مرّ عام 2020 قاسيا وثقيلا على الشعب الفلسطيني، لما حمله من خطط إسرائيلية- أمريكية تهدف لتصفية قضيتهم، كان في مقدّمتها “صفقة القرن” المزعومة.
كما يسدل هذا العام ستاره على واقع التطبيع العربي المتصاعد مع إسرائيل، الذي يشكل تهديدا للقضية الفلسطينية من الجوانب “السياسية والاقتصادية والأمنية”.
تلك المخططات لم تكن منفصلة عن أزمة اقتصادية ضربت مفاصل السلطة الفلسطينية، والمؤسسات “الدولية” العاملة في فلسطين (أبرزها أونروا)، ومؤسسات المجتمع المدني التي تتلقى تمويلها من الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID).
الأزمة الاقتصادية بدأت منذ 2017، حينما علّقت واشنطن مساعداتها للقنوات الثلاث تلك، والمقدّرة بنحو 700 مليون دولار سنويا، بحسب بيانات حكومية فلسطينية وأمريكية.
وفيما يلي أبرز المحطات السياسية والاقتصادية التي مرّت بها أراضي السلطة خلال عام 2020.
صفقة القرن
أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، في 28 يناير/ كانون الثاني الماضي، خطة السلام للشرق الأوسط المزعومة، والمعروفة إعلاميا بـ”صفقة القرن”.
وتضمنت الخطة إقامة دولة فلسطينية في صورة “أرخبيل” تربطه جسور وأنفاق، وعاصمتها “في أجزاء من القدس الشرقية”، مع جعل القدس المحتلة عاصمة موحدة لإسرائيل.
وأبقت الخطة لإسرائيل المسؤولية الأمنية العليا على دولة فلسطين، على أن تكون الأخيرة منزوعة السلاح، ولن تضطر إسرائيل إلى اقتلاع أي مستوطنة من الضفة الغربية أو القدس الشرقية.
خطة الضم
اعتزمت الحكومة الإسرائيلية خلال 2020 خطة لضم أجزاء واسعة من الضفة لسيادتها، وكان من المقرر أن تشرع بتنفيذها في الأول من يوليو/ تموز 2020، لكنّها أجّلتها لأسباب غير معلنة.
وقالت الولايات المتحدة، في 29 أكتوبر/ تشرين أول الماضي، على لسان آفي بيركوفيتش، مبعوث ترامب للشرق الأوسط، إنه تم “تأجيل خطة الضم الإسرائيلية، لحين استكمال عمليات التطبيع بين إسرائيل ودول عربية”.
وتشمل الخطة الإسرائيلية ضم منطقة غور الأردن وجميع المستوطنات، وهو ما يعادل نحو 30 في المئة من مساحة الضفة المحتلة.
واحتجاجا على تهديدات الضم، انسحب الفلسطينيون في 20 مايو/ أيار الماضي، من الاتفاقيات والالتزامات مع تل أبيب وواشنطن، لكنهم أعادوا العمل بها في 17 نوفمبر/ تشرين الثاني، عقب تلقيهم رسالة رسمية من الحكومة الإسرائيلية تعلن فيها التزامها بالاتفاقيات الموقعة مع منظمة التحرير.
الاستيطان
تسارعت وتيرة الاستيطان في الضفة، حيث قالت منظمة التحرير الفلسطينية إن عدد الوحدات الاستيطانية التي وافقت تل أبيب على بنائها خلال 2020، بلغت نحو 12 ألف و159 وحدة.
ولمعرفة خطورة الرقم الأخير يمكن مقارنته مع 8 آلاف و337 وحدة استيطانية صادقت عليها إسرائيل في 2019، و5 آلاف و618 وحدة في 2018، و6 آلاف و742 في 2017، و2613 في عام 2016، و1732 وحدة استيطانية في 2015.
وتشير هذه البيانات الصادرة عن حركة “السلام الآن” الإسرائيلية، إلى تصاعد البناء في المستوطنات بشكل كبير منذ وصول الرئيس ترامب إلى الحكم في عام 2016.
وتفيد تقديرات إسرائيلية وفلسطينية بوجود نحو 650 ألف مستوطن في مستوطنات الضفة الغربية والقدس المحتلة، يسكنون في 164 مستوطنة وعشرات البؤر الاستيطانية.
أموال المقاصة
رفضت السلطة الوطنية الفلسطينية استلام أموال العائدات الضريبية (المقاصة)، التي تشكل ثلثي إجمالي إيرادات الحكومة الشهرية، عقب وقف العمل بالاتفاقيات مع إسرائيل (من مايو- حتى نوفمبر).
وأدى عدم استلام عائدات المقاصة، لتفاقم الأزمة المالية للحكومة الفلسطينية، التي لم تتمكن على مدار 5 شهور من دفع رواتب موظفيها كاملة، واكتفت بنصف الراتب.
ولجأت الحكومة للاقتراض من البنوك المحلية بعد عدم استجابة جامعة الدول العربية لطلب فلسطيني رسمي بالحصول على قرض مجمع، للإيفاء بالتزاماتها.
وارتفع إجمالي الدين العام الفلسطيني، لمستويات تاريخية غير مسبوقة إلى متوسط 3 مليارات دولار، منها قرابة 2.3 مليار دولار عبارة عن دين عام محلي.
