يبدو أن الرئيس الإيراني حسن روحاني قرّر خلال الأشهر الأخيرة من دورته الثانية في رئاسة الجمهورية، خلع ثوب المداراة والمراعاة، وكسر حاجز التردد والتلميح بشكل موارب، عمّا يعانيه من أزمة في مصادرة صلاحياته على رأس السلطة التنفيذية، ومنعه من ممارسة دوره كحارس وأمين على تطبيق الدستور، والصراخ بوجه آلة النظام ومؤسسات الدولة التابعة له، أو تلك التي يسيطر عليها مباشرة، مطالباً بالذهاب إلى الاستفتاء على صلاحيات موقع رئيس الجمهورية، التي وردت في المادة (113) من الدستور.
حاول روحاني تغليف صرخته وتوجيهها نحو الممارسات التي يقوم بها البرلمان أو السلطة التشريعية، وما تقوم به من محاولات لمصادرة دور رئيس الجمهورية في إدارة الحكومة والإشراف على عمل الوزارات، وحسن تطبيق السياسات العامة للحكومة والدولة، متجاوزاً دوره الرقابي على عمل السلطة التنفيذية الذي حدّده الدستور، للتدخل في الخطط والسياسات الإدارية التي تقع في دائرة اختصاصاتها مباشرة وحصرياً.
المطالبة بالاستفتاء، وخلال لقاء عام، تعني أن روحاني فقد الأمل من استجابة الجهة الدستورية المنوط بها رعاية العلاقة بين السلطات الدستورية الثلاث، لمنع الخروق التي تحدث، والتعدي الذي يحصل على مبدأ فصل السلطات، أي المرشد، وأنه اختار التصعيد في الفترة المتبقية من رئاسته على الرغم من حساسيتها، وما يبذله فيها من جهود لإعادة إحياء الاتفاق النووي، ومساعي إنهاء العقوبات الاقتصادية التي شلّت فترة رئاسته، وتميهد الطريق لعودة الملف النووي والاتفاق الخاص به إلى مساره الأول، من خلال العودة عن خطوات تقليص وخفض التعهدات الإيرانية في مجال تخصيب اليورانيوم، تزامناً مع عودة واشنطن للانضمام إلى الاتفاق.
يمكن اعتبار الموقف الذي كشف عنه روحاني في المطالبة بالاستفتاء، بمثابة الصرخة الأخيرة في الدفاع عن “جمهورية” النظام بوجه السياسات، والمساعي القائمة لتحويلها إلى نظام “سلطة إسلامية” تقوم على صلاحيات كاملة وواسعة ومقررة لموقع ولاية الفقيه المطلقة، كتعبير عن الفقه السياسي الشيعي عن منصب “الخلافة أو الخليفة” في الفقه السياسي لأهل السنة والجماعة.
اقرأ المزيد
إخراج روحاني من دائرة القرار
رسائل روحاني الأميركية
شيفرات العلاقة العميقة بين تركيا وإيران
قرّر روحاني التمرّد وإحراج موقع المرشد ودوره، من خلال الدخول إلى الدائرة الخاصة لصلاحياته، التي تقع مسألة الدعوة إلى إجراء الاستفتاءات الشعبية وتعديل الدستور في صلبها، ومن مختصات دورها وصلاحياتها، خصوصاً أنه لم يكتف بطرح مسألة الاستفتاء حول صلاحيات الرئاسة ودور رئيس الجمهورية الحارس للدستور، بل استند في هذه الدعوة إلى التجربة التي جرت في آخر استفتاء قبل 31 سنة، عندما أدخل تعديلاً في هيكلية السلطة وصلاحيات ولاية الفقيه، إذ أُلغي موقع رئاسة الوزراء، وحُولت ولاية الفقيه من مقيدة إلى مطلقة مع توسيع صلاحياتها، مما جعلها فوق الدستور في الوقت التي تعتبر فيه جزءاً منه وناظمة له.
روحاني بإشارته إلى استفتاء العام 1987 الذي جرى آخر أيام الزعيم المؤسس، غمز من قناة الخلافات التي كانت تسيطر على الحياة السياسية، والإدارة بين موقع رئاسة الجمهورية التي كان على رأسها المرشد الحالي، وموقع رئاسة الوزراء وتضارب الصلاحيات، وأن الاستفتاء جاء لترتيب مرحلة ما بعد المؤسس، ولإخراج موقع الرئاسة من مجرد دور بروتوكولي إلى شريك فاعل في القرار والسلطة، عبر إلغاء موقع رئاسة الوزراء وتحويل صلاحياته التنفيذية لرئيس الجمهورية، وبالتالي فهي محاولة لتذكير المرشد، الذي يعتبر أحد مهندسي الاستفتاء السابق، بموقع رئاسة الجمهورية في هرمية السلطة بعد المرشد الأعلى، وأن الاستمرار في محاصرة هذه الصلاحيات وهذا الدور والموقع يصب لمصلحة الدعوات التي بدأت تجد مكاناً لها في الحياة السياسية المطالبة بإلغاء منصب رئاسة الجمهورية لمصلحة إعادة إحياء موقع رئاسة الوزراء، على أن يكون موقعاً تنفيذياً خاضعاً لإشراف مباشر من المرشد، ويطبق سياسته في المجالات جميعاً.
صرخة روحاني، وإن كانت تأخذ بعداً اعتراضياً مباشراً على ما وصلت إليه العلاقة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية من توتر، نتيجة التدخلات التي يقوم بها البرلمان الذي يسيطر عليه المتشددون في عمل الحكومة وسياساتها الاقتصادية والإدارية، وحتى ما يتعلق بالملف النووي والعلاقات الدولية التي تصب في دائرة الاتفاق النووي، وما يواجهه من أزمات نتيجة الموقف الأميركي في عهد الرئيس المنتهية ولايته دونالد ترمب، وما يمكن أن تذهب إليه الأمور مع الرئيس الجديد جو بايدن، إلا أن لها بعداً آخر، يرتبط بالمآلات التي ستذهب إليها رئاسة الجمهورية في حال وصل إلى هذا الموقع شخص من المؤسسة العسكرية، وتحديداً من حرس الثورة، فالرهانات التي تعقدها القوى الداعمة لهذا المسار، والتي تعمل من أجل تسليم السلطة التنفيذية لشخصية عسكرية، هو استكمال دائرة السيطرة على مفاصل مؤسسات الدولة، وما يعنيه ذلك من الذهاب إلى إلغاء التمايز بين موقع رئاسة الجمهورية ودورها الدستوري لمصلحة التماهي مع موقع المرشد وولي الفقيه، كأحد المؤسسات التابعة مباشرة له.
من هنا يمكن القول إن روحاني في الصرخة التي أطلقها، هي من وجهة نظره محاولة قد تكون الأخيرة لإنقاذ ما تبقى من جمهورية النظام، والتحذير من تداعيات عسكرة المؤسسات المدنية، لكنها قد تكون من وجهة نظر المعسكر المعارض له أو المؤيد لهذا التوجه، خطوة تجاوز فيها الخطوط الحمراء للقيادة، إن كان من ناحية مد اليد على صلاحياتها الحصرية في مسألة الدعوة إلى الاستفتاء، أو لناحية التدخل في مسارات ما تخطط له من مستقبل السلطة واستقلالية المؤسسات الدستورية، مما قد يعني في المحصلة الدخول في معركة قاسية قد تؤدي إلى مزيد من تعقيد المشهد خلال الأشهر الأخيرة من وجوده على رأس السلطة التنفيذية ورئاسة الجمهورية.
حسن فحص
اندبندت عربي