تحدث الأمين العام الأسبق للجامعة العربية عمرو موسى -في كتاب جديد- عن جهوده في إقناع الرئيس العراقي الراحل صدام حسين بالقبول بعودة مفتشي الأسلحة الدوليين إلى العراق، ومحاولة تجنيب بلاده الحرب قبل الغزو الأميركي عام 2003.
وأوضح موسى في كتابه “سنوات الجامعة العربية” الذي سيصدر قريبا عن “دار الشروق” المصرية، أن مسألة توقف المفاوضات بين العراق والأمم المتحدة بخصوص التفتيش على أسلحة الدمار الشامل، التي كانت الولايات المتحدة تزعم أن العراق يمتلك أو يسعى لامتلاك بعضها، خصوصا الأسلحة النووية، كانت من أبرز القضايا التي فرضت نفسها عليه فور أن تولى مهام منصبه أمينا عاما للجامعة العربية.
ويقول موسى إنه تحدث في مطلع نوفمبر/تشرين الثاني 2001 مع الأمين العام للأمم المتحدة آنذاك كوفي أنان أثناء زيارته إلى نيويورك لحضور اجتماعات الجمعية العامة، و”قلت له لا يليق في عهدك والأمم المتحدة تحت رئاستك، ألا يكون هناك مجهود واضح في منع حرب وشيكة على العراق، تريدها وتسعى إليها الولايات المتحدة”.
ونقل عن أنان قوله بتململ “أحاول جهدي، لكنّ صدام حسين عنيد، وأنت تعرفه أكثر منّي. قلت لا بد أن نمنح العراق فرصة للإفلات من الحرب التي تستعد لها واشنطن. سأزور الرئيس العراقي في يناير/كانون الثاني المقبل. أريد منك رسالة أستطيع أن أنقلها إليه لحلحلة الموقف فيما يخص استئناف عمل المفتشين الدوليين”.
تفاصيل الزيارة
وقال موسى إنه رتَّب مع وزير الخارجية العراقي آنذاك ناجي صبري الحديثي أمر زيارته لبغداد، رفقة السفير الراحل أحمد بن حلي الأمين العام المساعد للجامعة العربية، والسفير حسين حسونة رئيس بعثة الجامعة لدى الأمم المتحدة، والسفير هشام بدر مدير مكتبه. وهبطت طائرته في مطار بغداد صباح 18 يناير/كانون الثاني 2002، “والتقيت صدام في اليوم التالي”.
ويضيف أنه تحدث إلى الرئيس العراقي الراحل بلهجة جادة، و”عبت عليه تعامله غير الإيجابي مع زيارة خبراء الأمم المتحدة المعنيين بالتفتيش عن أسلحة الدمار الشامل في العراق، ونقلت إليه رسالة الأمين العام كوفي أنان في هذا الشأن”.
ويشير موسى إلى أنه سأل صدام إن كان لدى العراق أسلحة نووية يخشى التفتيش عنها، فأكد الرئيس العراقي الراحل عدم وجودها، لكنه يخشى من أن كل المفتشين الذين يأتون إلى العراق عملاء لوكالة المخابرات الأميركية.
وأضاف موسى أنه طمأن صدام بأنه سيشدد على المنظمة الدولية كي ترسل مفتشين على درجة من النزاهة والاستقلالية، ويمكنه تأكيد ذلك من خلال عملية مفاوضات تتم بين العراق والأمم المتحدة، وبالذات كوفي أنان، مشيرا إلى أن صدام قبل بذلك.
واستكمل بن حلي ما دار بين موسى وصدام في شهادة مسجلة بصوته عن محاولات إقناع الرئيس العراقي بالتجاوب والتعامل بأقصى حد من التعاون دون إثارة المشاكل مع الأمم المتحدة؛ لتفويت الفرصة على المساعي الأميركية لضرب العراق.
اعلان
ويضيف بن حلي في شهادته أن موسى كان يريد من صدّام اتخاذ قرارات تجنّب العراق ضربة عسكرية يراها وشيكة، ويريد إقناعه بأن العراق مقبل بالفعل على هذه الضربة التي ستقضي على البلاد كلها، وسعى الرئيس صدام للتخفيف من هول ما يتعرض له العراق بقوله “إحنا صامدين ومهما كان لن يموت العراق”.
ضربة قاصمة
وأشار إلى أن موسى فقد أعصابه أثناء الحوار وخاطب صدام بأن التنظير لن ينفع والعراق سيتعرض لضربة قاصمة من الولايات المتحدة، القوة العظمى الأولى في العالم، وسأله “هل أنت واع أن بلدك معرض لهذا الخطر الداهم؟ هل أنت واع لمسؤوليتك في تجنيب العراق هذه الويلات؟”.
وقال بن حلي إنه شعر بأن الرئيس صدام كان في غيبوبة، فاكتشف الوضع الخطير بكلام عمرو موسى الذي قال له بوضوح: “إن العالم تغيّر، وإنه لا الأوروبيون ولا الروس سيساعدونك، ومصير الشعب العراقي في يدك”.
وأشار إلى أن صدام بدأ حينها يستوعب، وفي نهاية المطاف قال لعمرو موسى “أنا أفوضك للتحدث باسم العراق، اتصل بأميركا والأمين العام للأمم المتحدة كوفي أنان”، وأشار إلى أن موسى أجرى اتصالاته، لكن للأسف على ما يبدو كان قرار الحرب قد اتخذ.
موقف باول
ويكمل موسى حديثه في كتابه بأنه عقد اجتماعا فور عودته من بغداد مع مندوبي الدول في الجامعة العربية، وأبلغهم بنتائج الزيارة ولقائه بصدام، كما أبلغ قادة ومسؤولين عربا، ثم أبلغ أنان بنتائج الزيارة وكذلك وزير الخارجية الأميركي كولن باول.
وأشار موسى إلى أن باول أخبره جازما أنه “لا أنت ولا كوفي أنان ستستطيعان فعل شيء”، لأن قرار ضرب العراق كان قد تم اتخاذه والتحضير له كان على قدم وساق من الإدارة الأميركية، وإن كان في الواقع لم يرفض اقتراحه التفاوض بين العراق والأمم المتحدة بشأن عودة التفتيش.
لم تمضِ الأمور على ما يرام، ولم تكن الولايات المتحدة مستعدة للتراجع عن سياستها تجاه العراق، فسرعان ما تعثرت المفاوضات بين العراق والأمم المتحدة.
الجزيرة