تهدد السلالة الجديدة سريعة الانتشار لفيرووس كورونا التي ظهرت في بريطانيا وانتشرت في العديد من دول أوروبا، اقتصادات القارة بانكماش جديد بسبب الحاجة إلى تشديد الإجراءات والقيود للحد من انتشار الفيروس.
في الوقت نفسه، فإن هذه الحقائق الجديدة تحتم ضرورة تطعيم أكبر عدد من سكان أوروبا باللقاحات المضادة لفيروس كورونا المستجد حتى يمكن تجنب أكبر قدر ممكن من التداعيات الاقتصادية.
وبحسب وكالة بلومبرغ للأنباء فإن التقديرات المتشائمة بشأن طول فترة الإغلاق، تشير إلى أن اقتصاد منطقة اليورو سينكمش بمعدل 4,1% من إجمالي الناتج المحلي خلال الربع الأول من العام الحالي بعد انكماشه بنسبة 1,5% خلال الربع الأخير من العام الماضي. وهذا يعني أن منطقة العملة الأوروبية الموحدة ستدخل فنيا في ثاني حالة ركود لها نتيجة الجائحة وهو ما يشير إلى هشاشة التعافي الأخير للاقتصاد.
ومع تسارع وتيرة التطعيم ضد فيروس كورونا، يمكن بدء تخفيف القيود وإجراءات الإغلاق بصورة بطيئة. لكن من غير المحتمل حدوث قفزة في الناتج الاقتصادي لمنطقة اليورو قبل أيار/ مايو المقبل. ومع وجود سياسات نقدية ومالية داعمة، يمكن توقع التعافي بعد ذلك ليسجل الاقتصاد نموا بمعدل 4,8% خلال الربع الثاني ثم بمعدل 3,1% خلال الربع الثالث من العام الحالي.
وذكرت وكالة بلومبرغ للأنباء أنه في ضوء هذه التقديرات يتراجع معدل النمو المتوقع لمنطقة اليورو خلال العام الحالي ككل إلى 2,0% من إجمالي الناتج المحلي بعد أن كانت التوقعات في كانون أول/ ديسمبر الماضي تشير إلى نمو بمعدل 4,8%. في الوقت نفسه ومع تأخر وليس تلاشي التعافي يمكن القول إن اقتصاد منطقة اليورو سيسجل نموا بمعدل 5,7% خلال العام المقبل وليس بمعدل 3,3% وفق التقديرات السابقة.
ومع تواتر الأنباء السيئة بشأن الفيروس وتحوراته، فإن التوقعات الاقتصادية تتجه نحو الانخفاض وليس الارتفاع. في الوقت نفسه فإنه من الواضح أن تطعيم العدد الكافي من الناس لتقليل الضغط على خدمات القطاع الصحي سيحتاج إلى وقت أطول من التقديرات السابقة، وهو ما يعني أن التعافي سيتراجع بصورة أكبر.
في المقابل فإن الإنذار المبكر والتحركات العاجلة، يعني أنه ستتم السيطرة على السلالة الجديدة لفيروس كورونا المستجد في أوروبا بتكلفة أقل من تلك التي تكبدتها بريطانيا. كما أن الحكومات الأوروبية قد تراهن على قدرة الاقتصاد على استئناف نشاطه دون تعريض القطاع الصحي لضغط هائل بسبب كثرة أعداد المصابين، وهو ما يسرع وتيرة التعافي الاقتصادي.
وبحسب النتائج العلمية فإن السلالة الجديدة لفيروس كورونا المستجد والمعروفة باسم بي 117 تستطيع الانتقال بسرعة تتراوح بين 50 و70% عن السلالة الأصلية للفيروس. وقد تم رصدها في العديد من الدول الأوروبية بعد ظهورها في بريطانيا، مثل فرنسا وألمانيا وإيطاليا وإسبانيا. وفي أيرلندا شكلت السلالة الجديدة حوالي ربع عدد الإصابات الجديدة، ومن المتوقع أن تكون هي المسيطرة على الإصابات الجديدة في الدنمارك.
ويعتبر الخطر الحقيقي الذي تمثله هذه السلالة في احتمال تزايد أعداد الإصابات الجديدة بما يتجاوز قدرة المستشفيات، قبل الإنتهاء من تطعيم الأعداد الكافية من الفئات الأشد عرضة للإصابة. ولذلك تحركت بعض الدول بصورة حاسمة لمنع هذا السيناريو حيث تراجعت ألمانيا عن خططها لإعادة فتح المدارس ومتاجر السلع غير الحيوية حتى نهاية كانون ثاني/ يناير على الأقل.
ورغم أن كل الدول لم تتحرك بنفس سرعة تحرك ألمانيا، فإن المتوقع تشديد القيود والإجراءات الرامية إلى الحد من انتشار الفيروس في أغلب الدول الأوروبية خلال الربع الأول من العام الحالي. ومن العوامل الرئيسية التي لم يتم حسابها بعد في بعض البلدان، هو إغلاق المدارس. حيث يؤدي هذا الإجراء إلى تعميق تأثير عمليات الإغلاق عن طريق تقليل المعروض من العمالة، بنسبة تصل إلى 6% في المتوسط في جميع أنحاء أوروبا. ومع تقدم برامج التطعيم من المتوقع أن تبدأ الحكومات الأوروبية تخفيف إجراءات الإغلاق تدريجيا اعتبارا من آذار/ مارس المقبل.
في الوقت نفسه، تبدو دول الاتحاد الأوروبي متأخرة عن الاقتصادات الرئيسية الأخرى في العالم مثل الولايات المتحدة وبريطانيا، في تنفيذ برامج التطعيم ضد فيروس كورونا المستجد، بما يعكس بطء إجراءات اعتماد اللقاحات والتصريح باستخدامها في الاتحاد الأوروبي. كما أن الجرعات المطلوبة للتطعيم ليست متاحة على نطاق واسع.
فالاتحاد الأوروبي يتفاوض بشكل جماعي للحصول على اللقاحات المتاحة وهو ما يعني أنه سيتم طرح هذه اللقاحات بصورة متزامنة في مختلف دول الاتحاد وعددها 27 دولة.
وأخيرا، ورغم أن الأمر قد يبدو بعيدا، يمكن القول إن النصف الثاني من العام الحالي يبدو أفضل بالنسبة لاقتصاد أوروبا. ومع وجود سياسات مالية داعمة للنشاط الاقتصادي، من المنتظر أن يكون التعافي في أواخر الربيع وأوائل الصيف المقبلين بنفس سرعة التعافي في التوقيت نفسه من العام الماضي. وسيكون الفارق الرئيسي هذه المرة هو أن السقف المحدد للنشاط نتيجة إجراءات التباعد الاجتماعي سيكون أعلى من ذي قبل.
(د ب أ)