تقترب أزمة معبر الكركرات في الصحراء الغربية من اكتمال أسبوعها الثاني وسط أجواء يشوبها الغموض وتضارب الأخبار بين بيانات عسكرية لجبهة البوليساريو وبين هدوء من طرف المغرب، بينما تتطلع شعوب المغرب العربي إلى الأمم المتحدة لتبادر بتحريك مفاوضات البحث عن الحل السياسي لتجنيب إحدى المناطق القليلة في العالم العربي والإسلامي التي لا تصحو يوميا على إيقاع المدافع والقتلى والجرحى.
ومنطقيا، توجد منطقة الصحراء الغربية في حالة حرب ولو نسبية بعدما أعلنت البوليساريو أنها في حل من اتفاقية الهدنة الموقع عليها يوم 6 أيلول/سبتمبر من سنة 1991، وذلك ردا منها على ما تعتبره خرق المغرب لهذه الاتفاقية بإدخال الجيش إلى معبر الكركرات الذي أغلقته قوات البوليساريو ومنعت مرور الشاحنات إلى موريتانيا، وأرادتها كذلك رسالة صارمة الى الأمم المتحدة لكي تعمل على إحياء مطالبها بإجراء استفتاء تقرير المصير. ويلاحظ أن الجبهة تقتصر حتى الآن على القصف العسكري من بعيد دون الدخول في اشتباكات مع الجيش المغربي وكأنها تتجنب إسالة الدماء، كما يحسب للمغرب تشبثه بالعملية السياسية وعدم الانخراط في الرد، وذلك حتى يبقى كل شيء في إطار مناوشات عسكرية خفيفة.
وكأن الطرفين بتصرفهما الحذّر هذا، يرسلان رسالة مفادها أنهما في غنى عن حرب جديدة بعد سلام دام 29 سنة، ويلمحان إلى ضرورة إسراع الدول الكبرى ودول الجوار والأمم المتحدة بتفعيل الوساطة للعودة إلى طاولة الحوار لإرساء السلام.
ورغم ذلك، وفي عالم يشهد يوميا نزاعات جديدة، لا أحد يضمن من أن لا تتطور الأوضاع الى حرب حقيقية كما حدث ما بين 1975 إلى 1991، وهي الحرب التي خلفت آلاف القتلى، واستنزفت القدرات المالية والسياسية للمغرب وحكمت على معظم الصحراويين بالعيش وسط الحرمان في مخيمات تندوف. وعناصر الانفجار حاضرة، فمن جهة، هناك المغرب الواثق من قوة تواجده في الأرض بفضل تفوقه العسكري والبشري وإيمانه بضرورة الحفاظ على وحدة أراضيه، ومن جهة أخرى هناك البوليساريو التي لم تعد لها ما تخسره بعد انتظار طويل وترى في الحل السياسي أشبه بالسراب وتعتقد في البندقية لإعادة اهتمام المنتظم الدولي بهذا الملف.
نعم، تتحمل الأمم المتحدة المسؤولية الكبرى في هذه الأزمة، إذ ومنذ استقالة المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في نزاع الصحراء هورست كوهلر خلال أيار/ مايو 2019 لم تبادر بالبحث عن مبعوث جديد يهدئ من قلق الطرفين. لقد تقاعست وهي التي تدرك أنه منذ خمس سنوات ومختلف التقارير حول القضية الصحراوية تحذّر من احتمال انفجار هذا الملف، عسكريا.
وإلى جانب الأمم المتحدة، تبقى التجمعات الإقليمية والقارية مثل الاتحاد الأوروبي والاتحاد الإفريقي ودول الجوار وأساسا الجزائر وموريتانيا وإسبانيا مطالبة بدورها بمساعدة الأمم المتحدة في عملية تسهيل الحوار وتقديم مقترحات الحل بدل الاصطفاف الى هذا الطرف أو ذاك. وهو الدور المطلوب كذلك من المثقفين والسياسيين في المغرب العربي بدل الانجرار إلى الحرب الإعلامية التي لا تقل ضررا عن الحرب العسكرية لما تخلفه من شرخ نفسي يلتصق بالذاكرة الجماعية إلى الأبد. ووسط كل هذا، على المغرب والبوليساريو التحلي بالواقعية والبراغماتية في البحث عن الحل الشامل والدائم بدل الجمود في المواقف.
يأمل الجميع في غلبة الحوار والحكمة حتى لا تشتعل المواجهة العسكرية مجددا في الصحراء ويصبح العالم العربي من الخليج الى المحيط منطقة حرب.
القدس العربي