رسائل إيجابية بعد ذروة التوتر والخلافات.. ما الذي يدفع الرياض وأنقرة لمحاولة التقارب الآن؟

رسائل إيجابية بعد ذروة التوتر والخلافات.. ما الذي يدفع الرياض وأنقرة لمحاولة التقارب الآن؟

بعدما وصلت الخلافات السياسية بين البلدين إلى ذروتها، وتشعبت وتوسعت محاور الصدام لتشمل تقريباً كافة الملفات الثنائية والإقليمية والدولية وصولاً لحملة المقاطعة الشرسة للمنتجات التركية، بدأت أنقرة والرياض في تبادل رسائل إيجابية لافتة، في محاولة على ما يبدو لتحسين العلاقات، تظهر رغبة للجانبين في التقارب خلال المرحلة المقبلة.

هذه الرغبة المفاجئة جاءت في ظل العديد من التغيرات المتسارعة في البلدين على الصعيدين الداخلي والخارجي، وهي متغيرات تشكل في مجملها عوامل كافية لفهم وجود رغبة قوية وحقيقية للتقارب، لكن المعضلة الأكبر تبقى في مدى إمكانية نجاح وتطبيق ذلك، لا سيما بعدما وصلت الخلافات إلى مستويات متقدمة، وهو ما يعني أن أي محاولات للتقارب سوف تحتاج إلى تفكيك كم كبير من عقد الخلاف وهو ما يتطلب وقتاً وجهداً كبيرين.

وطوال السنوات الماضية ورغم وصول الخلافات لمراحل خطيرة، حافظ البلدان على “شعرة معاوية” في العلاقات بينهما، حيث لم يتم قطع العلاقات الدبلوماسية أو تخفيضها، وتواصلت العلاقات الاقتصادية رغم دعوات المقاطعة، لكن الأهم هو الإبقاء على قناة اتصال بين الرئيس رجب طيب أردوغان والملك سلمان بن عبد العزيز الذي تجنب المسؤولون ووسائل الإعلام التركية توجيه أي انتقادات له على الإطلاق، حيث تم حصر الانتقادات رسمياً وإعلامياً ضد ولي العهد محمد بن سلمان.

وبالتزامن مع انعقاد قمة العشرين في السعودية، هاتف الملك سلمان الرئيس التركي أردوغان، السبت، وأوضحت الوكالة الرسمية السعودية أنه “تم خلال الاتصال، تنسيق الجهود المبذولة ضمن أعمال قمة العشرين التي تستضيفها المملكة”، لافتةً إلى أنه تم بحث العلاقات الثنائية بين البلدين.

وبعد ساعات، أطلق وزير الخارجية السعودي فيصل بن فرحان تصريحات “تصالحية” نادرة اتجاه تركيا. وقال في لقاء مع وكالة رويترز إن المملكة “لديها علاقات طيبة ورائعة” مع تركيا و”لا توجد بيانات تشير إلى وجود مقاطعة غير رسمية للمنتجات التركية”، لافتاً إلى أن السعودية إلى جانب الإمارات العربية المتحدة ومصر والبحرين تواصل البحث عن سبيل لإنهاء الخلاف مع قطر.

ونهاية الشهر الماضي، أعربت السعودية عن بالغ حزنها وأسفها لمقتل وإصابة العشرات، جراء زلزال ضرب ولاية إزمير غربي تركيا، قبل أن يأمر الملك سلمان بإرسال مساعدات إنسانية عاجلة إلى تركيا لصالح المتضررين من الزلزال.

والأسبوع الماضي، جرى اتصال هاتفي بين أردوغان وملك البحرين حمد بن عيسى آل خليفة، حيث قدّم أردوغان تعازيه بوفاة رئيس الوزراء البحريني، وأعرب عن ثقته في إمكانية إيجاد مساهمات إيجابية لحل عدد كبير من المشاكل المشتركة التي تواجهها المنطقة، كما جرى بحث “تعزيز العلاقات المبنية على الروابط الثقافية والإنسانية والتاريخية المتجذرة بين تركيا ودول الخليج”.

