على وقع تهديدات متبادلة بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية، اندلعت نقاشات ساخنة حول مصير المنطقة في الفترة الانتقالية بين إدارة أمريكية مقبلة وأخرى تتحضر للرحيل، مع ارتفاع منسوب احتمال تحريك إيران لأذرعها في المنطقة، وبينها جماعة “حزب الله” اللبنانية، من أجل مهاجمة إسرائيل.
وتتجه الأنظار نحو ردٍ متوقّع من الجنوب اللبناني على الشمال الإسرائيلي أو العكس، لا سيّما بعد إعلان طهران أن “كلّ ما تمتلكه غزة ولبنان من قدرات صاروخيّة، تم بدعم إيران، وهما الخط الأمامي للمواجهة”.
ذلك الإعلان جاء على لسان قائد القوات الجوية في الحرس الثوري الإيراني، علي حاجي زادة، في تصريحات لقناة “المنار”، التابعة لـ”حزب الله”، السبت.
وتابع حاجي زادة: “نُعلم جبهة المقاومة صناعة صنارة الصيد، بدلا من تقديم السمك، ولبنان وغزة يمتلكان تكنولوجيا صناعة الصواريخ”.
وجاءت تلك التصريحات في الذكرى السنوية الأولى لمقتل قائد “فيلق القدس” في الحرس الثوري الإيراني، قاسم سليماني، في غارة جوية أمريكية قرب مطار بغداد، في 3 يناير/ كانون الثاني 2020.
وفي ردّ مبطن، قال الرئيس اللبناني ميشال عون، الأحد، إن “استقلال لبنان وسيادته والقرارات التي يتخذها هي مسؤولية اللبنانيين دون غيرهم”.
وكثُرت تحليلات حول احتمال تدخل “حزب الله” لمساندة حليفته طهران، وباتت عينٌ على كيفيّة الرد وأخرى على الزمان والمكان.
حرب إعلامية
وهبي قطيشا، العميد المتقاعد في الجيش اللبناني، النائب عن كتلة القوات، نفى أن “تكون تهديدات قائد القوات الجويّة في الحرس الثوري الإيراني عسكريّة أو جديّة”.
وقال موضحا: “الإيراني يهدّد بحزب الله، لكنّها مجرّد حرب إعلاميّة وكلاميّة”.
كما استبعد قطيشا، أن “يكون هناك عمل عسكري أمريكي أو إسرائيلي حيال إيران في هذه المدّة”.
وحول إمكانيّة أن يقوم “حزب الله” بعمل انطلاقا من جنوب لبنان مع ذكرى مقتل سليماني، ردّ: “كلا، وكلّ ما يصدر من الجانب الإسرائيلي من تهديدات هي استباقيّة وتحذيريّة في حال كان الحزب ينوي القيام بأي عمل”.
وتابع: “حزب الله يدرك أن ردات الفعل على أي عمل عسكري ستكون مدمّرة له وللبنان، وستكون قاسية وغير متوقّعة، وأي خطوة من هذا النوع ستكلّفه”.
ورأى أن “سياسة الإدارة الأمريكيّة واحدة في حال كان (الرئيس هو دونالد) ترامب أو (جو) بايدن، ولن تتبدّل حيال إيران وأذرعها”.
ومن المقرر أن يتسلم بايدن مهام الرئاسة الأمريكية رسميا في 20 يناير/ كانون الثاني الجاري.
الدولة اللبنانية
من جهته، استنكر محمد الحجار، نائب عن كتلة “المستقبل”، بزعامة رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري، التصريحات الإيرانيّة، قائلا: “من المؤكّد أن إيران تريد استخدام أذرعها التي أوجدتها في المنطقة العربيّة لتحسين مواقعها وإيجاد نفوذ لها”.
واستدرك الحجار: “قرار الحرب والسلم في لبنان لا يجب أن يكون بيد حزب الله ولا إيران، إنّما بيد الدولة، وهذا يزيدنا إصرارا على أنه يجب حصر السلاح بيد الدولة”.
ويملك “حزب الله” أسلحة متطورة بينها صواريخ، وهو ما تنقسم حوله الأطراف اللبنانية بين مؤيد، بدعوى “مواجهة إسرائيل” التي تحتل أراضٍ لبنانية، ورافض يعتبره سلاحا غير شرعي ويطالب بحصر قرار الحرب والسلم بيد الدولة.
