أربيل المفلسة تلتمس حلا لمعضلتها المالية لدى بغداد المأزومة

أربيل المفلسة تلتمس حلا لمعضلتها المالية لدى بغداد المأزومة

تشهد العلاقات بين السلطة المركزية العراقية وسلطات إقليم كردستان العراق، منذ أشهر، حالة من التخبّط غير مسبوقة رغم كثرة المناسبات السابقة التي اختلف فيها الطرفان ووقفا خلالها على حافة الصدام وأوضحها على الإطلاق ما جرى بين الطرفين سنة 2017 عندما حاولت قيادة الإقليم الدفع بخيار استقلاله عن العراق عبر تنظيم استفتاء للغرض أجري بقرار أحادي كردي في سبتمبر من العام نفسه وردّت عليه بغداد بإجراءات عقابية صارمة اتخذتها بالتعاون والتنسيق مع كل من أنقرة وطهران غير الراغبتين في قيام دولة كردية في المنطقة.

وسبب التجاذبات الدائرة بين بغداد وأربيل خلال الفترة الحالية اقتصادي مالي، حيث وقع الطرفان معا في أزمة مالية حادّة وصلت حدّ عجزهما عن دفع رواتب الموظفين الحكوميين. وبينما ذهبت حكومة إقليم كردستان إلى تحميل الحكومة المركزية مسؤولية الأزمة مطالبة إياها بحلّها عبر صرف حصّة الإقليم من الميزانية الاتحادية، أظهرت حكومة بغداد تشدّدا في الموضوع، نظرا لكونها واقعة بدورها في الأزمة ذاتها ما يجعلها غير قادرة على الاستجابة للمطالب المالية الكردية.

وعاد خلال الأسبوع الجاري من العاصمة العراقية بغداد إلى إقليم كردستان العراق وفد رفيع برئاسة قوباد الطالباني، نجل الرئيس العراقي الراحل جلال الطالباني، بعد أسبوعين من المفاوضات مع الحكومة الاتحادية، من دون التوصل إلى أي اتفاق بشأن القضايا الخلافية بين بغداد وأربيل.

ويشغل قوباد الطالباني منصب نائب رئيس الحكومة الإقليمية في كردستان، وجرى تكليفه بالتفاوض مع بغداد في محاولة للاستفادة من علاقات والده الواسعة بالقوى الشيعية والسنية المشاركة قيادة السلطة المركزية.

وتضرر إقليم كردستان بشدة بسبب الأزمة المالية التي تعصف بالعراق على خلفية تراجع أسعار النفط. وسبق للإقليم الكردي أن وقّع عقود استخراج للبترول من الأراضي التي يسيطر عليها في شمال البلاد بمعزل عن بغداد، حتى قيل إن نفط كردستان مرهون لشركات أجنبية لمدة أعوام قادمة.

الأحزاب الكردية تحاول الاستعانة بالإدارة الأميركية للضغط على بغداد لتمرير اتفاق مالي يضمن مصالح الإقليم الكردي

وعندما تراجعت أسعار النفط لم يعد ما تدفعه الشركات كافيا لتغطية نفقات الإقليم في ما يتعلق برواتب الموظفين ودعم الخدمات العامة، لذلك اضطر للعودة إلى بغداد طلبا للمساعدة المالية.

لكن بغداد التي تنوء تحت ثقل أزمة مالية خانقة، لم تجد في خزينتها ما تعطيه لأربيل، لذلك بدأ قوباد الطالباني مفاوضات معقدة للتوصل إلى اتفاق. وتريد بغداد أن تسيطر على النفط والمنافذ الحدودية في كردستان مع تركيا وإيران، لقاء تكفّلها بدفع رواتب موظفي الإقليم.

وفي ما سبق كان الإقليم الكردي يعارض هذه الرغبة بشدة، لكنه وافق عليها جزئيا العام 2017، بعدما تعرض لأزمة مالية مشابهة. ومنذ ذلك الحين، تقول بغداد إن مشاركتها في إدارة منافذ ومطارات الإقليم شكلية.

