تتسارع التطورات الميدانية في محافظة دير الزور السورية، على جانبي نهر الفرات الجنوبي والشمالي، مع ازدياد نشاط تنظيم “داعش”، الذي بدأ في الآونة الأخيرة برفع وتيرة هجماته وتنفيذ عمليات اغتيال، ما يؤكد أن هذا التنظيم لا يزال يمتلك خلايا نشطة و”ذئاباً منفردة”، يمكن أن تجعل منه لاعباً في مشهد الصراع المحتدم على الشرق السوري. وفي اليوم الأخير من العام الماضي، تلقت قوات النظام ضربة في بادية دير الزور، هي الكبرى خلال العام من التنظيم، ما دفعها إلى الشروع بحملة عسكرية واسعة النطاق.
وأكد المرصد السوري لحقوق الإنسان أن قوات النظام، مدعومة بقوات “الدفاع الوطني” ولواء “القدس”، بدأت، أول من أمس الجمعة، حملة عسكرية واسعة النطاق على مواقع انتشار تنظيم “داعش” في البادية الجنوبية لمحافظة دير الزور، وذلك بدعم جوي من الطائرات الروسية، التي بدأت بدورها بتنفيذ عشرات الضربات الجوية على مواقع التنظيم في المنطقة، ومناطق أخرى ضمن مثلث حماة-حلب-الرقة. من جهتها، أكّدت مصادر محلية، لـ”العربي الجديد”، أن النظام زجّ بالفرقة 17 وكتيبة الاقتحام في الفيلق الخامس في هذه الحملة، التي تستهدف أيضاً تأمين الطريق الدولي الذي يربط محافظة دير الزور بمدينة تدمر في وسط البادية، والذي يتفرّع بعد ذلك باتجاه مدينتي دمشق العاصمة وحمص.
فراس علاوي: هناك مصلحة متبادلة بين خلايا داعش وقوات النظام
وتأتي العملية غداة كمين من تنظيم “داعش” في بلدة كباجب على طريق تدمر- دير الزور، أدى إلى مقتل نحو 40 عنصراً من “الفرقة الرابعة”، التي يقودها ماهر الأسد شقيق رئيس النظام بشار الأسد، من بينهم 8 ضباط برتب مختلفة. وشيّع النظام قتلاه الجمعة في حي “الزهراء” في مدينة حمص وسط سورية، في ظل استياء كبير من موالي النظام الذين طالبوا بتمشيط البادية وتعقب الفاعلين. ويُعد هجوم تنظيم “داعش” الأكبر خلال العام الماضي، لجهة عدد القتلى في صفوف قوات النظام السوري، التي فقدت مع المليشيات المحلية والإيرانية المساندة لها خلال العام الماضي نحو 819 عنصراً، عبر كمائن وقصف واشتباكات من قبل التنظيم ضمن البادية السورية، وفق المرصد السوري. وأشار المرصد إلى أن التنظيم خسر 507 من مقاتليه في العمليات ذاتها وبالقصف الجوي من قبل طيران النظام والروس.
وينشط تنظيم “داعش” في عموم البادية السورية، مترامية الأطراف، والتي تصل مساحتها إلى أكثر من 70 ألف كيلومتر مربع، وتتوزّع إدارياً على عدة محافظات سورية، هي: دير الزور، والرقة، وحلب، وحماة، وحمص، وريف دمشق، والسويداء. وتعد محافظة دير الزور ثاني أكبر المحافظات السورية لجهة المساحة، والبالغة نحو 33 كيلومتراً مربعاً، يشطرها نهر الفرات إلى قسمين، جنوبي يطلق عليه تسمية “الشامية”، وشمالي تطلق عليه تسمية “الجزيرة”.
