المصالحة الخليجية: على أي أسس؟

المصالحة الخليجية: على أي أسس؟

قال وزير الخارجية ووزير الإعلام الكويتي بالإنابة، الشيخ أحمد ناصر المحمد الأحمد، أمس الجمعة إن مباحثات «مثمرة» جرت مؤخرا لحل الأزمة الخليجية المستمرة منذ منتصف عام 2017، وهو ما اعتبره نائب رئيس الوزراء وزير الخارجية القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني «خطوة مهمة نحو حل الأزمة الخليجية» كما رحب الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي، نايف الحجرف، بالبيان الكويتي، معتبرا إياه دليلا على قدرة المجلس على «تجاوز كل المعوقات والتحديات» وتتابعت التغريات والتصريحات بعد البيان الكويتي، وقال وزير الخارجية السعودي إنه يأمل في التوصل لاتفاق في أقرب وقت لحل الخلاف الخليجي. فيما أشاد بيان عُماني بجهود الكويت وأمريكا حيال الأزمة، كذلك قال وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو إن الولايات المتحدة لديها «أمل كبير» في حل الخلاف الخليجي، ورحب وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف في تغريدة بالتفاهمات التي أعلنتها الكويت بشأن الأزمة الخليجية.
يبدو الخلاف الخليجي المستمر إحدى المفارقات السياسية الكبيرة في المنطقة، وخصوصا حين يؤخذ، في الاعتبار، الاندفاع العلني المحموم، الذي تظهره سلطات الإمارات والبحرين (وهما عضوان رئيسيان في قائمة الدول المشاركة في الحصار ضد قطر) لإنشاء «علاقات طبيعية» مع إسرائيل.
المفارقة فاضحة فعلا، فأبو ظبي والمنامة، منكبتان على تأجيج العداء ضد جارتهما القريبة قطر وشعبها، والتي تجمعهما بها أواصر الجوار الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، وتتشاركان معها عضوية «مجلس التعاون الخليجي» لكنهما اختارتا العداء لها، في الوقت الذي تهللان فيه للتطبيع مع إسرائيل، بل وحتى لإعلان «جبهة موحدة» معها، وتتحديان، في سبيل ذلك، القوانين الدولية (ناهيك عن الأعراف الاجتماعية والأخلاقية) بالترويج للتعامل مع شركات المستوطنات في الجولان والضفة الغربية، وهي مستوطنات مقامة، حسب الأمم المتحدة، على أراض فلسطينية وسورية محتلة، وقائمة على نهب ثروات تلك الأراضي والعدوان على أصحابها.
تكف المفارقة عن ضرورتها، طبعا، حين تكون العلاقات بين النظم وشعوبها، والدول فيما بينها، قائمة على العدوان والتغلب والقوة الغاشمة، وليس على السياسة الواقعية التي تأخذ في الاعتبار مصالح الشعوب والجغرافيا والاجتماع والثقافة، ويصبح المنطق، في هذا السياق، العداء للقطريين والفلسطينيين (والليبيين واليمنيين والمصريين والسوريين والتونسيين الخ) من جهة، والتحالف مع دولة مؤسسة على الاحتلال والاستيطان.
من المفيد أن نلاحظ أن هذا التحالف بين إسرائيل والإمارات، هو جزء من شبكة عالمية أيضا، تقوم ظاهرة الشعبوية العنصرية التي يمثل الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أحد أهم تعبيراتها، فإدارة ترامب لعبت دور المدافع الأكثر شراسة عن سياسات المستوطنين، ودعم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الذي لم يقصر هو أيضا، عبر نفوذه ضمن اللوبي الصهيوني في أمريكا في دعم اتجاه ترامب، وفيما كان قادة المستوطنين يصلون لفوزه، كانت الإمارات تضع ثقلها السياسي والإعلامي (وربما المالي) لتأمين بقائه في البيت الأبيض.
ولا يمكن أن تكتمل الصورة من دون ربط هذا التحالف بين العنصرية الشعبوية، والاحتلال والاستيطان، والعدوانية السياسية والعسكرية للإمارات وحلفائها، بموجة العداء للإسلام في الغرب والعالم، في الوقت الذي ترفع فيه أبو ظبي شعارات التسامح والتقارب بين الأديان، وهي شعارات مفتوحة باتجاه إسرائيل والعنصريين اليمينيين الأوروبيين، ومغلقة باتجاه الشعوب العربية والإسلامية، والتي كان آخر تعبيراتها، منع الإمارات إعطاء تأشيرات دخول لمواطني 13 دولة عربية وإسلامية، في صدى لقرار ترامب الأول بعد انتخابه ضد مواطني 6 دول مسلمة.
إن أي انفراجات قريبة ممكنة في الموضوع الخليجي، لتكون حقيقية ويؤسس عليها، من الضروري أن تعيد الاعتبار للواقعية السياسية البسيطة، وباحتساب عناصر الوحدة الجغرافية والاجتماعية والثقافية، وقبل كل ذلك، باحترام سيادة الدول وسياساتها الداخلية والخارجية.

القدس العربي