مصير غامض لفقراء لبنان وأطفاله خلف أبواب منازلهم

مصير غامض لفقراء لبنان وأطفاله خلف أبواب منازلهم

يدفع الفقراء في لبنان تبعات كل الأزمات. فبعد ما عانوه من تداعيات انفجار ميناء بيروت، يواجهون اليوم مخاطر تفشي فايروس كورونا بمفردهم دون وجود دعم فوري من السلطات، ومن المتوقع أن يزداد حالهم سوءا بعد قرار الإغلاق الشامل.

بيروت – أبدت منظمة “أنقذوا الأطفال” (سايف ذي تشيلدرن) قلقها “العميق” من أن يؤثر الإغلاق الكامل الذي أقرته السلطات اللبنانية ويبدأ سريانه الخميس، سلبا على العائلات والأطفال الذين يعانون من أوضاع اقتصادية هشّة ما لم يتم دعمهم بشكل فوري.

وشدّدت السلطات اللبنانية، الاثنين، تدابير الإغلاق العام بعد تسجيل معدل إصابات قياسي بوباء كورونا وبلوغ العديد من المستشفيات طاقتها الاستيعابية القصوى.

وقبل اتخاذ هذا القرار، توافد اللبنانيون منذ صباح الاثنين على المخازن والمحال التجارية لشراء السلع والمنتجات الغذائية الأساسية، والتي بدأ بعضها ينفذ من الواجهات والأرفف لكثرة الطلب والإقبال عليها، في غياب أي التزام بشروط التباعد نظرا للتزاحم تحسبا لفترة الإقفال.

ويبدأ فرض حظر تجول صباح الخميس ويستمر حتى الخامس والعشرين من الشهر الحالي، ويترافق مع إقفال الشركات والمدارس والمصارف واقتصار عمل محال بيع المواد الغذائية على خدمة التوصيل غير المتوفرة في كل المناطق لاسيما الشعبية منها.

ونبّهت المنظمة في بيان لها، إلى أنّ من شأن “إغلاق محلات السوبرماركت أن يزيد من أزمة الغذاء التي تفاقمت بإعلان منفصل يوم الاثنين عن زيادة في أسعار الخبز”.

وقالت مديرة المنظمة في لبنان جينيفر مورهاد “ندرك بالطبع أهمية اتخاذ تدابير شاملة لوقف انتشار الفايروس، لكننا قلقون للغاية من أن العائلات الضعيفة وأطفالها سيتركون للتعامل مع الكارثة بأنفسهم”.

ويعجز “قرابة نصف السكان عن تحمل كلفة شراء طعام يكفيهم خلال إغلاق محلات السوبرماركت”، وفق مورهاد التي أبدت خشية المنظمة من أن يعاني هؤلاء من “الجوع”.

وأضافت “نعلم أنه سيكون هناك عدد أقل من الوجبات وخبز أقل على العديد من الموائد ما لم يُتخذ إجراء عاجل”.

وتهافت اللبنانيون بشكل غير مسبوق، الاثنين، على محال بيع المواد الغذائية التي شهد بعضها ازدحاماً هائلا واختفت بعض المواد الغذائية من الرفوف والبرّادات. كما شهدت الأفران إقبالاً مماثلاً تسبب بشح الخبز في بعض المناطق.

وظهرت صفوف انتظار أمام الصيدليات في ظل انقطاع عدد كبير من الأدوية كالمسكّنات وأدوية خفض الحرارة، والتي أصبح أغلبها مفقودا.

ويشكو المواطنون على سبيل المثال من عدم توفر حليب الأطفال في معظم الصيدليات، فالشركات المستوردة للحليب أصبحت تحدد حصة معينة لكل صيدلية ويحصل بعضها على ستّ علب في الشهر الواحد.

وقالت إحدى الأمهات “بحثت في ثماني صيدليات في صيدا على نوع معين من الحليب ولكني لم أجد الصنف الذي أريده منذ أكثر من شهر ونصف الشهر، لدينا مشكلة حقيقية فعلا”.