ورأى مدير مركز الشرق للدراسات فراس علاوي، في حديث مع “العربي الجديد”، أن “وجود التنظيم وظيفي يخدم الطرفين”، مضيفاً: “هناك مصلحة متبادلة ما بين خلايا داعش وقوات النظام”. وأشار إلى أن التحالف الدولي “يغض النظر عن دخول مسلحين من التنظيم من العراق إلى شرقي سورية الذي تسيطر عليه مليشيات إيرانية، والأخيرة تغض النظر كذلك عن نشاط داعش في مناطق سيطرة قوات سورية الديمقراطية (قسد)”. وأوضح أن “وجود التنظيم ورقة بيد النظام وقسد لجهة الادعاء بمحاربة الإرهاب”، مضيفاً: “قسد تحصل على دعم سياسي وعسكري من دول التحالف بحجة محاربة الإرهاب، بينما النظام يروّج لفكرة أنه مستهدف من تنظيمات متطرفة وأنه يحاربها، ولهذا ربما يعود التنظيم بقوة إلى شرقي سورية والبادية”.
قرر مجلس دير الزور العسكري فرض حظر كامل على الدراجات النارية في منطقة الخابور الشرقي
وفي السياق ذاته، كثرت في الآونة الأخيرة عمليات الاغتيال بحق عدد من أبناء ريف دير الزور الشرقي شمال نهر الفرات والخاضع لـ”قوات سورية الديمقراطية” (قسد)، يُعتقد أن خلايا تابعة لتنظيم “داعش” تقف وراءها. ودفعت هذه العمليات “قسد” للقيام بمداهمات. وأكدت مصادر محلية أن هذه القوات اعتقلت الجمعة نحو 20 شخصاً في قرية أبو نيتل التابعة لبلدة الصور.
إلى ذلك، ذكرت شبكة “فرات بوست” الإخبارية المحلية أن مجلس دير الزور العسكري، التابع لـ”قسد”، أصدر قراراً “يقضي بفرض حظر كامل للدراجات النارية في منطقة الخابور الشرقي، وفي المنطقة الممتدة من حاجز مركدة وصولاً إلى دوار العتال بريف دير الزور الشرقي، اعتباراً من اليوم الأحد، بسبب ازدياد عمليات الاغتيال في الآونة الأخيرة. وذكرت الشبكة أن “قسد” طالبت وجهاء بلدة الشحيل بطرد النازحين إلى البلدة، وإيقاف نشاط معابر التهريب عبر نهر الفرات باستثناء نقل الركاب المدنيين، وحظر الدراجات النارية وتسليم المطلوبين.
ومن الواضح أن “قوات سورية الديمقراطية” تحاول من خلال هذه الإجراءات الحد من نشاط تنظيم “داعش”، بينما تؤكد مصادر محلية، لـ”العربي الجديد”، أن هذه القوات “قادرة بالفعل على القضاء على كل خلايا التنظيم في ريف دير الزور الشرقي”، مضيفة “ولكن هذه القوات تدرك أن سبب استمرارها في المشهد يعود إلى محاربة التنظيم، ومن ثم فهي تحاول إطالة أمد الصراع”. وكانت “قوات سورية الديمقراطية” قد سيطرت مطلع عام 2019 على آخر معقل لتنظيم “داعش” في منطقة شرقي نهر الفرات، وهو بلدة الباغوز في ريف دير الزور الشرقي، لتعلن مع التحالف الدولي، بقيادة الولايات المتحدة الأميركية، نهاية التنظيم في المنطقة. ودخل “داعش” من بعدها في مرحلة “كمون”، قبل أن تتحرك خلاياه لتنفيذ عمليات اغتيال بحق متعاونين مع “قسد”، أو بحق من يرفض التعامل معه في عدة قرى وبلدات في ريف دير الزور الشرقي، وهو ما دفع هذه القوات إلى القيام بعدة حملات، بمساعدة قوات التحالف، للقضاء على هذه الخلايا. ويحتفظ التحالف الدولي بوجود قوي له في ريف دير الزور شمال النهر، حيث أقام قاعدة عسكرية كبرى في حقل “العمر” النفطي الذي يعد من أكبر الحقول في سورية.
أمين العاصي
العربي الجديد