قلق أميركي حيال تخفيض الوجود الدبلوماسي والعسكري في العراق

قلق أميركي حيال تخفيض الوجود الدبلوماسي والعسكري في العراق

أعرب مسؤولون أميركيون حاليون وسابقون عن قلقهم من استمرار تخفيض الوجود الدبلوماسي الأميركي في العراق، الذي سينتج تبعات سلبية على برنامج المساعدات الذي يبلغ نحو مليار دولار، فضلاً عن مشاغل أخرى تتعلق بانسحاب أوسع للعسكريين، وهو ما يخشى البعض داخل الكونغرس من أن يفرغ الساحة لمزيد من النفوذ الإيراني.

ذكرى سليماني

وبحسب مسؤولين ومساعدين في الكونغرس، تحدثوا لوسائل إعلام أميركية، فإن وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو قدم خططاً، في وقت سابق من الشهر الحالي، لسحب عشرات الدبلوماسيين من السفارة الأميركية في بغداد، كإجراء استباقي وسط تهديدات أمنية محتملة ترتبط بالذكرى السنوية الأولى لمقتل القائد العسكري الإيراني قاسم سليماني في غارة جوية أميركية في الثالث من يناير (كانون الثاني) 2020.

وقال مسؤولون حاليون وسابقون ومساعدون في الكونغرس، مطلعون على الملف، لمجلة “فورين بوليسي”، السبت، إنه بموجب القرار تم تقليص عدد الدبلوماسيين الأميركيين، وكذلك عدد مسؤولي برنامج المساعدات الخارجية في السفارة ببغداد إلى النصف تقريباً. ووفق الخطة، لن يتبقى سوى أربعة موظفين يعملون بدوام كامل في الوكالة الأميركية للتنمية الدولية (USAID) في بغداد، بالإضافة إلى الموظفين المحليين، لمتابعة مئات الملايين من الدولارات العائدة إلى البرنامج.

مسيرة نسيائية في طهران ضد الولايات المتحدة احتجاجا على مقتل قاسم سليماني (أ ف ب).
مسيرة نسيائية في طهران ضد الولايات المتحدة احتجاجا على مقتل سليماني (أ ف ب)

وبحسب مسؤولين سابقين وعاملين في المجال الإنساني، تحدثوا للمجلة، شريطة عدم الكشف عن هويتهم، فسيكون من الصعب، إن لم يكن من المستحيل، لمثل هذا العدد المحدود من الموظفين ضمان تنفيذ كثير من المساعدات بشكل صحيح من دون سوء إدارة أو وقوع فساد.

ووفقاً لبيانات الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، خصصت الولايات المتحدة نحو 960 مليون دولار من المساعدات للعراق في العام المالي 2019، و197 مليون دولار في العام المالي 2020، الذي يبدأ في سبتمبر (أيلول). وبحسب الأمم المتحدة، لا يزال هناك 1.4 مليون نازح داخلي، و4.1 مليون شخص بحاجة إلى مساعدات إنسانية في العراق، الذي يعاني نقصاً في تمويل الاستجابة الإنسانية بنحو 60 مليون دولار.

قلق الكونغرس

يأتي القرار وسط انسحاب أوسع للموظفين العسكريين والدبلوماسيين من العراق في الأسابيع الأخيرة من إدارة الرئيس الأميركي المنتهية ولايته دونالد ترمب، الذي يغادر البيت الأبيض في 20 من يناير المقبل، وسط قلق داخل الكونغرس من أن يقوض هذا التحرك استقرار العراق ويفتح الطريق أمام إيران ووكلائها للحصول على مزيد من النفوذ في البلاد. وقال أحد المساعدين في مجلس الشيوخ الأميركي “إذا أرادت إيران خروجنا من العراق ونحن نرحل تحت ضغط، فإننا نمنحهم ما يريدون”.