وتعترض بغداد على أصل الأرقام التي تقدمها حكومة الإقليم لعدد الموظفين فيها. وتقول أطراف حكومية في بغداد إن أحزاب الإقليم تضع في قوائم الحكومة الكردية أسماء موظفين وهميين للحصول على أموال إضافية.

وتقول بغداد إن الإقليم الكردي يبيع يوميا نحو 600 ألف برميل من النفط المستخرج من أراضيه، مؤكدة أن عوائد المبيعات النفطية كافية لتغطية الرواتب.

لكن الإقليم الكردي يقول إنه يصدر يوميا نحو 420 ألف برميل إلى تركيا، وبعد تسديد أجور الشركات النفطية المنتجة، يمكنه الحصول على 300 مليون دولار شهريا، لكنه يعاني عجزا يقدر بـ450 مليون دولار لتأمين رواتب الموظفين.

وقبل عودته إلى أربيل، حاول قوباد الطالباني أن يكون إيجابيا، من خلال الإعلان عن الاتفاق مع بغداد على مشروع قانون موازنة 2021، من دون تحديد حصة إقليم كردستان فيها.

وقالت مصادر إن الطالباني لم يجد ما يقوله قبيل عودته إلى كردستان، بعد ما أمضى أسبوعين من المفاوضات في بغداد من دون أن يصل إلى أي تفاهم.

وأصر الطالباني على أن المباحثات مع بغداد “مستمرة ولن تفشل بأي شكل من الأشكال”، ملمحا إلى أحد أهم الخلافات مع الحكومة المركزية بالقول إنّ “النسبة المخصصة لإقليم كردستان محددة في مشروع قانون موازنة 2021، وهي 12.67 في المئة، ونرى أنها أقل مما نستحق”.

وتحاول الولايات المتحدة حث صديقيها في بغداد مصطفى الكاظمي وفي أربيل مسعود البارزاني على التوصل إلى تفاهم بشأن تقاسم عائدات النفط.

والثلاثاء الماضي ثمّن وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو “المساعي التي تبذلها حكومتا العراق وإقليم كردستان من أجل التوصل إلى اتفاق بشأن الموازنة وحثهما على الالتزام بالتقاسم العادل للعائدات”. وبحث الوزير الأميركي مع رئيس حكومة إقليم كردستان مسرور البارزاني “الموازنة ومساعي التوصل إلى اتفاق بشأنها”.

واقترح بومبيو “أن تكون للولايات المتحدة والأمم المتحدة مشاركة فاعلة وعلى مستوى عال في حل المشاكل والتوصل إلى اتفاق بين إقليم كردستان والحكومة الاتحادية العراقية قائم على أساس الدستور”.

ويقول مراقبون إن الأحزاب الكردية ربما تواصلت مع الإدارة الأميركية لمطالبتها بالضغط على بغداد لتمرير اتفاق مالي يضمن مصالح الإقليم الكردي.

ويبدو هذا الخيار منطقيا بعد فشل المفاوضات المباشرة بين الوفد الكردي والأطراف الشيعية والسنية المختلفة في بغداد بشأن عوائد النفط والرواتب والمنافذ وغيرها.

لكن حكومة الكاظمي، حتى إذا أرادت أن تنفذ رغبات الإقليم، فإنها ستجازف لو فعلت ذلك في ظل تربص القوى الشيعية الموالية لإيران وانتظارها لأي خطأ من الحكومة كي تقلب الطاولة عليها.

وخلال الأسابيع الماضية اشتكى ساسة أكراد من نفس عدائي شيعي في بغداد، قالوا إنهم شعروا بأن دوافعه عنصرية أو طائفية.

وتقول أحزاب شيعية موالية لإيران إن الإقليم الكردي يشارك في الاستفادة من عائدات نفط البصرة ويمنع بغداد من مشاركته عوائد النفط الذي يستخرجه من مناطقه. وطالب العديد من النواب والساسة الشيعة الحكومة بالتوقف عن إرسال أي أموال الحكومة الكردية. ويقول مراقبون إن هذا السجال سيكون جزءا من مادة الحملة الانتخابية المنتظرة في المناطق الشيعية.

صحيفة العرب