وازدادت حالات العدوى بالفايروس خلال الأسبوع الماضي بنسبة سبعين في المئة عمّا كانت عليه في الأسبوع السابق، ما جعل لبنان واحدا من البلدان التي تشهد حاليا أكبر الزيادات في العالم من حيث العدوى.

وقد تعرضت السلطات اللبنانية لانتقادات شديدة بعد أن خففت القيود قبل أعياد الميلاد والعام الجديد في محاولة لمساعدة الاقتصاد، ما أدى إلى زيادة عدد الإصابات اليومية إلى مستوى خطير.

ويأتي تزايد تفشي الفايروس في وقت يشهد لبنان أسوأ أزماته الاقتصادية بينما أكثر من نصف السكان يعيشون تحت خط الفقر.

وقدمت ممثلة اليونيسف في لبنان يوكي موكو، تقريرا بعنوان “لبنان في قلب الأزمات المتلاحقة وتأثيراتها على الأطفال” يفيد بأن عام 2020 كان مليئا بالتحديات بشكل استثنائي، وترافق مع تدهور غير متوقع لرفاهية الأطفال والشباب والعائلات التي تعيش في لبنان. كما أن وباء كورونا ترك أثرا مدمرا على الأطفال والعائلات الأكثر عرضة للخطر، والذين هم في أمس الحاجة إلى دعم فوري بسبب الوضع الاقتصادي المتدهور الذي سببه انفجار بيروت.

وقالت يوكي موكو “عندما تتزامن الأزمة الاقتصادية المتفاقمة وعدم الاستقرار مع وباء مدمر وكارثة كبرى، يمكن أن تكون العواقب وخيمة على الأطفال والعائلات. بالإضافة إلى ذلك، سيكون لوقف الدعم تأثير كبير على العائلات الأكثر ضعفا في البلاد. إنه وضع غير مسبوق ويتطلب استجابة غير مسبوقة لضمان رفاهية للأطفال والأفراد الأكثر ضعفا، واستمرار وصولهم إلى الخدمات الأساسية”.

وتفاقمت الإصابات بشكل لافت بعد سماح السلطات للمقاهي والملاهي بفتح أبوابها حتى وقت متأخر خلال أعياد نهاية العام، في محاولة لإنعاش الاقتصاد المتردي.

وتهدد السلالة الجديدة من فايروس كورونا الأطفال مثل الكبار خلافا للسلالات السابقة، علما وأن لبنان سجل إصابات بالسلالة الجديدة التي بدأت في الانتشار سريعا في العالم.

وتزداد الأزمة النفسية للأطفال مع إغلاق المدارس وحجرهم في المنازل، خاصة في العاصمة بيروت، فهم لا يزالون تحت صدمة انفجار الميناء.

وشددت منظمة “أنقذوا الأطفال” على ضرورة أن تكون صحة الأطفال النفسية “أولوية”، مشيرة إلى أنه “من دون وجود الدعم المناسب ستكون النتائج على الأطفال طويلة الأمد”.

وأشارت المنظمة إلى أن الكثير من الأطفال كانوا أساسا عرضة للتوتر نتيجة الأزمات المتلاحقة في البلاد التي دفعت أكثر من نصف مليون طفل في بيروت إلى الكفاح من أجل الحياة أو إلى الجوع، وأضيفت إلى كل هذا تداعيات الحجر المنزلي مع تفشي الوباء.

وتأثر مليون ومئتا ألف طفل في سن التعليم بسبب إقفال المدارس، ويواجه العديد منهم تحديات في التعلم الإلكتروني بسبب العوز أو انعدام الإنترنت والتجهيزات الإلكترونية اللازمة وغيرها، كما ازداد العنف الأسري وآليات التكيف السلبية الأخرى.

وقالت يوكي موكو “ندعو إلى توفير الحماية والمساعدة طويلة الأمد للأطفال الأكثر ضعفاً لإبقائهم وعائلاتهم بعيدين عن آليات التكيف السلبية”.

وشددت على أنه “من خلال العمل معاً، يمكننا ضمان الحفاظ على صحة الأطفال الأكثر ضعفا، بمن فيهم اللاجئون والأطفال ذوو الإعاقة والفتيات المعرضات لخطر العنف وتوفير التعليم وبيئة آمنة لهم”.

العرب