وقال رئيس الحكومة الفلسطينية محمد اشتية، في لقاء مع مجموعة من الصحافيين، إن الدعم العربي لبلاده توقف منذ مطلع 2020.
أزمة أونروا
تواجه وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين “أونروا”، أزمة مالية خانقة، حيث بلغت قيمة العجز –لهذا العام- حوالي 115 مليون دولار.
وبدأت أزمة “أونروا”، التي تقدّم خدماتها لنحو 5.3 ملايين لاجئ فلسطيني، في 31 أغسطس/ آب 2018، حينما أوقفت واشنطن كامل دعمها للوكالة، والبالغ نحو 360 مليون دولار.
وقطع الأموال عن “أونروا”، يندرج ضمن رغبة كل من الولايات المتحدة وإسرائيل في إلغاء وجودها، حيث دعا نتنياهو، في 2017، إلى تفكيكها.
وتأسست “أونروا” بقرار من الجمعية العامة للأمم المتحدة عام 1949، وتم تفويضها بتقديم المساعدة والحماية للاجئين في مناطق عملياتها الخمس، الأردن، وسوريا، ولبنان، والضفة الغربية، وقطاع غزة، إلى أن يتم التوصل إلى حل عادل لمشكلتهم.
التطبيع العربي
شكّل مسار التطبيع العربي مع إسرائيل، الذي انضمت إليه 4 دول (المغرب، والإمارات، والبحرين، والسودان)، خلال 2020، ضربة “قاسية” للقضية الفلسيطنية.
وقال تيسير محيسن، الكاتب السياسي إن “عددا من المخاطر تترتب على مسار التطبيع، سواء في المجال السياسي، أو الاقتصادي، أو الأمني، أو العسكري”.
وعلى الصعيد السياسي، فإن التطبيع “شكل ضربة لمبادرة السلام العربية، ويحرم الفلسطينيين من الظهير العربي، ويساهم في تغلل إسرائيل في المنطقة”، وفق محيسن.
واقتصاديا، فإن الدول التي ذهبت نحو التطبيع “قد تمارس ضغوطا (اقتصادية وتمويلية)، على القيادة الفلسطينية، للتساوق مع هذا السلوك”.
وعلى الصعيد الأمني، قال إن “مسار التطبيع سيزيد من حجم التنسيق الأمني بين إسرائيل والدول العربية، بما يضيف مساحات عمل أوسع للأجهزة الأمنية الإسرائيلية العاملة بالخارج، لملاحقة المقاومة ومموليها في المنطقة”.
الاقتصاد في غزة
وصف ماهر الطبّاع، مدير العلاقات العامة والإعلام بغرفة التجارة والصناعة في غزة، الوضع الاقتصادي بالقطاع، خلال عام 2020، بـ”الكارثي”.
وتابع الطباع” “ذلك جرّاء استمرار الحصار الإسرائيلي المفروض للعام الـ14 على التوالي، إلى جانب التداعيات السلبية لجائحة كورونا”.
وأوضح أن الحصار أدى إلى “تراجع كافة الأنشطة الاقتصادية، ما تسبب بارتفاع معدلات البطالة والفقر وانعدام الأمن الغذائي، وإضافة لتدمير البنية الاقتصادية خلال الهجمات العسكرية الإسرائيلية”.
من جانب آخر، قال الطبّاع إن النشاط الاقتصادي تراجع خلال 2020، بنسبة تتراوح ما بين 50-90 في المئة، في القطاعات المختلفة، جراء كورونا.
وزاد: “هناك قطاعات اقتصادية توقّفت بشكل كامل كالسياحة والمواصلات بسبب الجائحة”.
المصالحة الفلسطينية
انتهى عام 2020 بتعثّر جهود المصالحة الفلسطينية بين حركتي “فتح” و”حماس”، بسبب اختلافهما على آلية إجراء الانتخابات العامة، وتوقيتها.
وكانت الحركتان قد تقاربت في إطار مواجهة صفقة القرن وخطة الضم الإسرائيلية، حيث عقدتا عددا من اللقاءات الافتراضية، قبل عقد اجتماعات وجاهية مباشرة في تركيا ومصر.
ولكن هذه الاجتماعات لم تؤد إلى مصالحة حقيقية، بسبب الاختلاف على مواعيد وآليات إجراء الانتخابات، فحركة فتح تطالب بانتخابات تشريعية (برلمانية)، ثم رئاسية، وأخيرا انتخابات المجلس الوطني (برلمان منظمة التحرير يمثل الفلسطينيين بالخارج).
لكن “حماس” تطالب بإجراء جولات الانتخابات الثلاثة بشكل متزامن.
تفاهمات التهدئة
على الصعيد الميداني في غزة، شهد عام 2020، وفق مراقبين عسكريين، هدوءا نسبيا مقارنة بالأعوام السابقة، يرجعونه لأسباب متعلقة بكورونا.
وكان رئيس أركان الجيش الإسرائيلي، أفيف كوخافي، قال في تصريحات صحفية سابقة، إن “كمية الصواريخ التي أطلقت نحو اسرائيل أقل من العام الماضي”.
في المقابل، شهدت تفاهمات التهدئة، التي تم التوصل إليها عام 2018 بين حماس وإسرائيل (برعاية مصرية وأممية وقطرية)، تعثرا في ظل مماطلة الجانب الإسرائيلي في الالتزام ببنودها، وفق تصريحات سابقة لحركة “حماس”.
(الأناضول)