استمرارا لسياسة خفض رسوم المرور، قررت هيئة قناة السويس المصرية خفض رسوم مرور ناقلات النفط التي تزيد حمولتها على 250 ألف طن بنسبة 48%.
وأوضح بيان صادر عن الهيئة أن الخفض في رسوم العبور بدأ سريانه أول ديسمبر/كانون الأول الجاري ويستمر حتى 31 مايو/أيار المقبل، كما قررت الهيئة استمرار العمل بالتخفيض الممنوح لناقلات الغاز البترولي المسال (المحملة أو الفارغة).
وبررت الهيئة قرارات الخفض المتوالية بأنها تأتي ضمن آليات تشجيع ناقلات الغاز البترولي المسال لعبور القناة، حيث تمنح نسب تخفيض تتراوح بين 24 و75%. فهل هذا هو السبب الوحيد لخفض رسوم العبور من أهم شريان ملاحي بالعالم؟
كانت قناة السويس قد قررت للعام الرابع على التوالي منح السفن العابرة لقناة السويس تخفيضات كبيرة على رسوم المرور، وذلك لمواجهة المنافسة الحادة من طرق الملاحة البديلة للقناة.
لكن القرارات تحمل في طياتها مخاوف أكثر من المعلن، وفق خبراء اقتصاد وسياسيين، فإسرائيل لم تنقطع عن التفكير عن إيجاد بدائل لقناة السويس منذ عام 1948، ولم يكن ينقصها سوى توسيع قاعدة التطبيع عربيا وهو ما تحقق في العقود التالية حتى شمل مؤخرا الإمارات والبحرين والسودان والمغرب.
ووفقا لفورين بوليسي (Foreign Policy) الأميركية فإن حركة التجارة في قناة السويس مرشحة للتناقص بأكثر من 17%، مع تشغيل أنبوب “إيلات-عسقلان” بموجب الاتفاق الإماراتي الإسرائيلي.
وقناة السويس أحد أهم الممرات الملاحية في العالم لنقل النفط من الخليج العربي إلى أوروبا بدلا من دوران السفن حول أفريقيا، وهي ثاني أكبر مصدر للعملة الأجنبية لمصر بعد السياحة.
وتراجعت إيرادات قناة السويس إلى 5.72 مليارات دولار السنة المالية 2019-2020 من 5.75 مليارات السنة السابقة.
التقارب الإماراتي الإسرائيلي
توصلت الإمارات وإسرائيل، في 13 أغسطس/آب الماضي، إلى اتفاق لتطبيع العلاقات بينهما تم توقيعه يوم 15 سبتمبر/أيلول الماضي في واشنطن.
كل هذه المخاوف أشارت إليها صحف عالمية أخرى، حيث ذكرت مجلة فورين بوليسي أن خط أنابيب إيلات-عسقلان سيكون المستفيد الرئيسي من اتفاق التطبيع الإماراتي الإسرائيلي.
وقالت المجلة في تقرير لها في سبتمبر/أيلول الماضي إن تل أبيب على وشك أن تلعب دورا أكبر بكثير في تجارة الطاقة وسياسة البترول بالمنطقة، بعد أن عزز اتفاق الإمارات معها خط أنابيب تم بناؤه سرا بين إسرائيل وإيران عهد الشاه.
ونقلت عن مديري شركة خط أنابيب آسيا التي تدير الخط قولهم إن القناة التي يبلغ طولها 254 كيلومترا من البحر الأحمر إلى البحر المتوسط توفر بديلا أفضل وأرخص من قناة السويس المصرية وخيارا للاتصال بشبكة خط أنابيب العرب الذي ينقل النفط والغاز ليس فقط إلى المنطقة، ولكن إلى الموانئ البحرية التي تزود العالم.
هذه التقارير تم تعزيزها على أرض الواقع، إذ أعلنت شركة خطوط الأنابيب الإسرائيلية “إي إيه بي سي” (EAPC)، في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، أنها وقعت اتفاقا مبدئيا للمساعدة في نقل النفط من الإمارات لأوروبا عبر خط أنابيب يربط مدينة إيلات المطلة على البحر الأحمر، وميناء عسقلان على ساحل البحر المتوسط.
