لصنع عدو اقتصادي. وكما فعلت منظمة أوبك على مدى عقود، ليس هناك سبب يمنع تصل موسكو وطهران إلى اتفاق ودي بشأن سوق الأسهم فيما يتعلق بالنفط والغاز.
إيران وطريق الحرير
ثمة سبب آخر يجعل طهران أقرب إلى أوراسيا، وليس لحلف الناتو وهو حزام الصين الكبير المتمثل في مشروع إنشاء طريق واحد والعديد من الممرات البحرية. وحتى قبل الاتفاق النووي، قررت إيران أن تكون عضوًا مؤسِسًا وأن تنضم إلى البنك الآسيوي للاستثمار في البنية التحتية، المنافس الصاعد للبنك الدولي التي تسيطر عليه واشنطن.
بالنسبة للصين، موقع إيران الجغرافي وتضاريسها يجعلها شريكًا استراتيجيًا لتطوير شبكة من ممرات البنية التحتية البرية عبر أوراسيا المستقلة عن المواجهة المحتملة، خاصة في ظل وجود القوات البحرية الأمريكية.
وكانت إيران جزءًا من طريق الحرير الأصلي خلال عهد أسرة هان قبل نحو 2100 سنة. التعاون بين البلدين له تاريخ طويل. والآن، منذ قرار الرئيس شي جين بينغ بإنشاء الجسور البرية الأوروبية الآسيوية الجديدة طريق الحرير، مدفوعًا من قِبل “محور آسيا” الذي يتجه إليه أوباما والذي يهدف إلى الحصار العسكري للصين عن طريق البحر، فإنّ بكين ترى إيران كشريك أساسي.
إيران هي الطريق الأكثر ملاءمة لوصول الصين إلى المياه المفتوحة جانبًا من روسيا، وتقاطع الشرق والغرب / والشمال والجنوب الوحيد للتجارة في آسيا الوسطى. في مايو عام 1996، عقدت إيران وتركمانستان هذه الحلقة المفقودة من خلال استكمال خط إنشاء خط سكة حديد يمتد لنحو 300 كيلومتر بين مشهد وتيجين. وفي ديسمبر عام 2014، افتتحت كازاخستان، وتركمانستان، وإيران خط سكة حديد من أوزين (جاناوزن) إلى جرجان ومنها إلى موانئ إيران في الخليج. بالنسبة لبكين، فإنّ القيمة الجيوستراتيجية لإيران تتعزز من خلال موقعها على مفترق اثنين من الجسور البرية الصينية إلى الغرب. الجسر الآخر يجاور الساحل الشمالي من بحر قزوين عبر كازاخستان وجنوب غرب روسيا بالقرب من منطقة القوقاز. ومن ثم؛ فإنّ إيران لديها قيمة استراتيجية كبيرة لمشروع البنية التحتية الصيني لأنها تربط الصين مع كل من أوروبا والخليج.
والآن، حالما يتم رفع العقوبات في غضون عدة أشهر، يمكن أن تتم الموافقة على عضوية إيران التي تسعى إليها منذ فترة طويلة في منظمة شنغهاي للتعاون، والتي تم حظرها بسبب العقوبات الدولية، يمكن اعتمادها في الاجتماع السنوي العام المقبل. تضم منظمة شانغهاى للتعاون روسيا والصين والهند وباكستان وأوزبكستان وقيرغيزستان وطاجيكستان مع وجود إيران بصفة المراقب.
وفي مقابلة صحفية، قال نائب وزير الاقتصاد الإيراني مسعود كرباسيان إنه عندما يتم الانتهاء من الفرع الإيراني من طريق الحرير الاقتصادي الجديد، ستصبح إيران طريق عبور لأكثر من 12 مليون طن من البضائع سنويًا. كما قدّر الرئيس الصيني شي أنه في غضون عقد من الزمن ستحقق مبادرة “الحزام الواحد الطريق الواحد” سنويًا أكثر من 2.5 تريليون دولار سنويًا من التجارة بين البلدان الواقعة على طريق الحرير.
بالنسبة لإيران التي تتعاون بشكل كامل في هذا التطور بقيادة الصين وروسيا، فإنّ هذا أفضل من أن تصبح أداة جيوسياسية في أيدي واشنطن في الحروب الاقتصادية أو أي دولة أخرى ضد الصين وروسيا.
في زيارة شخصية إلى طهران عام 2013، شهدتُ عاملًا آخر مترسخ في أعماق النفوس الإيرانية ويعيق الثقة بأي وعود من واشنطن. ذهبتُ مع مرشد سياحي إلى المتحف الوطني الخاص بالحرب المأساوية بين العراق وإيران التي امتدت من عام 1980 وحتى عام 1988. وكانت واحدة من أعنف وأطول الحروب في القرن العشرين. كلّفت تلك الحرب إيران أكثر من مليون قتيل. ولا يجهل أي إيراني حقيقة أنّ واشنطن دعمت صدام حسين وحرضته على شنّ تلك الحرب المدمرة.
التقرير