سيطرت حال من الذعر والترقب المشوب بالتوتر على البنوك الاستثمارية والشركات المالية والمحاماة والاستشارات العاملة بالمجال المالي في حي المال والأعمال بالعاصمة البريطانية (لندن)، مع رفض السلطات الأوروبية تغيير قواعد وآليات تنظيم التعامل في المبادلات والمشتقات المالية بعد نهاية الفترة الانتقالية لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي (بريكست) في الـ 31 من ديسمبر (كانون الأول) المقبل.
وأعلنت هيئة الأسواق والأوراق المالية الأوروبية أنه منذ الأول من يناير (كانون الثاني) 2021 سيكون على كل المؤسسات المالية التي مقرها لندن وتتعامل مع الأسواق الأوروبية بحسب قواعد التعاملات المالية للاتحاد، بما في ذلك فروع البنوك الأوروبية في بريطانيا، أن تلتزم المعايير والقواعد والقوانين البريطانية والأوروبية معاً بعد نهاية الفترة الانتقالية.
سوق لندن
ويعني القرار أن البنوك والمؤسسات المالية في لندن قد تكون مضطرة إلى إجراء معاملاتها في الأسهم والمشتقات المالية (مبادلات، ومقايضات، وسندات دين مركبة) عبر نيويورك أو المراكز الأوروبية، مثل فرانكفورت أو باريس أو غيرها، بدلاً من التعامل من لندن.
وتعد سوق لندن رائدة في المبادلات والمشتقات المالية المركبة، مثل سندات توريق الدين وغيرها من شهادات المشتقات الأخرى. ويبلغ حجم السوق، التي تستفيد لندن من ميزة التعامل الأوروبي فيها بحسب قواعد الهيئة الأوروبية حالياً، 20 تريليون دولار (15 تريليون جنيه إسترليني) مهددة بهرب أغلبها من لندن، بعد نهاية الفترة الانتقالية لـ “بريكست”.
وكانت بعض البنوك الاستثمارية العالمية الكبرى التي تتخذ من لندن مقراً لها قد نقلت بعض أعمالها بالفعل إلى مواقع أوروبية، مثل “غولدمان ساكس” التي أعلنت الثلاثاء افتتاح مقر تعامل لها في باريس، لتفادي اضطراب ما بعد نهاية الفترة الانتقالية.
وتشكو المؤسسات المالية في حي المال والأعمال أنها أبقيت خارج مناقشات ومفاوضات الاتفاق بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي في شأن “بريكست” حتى الآن، على عكس قطاعات أخرى في الاقتصاد البريطاني.
القضايا الخلافية
والواقع أن تنظيم المعاملات المالية في الأوراق والمشتقات الاستثمارية ليس بنداً مستقلاً في مفاوضات اتفاق “بريكست”، إنما ينضوي ضمناً تحت بند أوسع متعلق بمساواة القواعد والقوانين والمعايير بين أوروبا وبريطانيا، وهي قضية من القضايا الخلافية الثلاث في مفاوضات اتفاقات “بريكست”، إلى جانب حقوق الصيد وآليات التحكيم في شأن الالتزام ببنود الاتفاق.
وكانت بريطانيا اقترحت أن يُضاف ملحق إلى الاتفاق يتعلق بالقواعد المنظمة للتعاملات المالية، خصوصاً في الأسهم والمشتقات، وهو ما خشي المفاوضون الأوروبيون أن يكون طريقة بريطانية للالتفاف على الخروج من أوروبا والاستمرار في استغلال “السوق الموحدة” الأوروبية كما كان في السابق. ورفض الأوروبيون الاقتراح على أساس أن هدف بريطانيا الأساسي من “بريكست” هو عدم الالتزام بما وصفته “المعايير والقواعد والقوانين للبيروقراطية الأوروبية”.
وعلى الرغم من أن تعاملات الأوراق المالية المذكورة، وكما أشرنا يبلغ حجم سوقها بين بريطانيا وأوروبا 20 تريليون دولار، لا يتأثر بـ “بريكست” باتفاق أو من دون اتفاق، فإن قرار هيئة الأسواق والأوراق المالية الأوروبية الأربعاء، يعني أن الاتحاد الأوروبي ليس مستعداً لمنح المؤسسات المالية في بريطانيا أي ميزات استثنائية في قطاع الخدمات المالية بعد 31 ديسمبر المقبل.
ويعني قرار الهيئة الأوروبية أن التعاملات ستعتمد على ما تسمّى “حقوق الوصول إلى الأسواق”، التي يمنحها كل طرف من جانبه كما يرى، من دون التزامات قانونية باتفاقات ثنائية أو جماعية، وهي الطريقة التي يتعامل بها الاتحاد الأوروبي مع مراكز مالية مثل نيويورك وسنغافورة وغيرها.
أحمد مصطفى
اندبندت عربي