ظروف صعبة
الباحث في الشؤون الأمنية والسياسية، العميد خالد حمادة، قال إن “التصريحات الإيرانيّة ليست بالجديدة في سياق التهديدات المتبادلة بين إيران وإسرائيل أو إيران والولايات المتحدة”.
وتابع: “لا اعتبر أن التهديدات هذه المرة أكثر جديّة أو واقعيّة.. ظروف صعبة تخيّم على إيران، وهي غير قادرة على الدخول بصدام مسلّح مع الولايات المتحدة، فالنتيجة غير مضمونة، وكذلك عدم الرغبة الإسرائيليّة في شنّ حملة عسكريّة محدودة في الداخل اللبناني”.
وأردف حمادة: “إسرائيل تدمر البنية التحتية الإيرانيّة في سوريا، وهذا يحصل أسبوعيا”.
واستطرد: “لا أعتقد أنه ستكون هناك عمليّة عسكريّة من الأراضي اللبنانية باتجاه إسرائيل، ولاسيّما وأنّه لا يوجد أي هدف يمكن أن تحققه طهران من هذا الهجوم”.
خطوات إيران
وبمناسبة ذكرى مقتل سليماني، قال الأمين العام لـ”حزب الله”، حسن نصر الله، في كلمة متلفزة الأحد، إن “المقاومة هي التي تحمي لبنان في مواجهة العدو الإسرائيلي”.
وتابع: “مزوّرون وضعفاء هم الذين يحرّفون التصريحات الإيرانيّة (التي أدلى بها حاجي زادة)، ونحن جبهة أمامية لمواجهة الاحتلال”.
وشدّد نصر الله على أن “الدعم الإيراني للمقاومة غير مشروط، وستبقى معاركنا من أجل الدفاع عن أرض لبنان”.
فيما غرد رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي اللبناني، وليد جنبلاط، عبر تويتر: “في تصريحي السابق لجريدة الأنباء (محلية) قلت إن إيران تنتظر محاورة الإدارة الأمريكية الجديدة، وأن حكومة أخصائيين (لبنانية من خارج الأحزاب السياسية) نوع من البدعة، فقامت القيامة”.
وتساءل جنبلاط: “أما اليوم ورياح المواجهة تهب من كل مكان أليس من الأفضل أن يتحمل فريق الممانعة مسؤولية البلاد مع شركائه؟ ولماذا التورط في المشاركة (بخطوات إيران في المنطقة) حيث لا قرار لنا بشيء؟”.
رسائل إيجابية
قاسم قصير، كاتب ومحلل سياسي مقرّب من “حزب الله”، قال إنه “وفق تفسير المقرّبين من الخط الإيراني، فإن حاجي زادة لم يقصد في تصريحه الأخير استخدام الصواريخ للردّ، إنّما كان يقصد أن إيران قدّمت صواريخ لدعم المقاومة”.
وردا على سؤال بشأن احتمال أن يتحول الجنوب اللبناني في الفترة المقبلة إلى ساحة ساخنة، ردّ قصير: “هذا مرتبط بطبيعة التطورات، ولا أحد يدرك طبيعة الأحداث، خصوصا وأن هناك أجواء تهديدات”.
وتابع: “إذا قامت إسرائيل بأي عدوان على لبنان، بطبيعة الحال سيكون هناك ردّ على العدوان، أمّا إذا كان هناك هجوم على إيران فسنرى حجم الهجوم، وكل ما يقال في الوقت الراهن هو ضمن التحليلات”.
واستطرد: “اليوم نحن في لحظة تبادل للحرب النفسيّة، وعلى ضوء ما ستؤول إليها الأحداث تتحدّد الأمور، لا أحد يستطيع جزم حجم المعركة إن حصلت”.
وأضاف قصير: “واضح أن إيران بعثت برسائل إيجابية لبايدن، لذلك يحاول ترامب أن يُفشل ذلك، ويحرّض على القيام بعمل عسكري قبل نهاية ولايته”.
ورأى أن “الإيراني ليس له مصلحة أن تكون هناك أي حرب في المنطقة، لكن في الوقت عينه لن يسكت حيال التهديدات ضده أو ضد فصائل المقاومة، والأمور مرتبطة بالقرار الأمريكي والاسرائيلي”.
(الأناضول)