مقاربة بكين الاقتصادية.. هل تقدم الدعم للشركات الصينية أو تزيد التضييق عليها؟

مقاربة بكين الاقتصادية.. هل تقدم الدعم للشركات الصينية أو تزيد التضييق عليها؟

عندما فرضت الولايات المتحدة عقوبات على شركة “هواوي” (Huawei) ومنعت الشركات الأميركية من التعامل مع عملاق الاتصالات الصيني لأسباب تتعلق بالأمن القومي، توقعت وسائل الإعلام الحكومية الصينية أن تحفز تلك العقوبات قدرة الشركات المحلية على الابتكار التكنولوجي، لكن الأمور أخذت منحى آخر تماما.

في تقرير لها عن التوجهات الاقتصادية الصينية في مواجهة سياسة العقوبات الأميركية، ترى مجلة “إيكونوميست” البريطانية (The Economist) أن الأولوية في الصين حاليا ليست للمنافسة في مجال الابتكار، بل للإجراءات الحكومية التي تهدف إلى السيطرة على النشاط التجاري في البلاد بشكل كامل، وهو ما يثير الكثير من المخاوف.

مخاوف المستثمرين الأجانب
في 9 يناير/كانون الثاني الجاري، أصدرت وزارة التجارة الصينية بيانا ترد فيه على العقوبات الأميركية، وأعلنت عن إجراءات جديدة لمواجهة القوانين والقيود غير المبررة التي تفرضها دول أجنبية على شركاتها ومواطنيها، ومنحت الوزارة الشركات الصينية الحق في مقاضاة الشركات الأجنبية والمحلية التي تمتثل لبعض العقوبات الأجنبية.

وفي نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، علقت السلطات إجراءات الاكتتاب العام الأولي لشركة “آنت غروب” التابعة لشركة “علي بابا” (Alibaba)، أكبر إمبراطورية للتجارة الإلكترونية في الصين، قبل يومين من بدء تداول الأسهم لأول مرة في شنغهاي وهونغ كونغ.

في الشهر ذاته، أصدرت إدارة الدولة لتنظيم الأسواق، التي تم إنشاؤها عام 2018، قواعد تحدّ من نشاط عمالقة التجارة الإلكترونية، وفي ديسمبر/كانون الأول فتحت تحقيقا لمكافحة الاحتكار ضد شركة علي بابا، وفي 10 يناير/كانون الثاني الجاري، تعهدت لجنة الشؤون السياسية والقانونية بالحزب الشيوعي بأخذ مسألة خرق قوانين الاحتكار بجدية أكبر.

وحسب المجلة، فإن هذه الإجراءات جزء من اتجاه أوسع تتبناه بكين لتشديد القيود على القطاع الخاص، وهو ما أثار مخاوف المستثمرين، وقد انخفض سعر أسهم علي بابا بمقدار الربع منذ أكتوبر/تشرين الأول الماضي.

التضييق على علي بابا سيثير مخاوف المستثمرين الأجانب المستفيدين من الاستثمار في شركات التكنولوجيا الصينية (رويترز)
مخاوف الشركات الصينية
ولم يظهر الملياردير الصيني جاك ما، أحد أهم رجال الأعمال في العالم ومؤسس شركتي علي بابا و”آنت غروب” (Ant group)، للعلن منذ أكتوبر/تشرين الأول الماضي، عندما اتهم البنوك الصينية الكبرى بتبني “عقلية الرهن” التي أضرت بالكثير من رواد الأعمال.

يمتلك جاك ما حاليا 4.8% فقط من شركة علي بابا، وكان قد استقال من منصب رئيس مجلس إدارة الشركة عام 2019، لكن يُعتقد أنه ما زال مسيطرا على القرارات الإستراتيجية في المؤسسة، وحتى إن عاد إلى الظهور قريبا وأظهر قدرا من التعاون مع السلطات، فإن ما حصل له يرسل إشارات مثيرة للقلق وفقا للمجلة.

ومثل العديد من شركات التكنولوجيا الصينية، تعمل علي بابا وفقا لمنظومة قانونية تسمح للأجانب بالاستثمار في أصولها، وقد تسامحت السلطات الصينية مع هذه الترتيبات على مدى العقدين الماضيين دون أن تكون راضية عنها تماما، لكن المشهد بدأ يتغير في الآونة الأخيرة، حيث فرضت إدارة الدولة لتنظيم الأسواق الشهر الماضي غرامة على شركتي علي بابا و”تينسنت” (Tencent) لعدم حصولهما على الموافقات المطلوبة في عمليات استحواذ سابقة.

وحسب الإيكونوميست، فإن استمرار التضييق على شركة علي بابا سيثير المزيد من المخاوف والشكوك لدى المستثمرين الأجانب الذين استفادوا طيلة الفترة الماضية من قوانين الاستثمار في شركات التكنولوجيا الصينية.

معركة نفوذ قانوني
وتضيف المجلة أن هناك عاملا آخر قد يؤدي إلى المزيد من الأضرار للشركات الصينية، وهو معركة النفوذ القانوني على التجارة الدولية بين بكين والولايات المتحدة.

في عام 2019، انخرطت وزارة التجارة الصينية في هذه المعركة من خلال إنشاء قائمة بـ”الكيانات غير الموثوق بها”، وقد تحدثت تقارير حينذاك عن إدراج مؤسسات كبرى في هذه القائمة، منها شركة هونغ كونغ وشنغهاي للخدمات المصرفية (HSBC)، وهو بنك بريطاني لعب دورا في التحقيق الأميركي بشأن شركة هواوي، لكن تلك التقارير كانت خاطئة.

وإذا أصرت الوزارة على تفعيل إجراءاتها هذه المرة، سيشكل ذلك معضلة كبيرة للشركات الغربية متعددة الجنسيات في الصين، فإما أن تواجه غرامات في الولايات المتحدة لانتهاك العقوبات، أو ينتهي بها الأمر في أروقة المحاكم الصينية، كما تقول المجلة.

وقد تكون هذه الإجراءات مفيدة لعدد من الشركات الصينية التي يمكن للعديد منها أن يطلب تعويضات من الشركاء الأجانب، لكن شركات أخرى، مثل البنوك التي تملك فروعا في الخارج، والتي التزمت بالعقوبات الأميركية على مر الأعوام الماضية، ستكون متضررة بشدة.

في هذا الشأن، تقول كاري لام، رئيسة السلطة التنفيذية في هونغ كونغ، إن لديها الكثير من الأموال في شقتها، وهي غير قادرة على إيداعها في أحد البنوك نتيجة العقوبات الأميركية.

ويرى خبير في العلاقات التجارية من واشنطن، أن قواعد وزارة التجارة الصينية ستؤجج الخلافات أكثر من تقديم الدعم للشركات الصينية.

المصدر : إيكونوميست