في جدوى عقوبات أميركية على قيادات الحشد الشعبي

في جدوى عقوبات أميركية على قيادات الحشد الشعبي

فرضت الإدارة الأميركية عقوباتٍ على قادة مليشيات منضوية تحت راية الحشد الشعبي العراقي، فطاولت قادة بارزين في هذه المليشيات، بدءاً من العام 2018، وصولاً إلى العام الحالي 2021؛ وفرضت وزارة الخزانة الأميركية في بيانٍ لها يوم الثامن من يناير/كانون الثاني الجاري عقوبات على رئيس هيئة الحشد الشعبي العراقية، ومستشار الأمن القومي السابق، فالح الفياض، لكونه عضواً في خلية الأزمة التي تألفت بشكل أساسي من قيادات مليشيات الحشد الشعبي، من أجل قمع المتظاهرين السلميين العراقيين في عام 2019، بدعم من فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني. وقالت الوزارة “تواصل العناصر الموالية لإيران في قوات الحشد الشعبي شن حملة اغتيالات ضد النشطاء السياسيين في العراق، والذين ينادون بتنظيم انتخابات حرة ونزيهة، واحترام حقوق الإنسان وتعيين حكومة نظيفة”. أما الهدف الأساسي من العقوبات، وجديدها ضد الفياض، بحسب وزير الخزانة الأميركية، ستيفن منوشين أن “فالح الفياض والمتحالفين مع إيران شنوا حملةً عنيفةً ضد الديمقراطية العراقية، والمجتمع المدني، من خلال الإشراف والإدارة على عمليات قتل المتظاهرين العراقيين السلميين”. فيما قال مايك بومبيو “إن الفياض كان رئيس المجلس العسكري للحشد الشعبي، عندما أطلقت قواته الذخيرة الحية على المتظاهرين، ما أدّى إلى مقتل مدنيين عراقيين، وكان أيضاً عضواً في فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، وهو مدعوم من خلية الأزمة التي ضمت قادة المليشيات المدرجين سابقاً على العقوبات، مثل قيس الخزعلي وحسين فلاح اللامي”. وأضاف: “تواصل المليشيات العسكرية المتحالفة مع إيران شن حملة قاتلة ضد النشطاء السياسيين في العراق، الذين يدعون إلى انتخابات حرة ونزيهة، واحترام حقوق الإنسان، والحكم الشفاف والمسؤول، وذلك بعد أن أنشأ كثير من هذه العناصر أسماء غطائية وتنظيمية وهمية لإخفاء مسؤوليتهم عن الهجمات المستمرة ضد الدولة العراقية”.

رأت القوى الرافضة للوجود الإيراني في العراق العقوبات الأميركية على فالح الفياض غير رادعة لأذرع إيران