هذه التطورات جاءت في ظل مجموعة من المتغيرات الهامة، أبرزها على الإطلاق هو نتائج الانتخابات الأمريكية التي خلصت إلى فوز المرشح الديمقراطي جو بايدن على حساب الرئيس الحالي دونالد ترمب الصديق الحميم للسعودية، والذي ساعدها في التغطية على تصرفاتها سواء في الأزمة الخليجية وحصار قطر، أو الحرب المتواصلة في اليمن وصولاً إلى دعم مناطق النزاع في ليبيا وغيرها، إلى جانب التغطية على جريمة قتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي في تركيا، وهي القضية الأخطر التي تمس ولي العهد السعودي محمد بن سلمان شخصياً.

وفي محاولة على ما يبدو لتجنب المتاعب التي سيجلبها بايدن لولي العهد السعودي، تتجه المملكة لإبداء ليونة اتجاه الكثير من القضايا، ومنها محاولة حل الأزمة مع قطر، وإنهاء الحرب في اليمن، وإغلاق ملف خاشقجي، وجميعها ملفات تلعب تركيا فيها دوراً حيوياً، ولا يمكن حلها دون وجود علاقات جيدة بين الرياض وأنقرة.

يضاف إلى ذلك أن الرياض ربما وصلت إلى قناعة بأن سياسة معاداة تركيا قد فشلت، لا سيما عقب نجاح أنقرة في الكثير من الملفات من ليبيا إلى إقليم قرع باغ في أذربيجان، والاقتناع بأن التعويل على إمكانية عزل تركيا أوروبياً وأمريكياً أمر غير وارد على الإطلاق لما تتمتع به تركيا من موقع جيواستراتيجي وتحكّمها بملفات حيوية في المنطقة تجبر كافة الأطراف الدولية من روسيا إلى أمريكا والاتحاد الأوروبي والعديد من الدول العربية على الحفاظ على علاقات جيدة مع تركيا.

في المقابل، يعتبر فوز بايدن عاملاً مهماً أيضاً في الضغط على تركيا للاتجاه أكثر نحو تغيير سياساتها الخارجية خلال المرحلة المقبلة، والاتجاه أكثر نحو الاستقرار لتجنب الوقوع في فخ العقوبات الأمريكية. وبناءً على ذلك أطلق أردوغان، السبت، تصريحات تصالحية غير مسبوقة أكد خلالها على التحالف الاستراتيجي مع واشنطن، وأن أوروبا تبقى المكان الطبيعي والخيار الأول لتركيا، وسط التوجه الجديد للرئيس التركي للقيام بإصلاحات سياسية واقتصادية وقضائية وديمقراطية، النجاح فيها يتطلب تغييراً في السياسات الخارجية للحفاظ على علاقات اقتصادية جيدة بما يساهم في تحقيق الأولوية للأولى لأردوغان حالياً والمتمثلة في محاصرة الأزمة الاقتصادية، ومن شأن التقارب مع السعودية أن يعطي دفعة قوية لهذا التوجه.

هذه العوامل وغيرها، ولّدت رغبة مشتركة في تحسين العلاقات بين البلدين، إلا أنّ تشعب ملفات الخلاف وتعقدها يجعل من هذه المهمة غير سهلة على الإطلاق، وبحاجة إلى تنازلات كبيرة من الجانبين، وهو ما يجعل نتائج هذه المحاولات غير مضمونة، لا سيما وأنها بحاجة إلى تفكيك الكثير من العقد من حصار قطر إلى الموقف التركي من مصر وملف الإخوان المسلمين ووسائل إعلام التنظيم النشيطة في تركيا وملف خاشقجي، إلى جانب العامل المعطل الأكبر وهو مدى إمكانية تحييد الدور الإماراتي السلبي في هذا الإطار.

القدس العربي