ويعكس الانسحاب المتواصل إحباطاً متزايداً داخل الكونغرس بشأن طريقة تعامل إدارة ترمب مع الشرق الأوسط. فمنذ سبتمبر وأكتوبر (تشرين الأول) الماضيين، يطالب أعضاء وموظفو لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ ولجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب بإحاطات بشأن مستويات الموظفين في السفارة في بغداد، في حين لم يبلغ مسؤولو الإدارة الأميركية الكونغرس بقرار تخفيض عدد الموظفين في السفارة قبل نشر الخبر مسبقاً، في صحيفتي “بوليتيكو” و”واشنطن بوست”.
وقالت المتحدثة باسم الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، بوغا جونجونوالا، إن الوكالة تجري باستمرار تغييرات بين موظفيها في السفارات والقنصليات في جميع أنحاء العالم، اعتماداً على المهمة والوضع الأمني المحلي والعطلات. وأشارت إلى أن عمليات النقل هذه غير مرتبطة بالموظفين العراقيين المحليين، الذين يعملون عن بعد منذ بدء جائحة كورونا. كما استعانت الوكالة بمراقبين من طرف ثالث لمحاولة ضمان المتابعة والمساءلة عن مشاريعها. وأضافت المسؤولة الأميركية أن “الإشراف المناسب على أموال دافعي الضرائب الأميركيين التي تنفق على التنمية الخارجية أمر بالغ الأهمية بالنسبة إلى الوكالة”.

سلامة الموظفين أولوية

في المقابل، شدد متحدث باسم وزارة الخارجية الأميركية على أن ضمان سلامة وأمن المواطنين الأميركيين وموظفي الحكومة والمرافق “يظل على رأس أولوياتنا”. وأضاف أن السفير الأميركي، ماثيو تولر، لا يزال في العراق وأن السفارة في بغداد مستمرة في العمل.

وأفاد مساعد في مجلس الشيوخ بأنه عندما أطلع مسؤولو وزارة الخارجية المشرعين على هذه الخطط في أوائل ديسمبر، وصفوا الأمر بأنه قرار “مؤقت ويسهل التراجع عنه”، وهو مرتبط بتهديدات إيران المتزايدة لموظفي الحكومة الأميركية والقوات في العراق.

وتعد هذه الموجة الثانية من عمليات سحب الموظفين في سفارة الولايات المتحدة في بغداد منذ العام الماضي، بعد أن أمرت إدارة ترمب بمغادرة الدبلوماسيين وموظفي الإغاثة للسفارة. ووفقاً لأحد مساعدي مجلس الشيوخ المطلعين على الملف، فإن الخطة الجديدة ستترك أقل من 100 موظف بدوام كامل.

قرار متهور

يصر الديمقراطيون في الكونغرس على أن مثل هذه الخطوة تشكل نقطة فاصلة تجعل الأمور أصعب بالنسبة إلى الرئيس المنتخب جو بايدن، الذي سيتسلم الحكم الشهر المقبل. وقال النائب الديمقراطي تيد دويتش، الذي يرأس اللجنة الفرعية للشرق الأوسط في مجلس النواب “هذا الانسحاب هو مثال آخر على السياسة الخارجية المتهورة للرئيس ترمب، التي تقوض انخراطنا الدبلوماسي والإنساني مع العالم وتخلق عواقب غير مقصودة سيتعين على الإدارة المقبلة معالجتها”.

وأضاف أن الشعب العراقي يواجه مجموعة من التحديات، والوجود الأميركي المجهز بكامل طاقمه والمحمي بشكل مناسب، أمر حيوي لمساعدة الجهود المبذولة لمكافحة “داعش” وأشكال النفوذ الخبيث الأخرى، ومساعدة العراق على أن يصبح بلداً أكثر مرونة واستقلالية وديمقراطية.

وبحسب ميك مولروي، المسؤول السابق في البنتاغون ومحلل الأمن القومي لدى شبكة “أي بي سي نيوز”، فإن الوكالة الأميركية للتنمية الدولية تلعب دوراً مهماً في العمليات الشاملة في سوريا والعراق، إذ إن دعمها للسكان المحليين يجلب حسن النية تجاه الولايات المتحدة والوجود الأميركي المستمر هناك. وأضاف “لا أعرف مدى صحة التقارير بشأن رحيل أو سحب موظفي الوكالة، لكن أمل أن يتمكن سفيرنا وفريقنا القطري وقائد البعثة التي تقودها الولايات المتحدة ضد (داعش) من التأثير على هذا القرار وتجنب آثاره على عملياتهم”.

إنجي مجدي

اندبندت عربي