قد ينظر العراقيون إلى العقوبات الأميركية بشيء من الاستخفاف، وكذلك فعل الذين طاولتهم هذه العقوبات التي صدرت تطبيقا للأمر رقم 13818، تنفيذاً لـ “قانون ماغنيتسكي العالمي لحقوق الإنسان والمساءلة”، القاضي بمعاقبة المنتهكين لحقوق الإنسان حول العالم، وناشري الفساد، لكن هذه العقوبات قد تعني الكثير بالنسبة للشخصيات العراقية المتحرّكة دعماً للأوضاع الاقتصادية الإيرانية، بسبب العقوبات الأميركية بحقها، خصوصا عندما تكون ذات مسؤولية حكومية أو عسكرية رفيعة، ومنها الفياض الذي هو بدرجة وزير في الحكومة العراقية.
ردود الأفعال جاءت بالجو العام نفسه داخل العراق، والمتمثل في اتجاهين: تيار شديد الولاء والتأييد للسياسات الإيرانية في العراق وفي المنطقة، وآخر يعتبر إيران أس المشكلات في العراق، وسبب تراجعه على الصُعد كافة؛ فمستشار الأمن القومي العراقي، قاسم الأعرجي، رأى أن العقوبات بحق رئيس هيئة الحشد الشعبي، فالح الفياض، خطأ يتعيّن تصحيحه. ورأت القوى الأخرى الرافضة للوجود الإيراني في بلادهم أن هذه العقوبات غير رادعة لأذرع إيران في العراق، وأن الشعب العراقي يريد أن يرى إجراءاتٍ جدّيةً ملموسة ضد من قتل أبناءه وسرق أمواله، إجراءات تفضي إلى احتجاز هؤلاء، والقبض عليهم، كقتلة وزعماء مافيات فساد.
يتساءل بعضهم عن كيفية تصرّف الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن مع هذا الموضوع؟ ويجيب مستشار الأمن القومي الأميركي الجديد جيك سوليفان “ستقف إدارة بايدن – هاريس ضد انتهاكات حقوق الإنسان أينما وقعت”. وفي هذا تأكيد على نهج سيعتمده بايدن وإدارته في الملف العراقي الشائك والمعقد، القائم على التغييب القسري والقتل الجماعي للمعارضين والاحتجاز غير القانوني للمحتجين، وفقاً لما وثقته منظمة العفو الدولية و”هيومن رايتس ووتش”، وسرقة المال العام وتوظيفه خدمةً لإيران لكسر العقوبات الأميركية.

صدور عقوبات دولية نتيجة تقارير موثقة لمنظمات حقوقية نزيهة يعني توجيه أنظار العالم إلى معاناة الشعب العراقي

قد يحسب بعضهم أن إصدار هذه العقوبات تجاه الفياض جاء متسرعا ربما، قياساً بجملة من قرارات ترامب في الأسابيع الأخيرة من حكمه، إلا أن واقع الحال يقول إن وزارة الخزانة الأميركية والوكالات الإنسانية والحقوقية الدولية عملت فترة طويلة لجمع الأدلة والتحقق منها حول دور الرجل في انتهاكات حقوق الإنسان والفساد والتواطؤ مع المنظمات الإرهابية المدرجة على القائمة السوداء، مثل كتائب حزب الله، عصائب أهل الحق، مليشيا النجباء، سرايا طليعة الخراساني، كتائب سيد الشهداء، وسواها، في قتل المتظاهرين السلميين، وأن الهدف الأساسي من العقوبات ليس لتغيير سلوكه، بل لإشعار السياسيين العراقيين وقادة قوات الأمن أن هناك تكلفة لدعم انتهاكات حقوق الإنسان، والفساد الشبيه بالمافيا على أعلى مستويات الدولة، وأن المحتجين الشجعان في العراق يستحقون الحماية، كما ترسل رسائل دقيقة إلى الشعب العراقي مفادها بأن الولايات المتحدة تراقب عن كثب، وتقف إلى جانبه ضد المليشيات الموالية لإيران التي تحاول تقويض ديمقراطيته.
قد يكون همّ العراقيين كبيراً؛ حيث فقدان الأمن وتراجع الدخل وارتفاع معدلات الفقر، واستمرار مسلسل الاغتيالات، والتغييب القسري، وتدهور خطير في التعليم ومناهجه، وفقدان الأمل في المستقبل، والفساد، لكن صدور عقوبات دولية نتيجة تقارير موثقة لمنظمات حقوقية نزيهة، كمنظمتي العفو الدولية والشفافية العالمية والمركز الدولي للعدالة في جنيف، ممثلة في قرارات أميركية أو أوروبية، يعني توجيه أنظار العالم إلى معاناة هذا الشعب وحجم حاجته لتفهم دولي لمخاطر نفاد صبره ومآلات أية تداعيات أمنية فيه قد تهدّد أمن المنطقة والعالم، كما تهدّد أمن العراق ووحدته، وبما يجعل العالم كله يراقب ويشارك في إنجاح الانتخابات العراقية المقبلة في يونيو/حزيران المقبل.

فارس خطاب

العربي الجديد