وتمر ناقلات النفط الخليجية حاليا، والمتجهة إلى الغرب من خلال مضيق هرمز بالخليج، ومنها إلى مضيق باب المندب (جنوب البحر الأحمر) وصولا إلى قناة السويس ومنها لأسواق أوروبا والأميركتين.
موقع “غلوبس” (Globes) -المختص في الاقتصاد الإسرائيلي- أشار أيضا في سبتمبر/أيلول الماضي إلى أن “تصدير النفط إلى أوروبا عبر خط أنابيب بري يربط إسرائيل ودول الخليج سيساعد على تجاوز الطرق الملاحية الخطيرة والمكلفة لمضيق هرمز وقناة السويس”.
مخاوف حقيقية
لكن في واقع الأمر، تتوجس السلطات المصرية من تلك الأخبار المتواترة والمزعجة بشأن قناتها الملاحية، التي تبيض ذهبا، وهو ما أعرب عنه رئيس هيئة قناة السويس الفريق أسامة ربيع، في سبتمبر/أيلول الماضي مع استمرار زخم تلك الأخبار والتقارير.
وحذر الفريق ربيع، خلال مداخلة على قناة فضائية خاصة، من عواقب الاتفاق الإسرائيلي الإماراتي قائلا إن إنشاء خط أنابيب النفط “إيلات-عسقلان” الإسرائيلي إلى الخليج يهدد الأمن القومي المصري وقناة السويس.
وبحسب المسؤول المصري فإن قناة السويس تستحوذ على 66% من إجمالي كميات الخام المحتمل عبورها من قناة السويس والبالغة نحو 107 ملايين طن، مقارنة بـ 55 مليونا محتملة عبر خط “إيلات-عسقلان” بمعنى أن الخط سيستحوذ على 51% من كميات النفط التي تعبر قناة السويس حاليا.
وأضاف ربيع أن الأمر يأتي في إطار ترتيبات إقليمية تمس الأمن القومي لمصر.
إجبار لا اختيار
وبِشأن أسباب خفض رسوم المرور المتواصل بقناة السويس، قال المهندس محمد فرج عضو لجنة النقل والمواصلات بالبرلمان المصري السابق، للجزيرة نت “هناك أسباب مادية بحتة تتعلق بانخفاض أسعار البترول وتراجع الطلب عليه، وبالتالي انخفاض تكلفة استخدام طريق رأس الرجاء الصالح البديل الأوفر حظا عن قناة السويس المصرية الآن”.
لكن إذا ما تعمقنا قليلا، وفق النائب المصري، فإن هناك أسبابا أخرى تتعلق بالفعل بمقترح تصدير النفط إلى أوروبا عبر خط أنابيب بري يربط إسرائيل ودول الخليج، على الرغم من أن الخط بين إسرائيل والإمارات مزال على الورق، وبالتالي لا داعي لخفض الرسوم لهذا السبب فقط.
وأشار فرج إلى أن إبداء المرونة في فرض رسوم النقل شيء مهم في إدارة مرفق قناة السويس، وما لم تراع إدارة الهيئة التغيرات الطارئة على الساحة الدولية، وتغيير الرسوم طبقا لهذه التغيرات، فستفقد قناة السويس أهميتها بمرور الوقت.
رسائل إلى أبو ظبي وتل أبيب
استبعد الخبير الاقتصادي محمد كمال عقدة، المقيم في الولايات المتحدة، أن يكون الخط الإماراتي الإسرائيلي وراء خفض الرسوم في الوقت الراهن لأنه غير موجود على الأرض حاليا، رغم الحديث عن التعاون بين الطرفين بهذا الصدد، لكنه لا يخلو من رسائل موجهة للقائمين على الخط.
وأوضح عقدة، في حديثه للجزيرة نت، أن الأمر له شقان: أحدهما متعلق برغبة الحكومة في زيادة مرور السفن وزيادة حجم الحمولات عبر قناة السويس، في ظل تراجع التجارة العالمية والاقتصادي الدولي.
وتابع “الأمر الآخر (قرار خفض الرسوم) رسالة موجهة إلى الإمارات وإسرائيل أن مصر قادرة على تخفيض رسوم قناة السويس إلى أبعد الحدود التي تجعلها منافسة بقوة لأي خطوط ممكن أن تكون موجودة ويكون لها القدرة على المنافسة مستقبلا”.
المصدر : الجزيرة