الأسرة الدولية وتضليل انتخابات العراق

الأسرة الدولية وتضليل انتخابات العراق

مرة أخرى تستمر الأكاذيب ومناورات خداع محافل الأسرة الدولية الهادفة لتذكير العراقيين بأهمية المشاركة في الانتخابات البرلمانية المبكرة المقرر إجراؤها في يونيو / حزيران 2021 على الرغم من حجم وطبيعة الصعوبات والمشاكل الداخلية التي يمر بها العراق، من خلال صراع أحزاب وتيارات الدين السياسي الطائفي المسلحة فيما بينها على السلطة، وغياب أبسط مقومات المطالب التي يحملها الشارع العراقي، نتيجة لاستمرار عمليات القمع ووسائل الترهيب وكمّ الأفواه التي تمارسها الأحزاب المتسلطة على رقاب العراقيين منذ 2003.
فثمة من يقرأ في سعي مقتدى الصدر الأخير للعودة لما يسمى «بالبيت الشيعي» النية لوضع اليد على نتائج الانتخابات المقبلة نتيجة لتداعيات الإشكالية من موقفه الرافض لمطالب الشباب المنتفض، الذي بات يتهمه علناً بالوقوف وراء عمليات مهاجمة ساحات الاعتصام، التي وقعت في مدينة الناصرية وساحة التحرير في بغــداد، والذي سيدفعه لا محالة إلى مربع ما سمي بالأغلبية المذهبية في الانتخابات المقبلة، سواء إن تم قبوله من قبل ائتلاف دولة القانون،«ائتلاف الفتح» و«عصائب أهل الحق» أو رفضهم للتحالف، نتيجة للاختلاف العقائدي لميليشيات سرايا السلام مع غالبية الميليشيات المسلحة، وهذا ما قد يحول الانتخابات المقبلة إلى حلبة صراع عقائدي مسلح، ليس للعراق ولا للعراقيين ناقة فيها ولا جمل. وهذا ما قد بات يخيف العراقيين، بعد أن استغل الفكر المذهبي لرجال الدين مشاعر المواطنين دون أن تقدم نتائج الانتخابات المزورة التي أوصلتهم للسلطة شيئاً يذكر للعراقيين بصورة عامة وللعرب الشيعة بصورة خاصة.
وعلى الرغم من اقتراب موعد الانتخابات، وفي الوقت الذي تتجاهل الحكومة مطالب الاصلاحات وسكوتها الواضح لقمع الميليشيات للتيار الوطني، تستمر مسرحية (ضرورة المشاركة بالانتخابات مع وجوب الاصلاحات) التي تجمع أحزاب السلطة الحاكمة والمبعوث الأممي، لتخدير العراقيين ومن ثم إيهامهم بأهمية المشاركة، سعيا لإنجاح عملية إعادة تدوير العملية السياسية الطائفية، بنفس الأحزاب والنوايا، مع التغير في بعض الوجوه.

استمرار عمليات القمع ووسائل الترهيب وكمّ الأفواه التي تمارسها الأحزاب المتسلطة على رقاب العراقيين منذ 2003

من هنا ترجمت رسالة الحكومة العراقية إلى مجلس الأمن بمطالبتها «المزيد من الدعم والمساعدة الفنية ومراقبة الانتخابات في سياق دعم بعثة الأمم المتحدة لمساعدة العراق (يونامي) للعراق، ومن ثم تشديد وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين، في المؤتمر الصحافي، عن طلب حكومته، في «ضرورة إعادة ثقة العراقيين وتعزيز المشاركة» ورد الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة في العراق، «جينين هينيس بلاسخارت» في اجتماع مجلس الأمن المخصص للعراق عن «تأكيدها من نجاح وضع البرلمان العراقي اللمسات الأخيرة على التشريع الانتخابي الضروري،» لتكشف في النهاية عن مدى حرص الطرفين على إيهام العراقيين ودفعهم للقبول بضرورة بقاء العملية السياسية الفاشلة نتيجة لرفض الشارع المنتفض لهذه الانتخابات وللاحتمالات الكبيرة لتزويرها مرة أخرى.
ان إصرار الأسرة الدولية في تعاملها مع العراق من خلال الاستمرار في دعم العملية السياسية الطائفية والتغاضي عن الآثار الخطيرة على مستقبل البلاد، لا يمكن من تفسيره إلا من باب النفاق والتضليل، سعياً للحفاظ على مصالح الدول العظمى المهيمنة على الأمم المتحدة التي ينفذها سياسيو العراق من الذين وضعوا ولاءهم للآخرين قبل ولائهم للعراق والوفاء لشعبه.
لا شك أن قدرة الأسرة الدولية لمساعدة العراق تبقى في إطار حل المشاكل اللوجستية والفنية سعيا لإنجاح الانتخابات المقبلة وليس في إمكانية فرضها، حيث أصبح من غير المُمكن أن يغض المجتمع الدولي النظر عن الإشكالية السياسية والعقائدية التي تحملها أحزاب السلطة التي وضعت مصلحتها المذهبية والفئوية فوق المصلحة المشتركة العليا.
فلا أهمية إذن من هذا الدعم والمساعدة الفنية لبعثة الأمم المتحدة، لمساعدة العراق إذا كانت غايته التأثير على العراقيين، لإجبارهم على المشاركة في انتخاب الوجوه نفسها ومن ثم الاستمرار في بقاء العملية السياسية، ودعم أسسها ومقوماتها المذهبية التي قسمت العراقيين وأهدت بلدهم للأجنبي.

أمير المفرجي

القدس العربي