استنكر أحد الكتاب الصحافيين الإسرائيليين، في «يديعوت أحرونوت» من الدعوة إلى توفير لقاح كورونا لـ«المخرّبين السجناء» بعد أن اقترحت كاتبة زميلة له في الصحيفة أن تقوم تل أبيب بتطعيمهم، «لمنع نقلهم العدوى لمواطني إسرائيل» ولأنهم سجناء «فلا حاجة لإلحاق الضرر بهم، وكان رد الصحافي القول إنه «كان ينبغي لإسرائيل أن تصفيهم» بدلا من سجنهم، أما عزلهم، فيكون بمنعهم من الاختلاط بالسجانين، ومنع زيارات عائلاتهم «وغيرها من الحلول الإبداعية» وذلك لـ«إلحاق أكبر ضرر ممكن» بالسجناء، لأن «الرد على قتل اليهود يجب أن يكون واضحا ورادعا».
رغم اللغو الضروري في حديث الصحافي عن إسرائيل باعتبارها «مثل دول العالم المتطور» وبأنها «ملزمة بالشروط الإنسانية لسجنائها وفقا للمواثيق الدولية» فالواقع أن آراءه تقدم نموذجا واضحا عن استخدام الوباء العالمي المنتشر كأداة للإبادة السياسية، وهو أمر يصعب كشفه في سياقات سياسية عالمية أخرى، لأن أغلب الدول والجهات السياسية تحذر من استخدام لغة الإبادة وتقوم بتغليفها بأساليب معقدة.
كشف انتشار وباء كوفيد 19 مفارقات عالمية هائلة، بدءا من استخدام السياسيين الشعبويين له، على شاكلة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي استمتع في بداية انتشاره بالسخرية من الصين ونسبة الفيروس إليها، قبل أن تصبح الولايات المتحدة الأمريكية البؤرة الأكبر للانتشار والإصابات والوفيات في العالم، وهو ما استخدمته أيضا الاتجاهات القوميّة المتطرّفة في أنحاء العالم ضد الأقليات واللاجئين، ثم تكشّف هذا «الوباء السياسي» عن «سلالات متحوّرة» عديدة، تظهر في أسوأ أشكالها في الأنظمة الدكتاتورية، بحيث يخضع انتشار الوباء، لإجراءات سياسية وأمنية، تبدأ من طرق التعامل مع المسؤولين، الذين يحظون بامتيازات اللقاحات الأمريكية والبريطانية والسفر إلى الخارج، والأطباء والممرضين الذين يتعرضون لأشكال من الإرهاب والعسف والتخوين، والجمهور الذي يعامل بالزجر والعنف والقسر، والحراكات السياسية التي تقوم أجهزة الأمن باستغلال الإجراءات الصحية لتصفيتها.
كشف الوباء أيضا عن فظاظة التركيبة الهرميّة السياسية العالمية، التي تقبع على قمتها الدول الكبرى والغنية، التي وظّف بعضها إمكانياته لاكتشاف اللقاح، وسارع البعض، كروسيا والصين، لإعلان إنتاج أول نسخة له من دون إخضاعها لتجارب كافية، ثم وظّفت أمريكا تحت قيادة ترامب قدراتها في محاولة احتكار الكميات الأولى المنتجة منه لصالح مواطنيها، وحجز الاتحاد الأوروبي نصف انتاج الشركتين الغربيتين المنتجتين، فايزر وبيونتيك، وقامت بريطانيا بالإسراع بالاعتراف باللقاحات الغربية لإظهار استقلاليتها المستجدة عن الاتحاد الأوروبي، وتأخرت فرنسا تأخرا ذريعا في تلقيح مواطنيها حتى صارت مناط سخرية الجميع.
كرّت السبحة بعد ذلك واختلطت الأوراق واللقاحات، وكان للانتهازية السياسية دور يوازن، أو يزيد أحيانا، عن دور صحة المواطنين، وإذا كان الصراع الرئيسي في العالم الغربي يدور حول الإسراع في إنتاج وشراء وتوزيع اللقاحات، لوقف انتشار الوباء الخطير، وعودة الحياة الاقتصادية والاجتماعية إلى دورتها السابقة، فإن الصراع في بعض الدول الأخرى، التي ابتلاها الله بسلالات «متحوّرة» من أنظمة الاستبداد، فيدور حول تأمين حياة الحكام وحلفائهم الكبار من الفاسدين، وإبقاء «عجلة» الاقتصاد والسياسة دائرة كي لا تنقص سيادتهم أو أرباحهم، وهو ما أدى إلى كوارث صحية لا يمكن تقدير حجمها، فهي جزء من «أسرار الدولة» وألغازها.
ولا يستبعد، ضمن هذا السياق، أبدا، ما تردد عن قيام بعض مسؤولي الدول بتخصيص اللقاح الأمريكي والبريطاني لهم، وتوزيع اللقاح الصيني والروسي والكوبي، على مواطنيهم، ممن يستطيعون إلى اللقاح سبيلا، أما السجناء والفقراء، فيجري عليهم ما يجري من أنواع «الحلول الإبداعية» التي تحدث عنها الصحافي الإسرائيلي، في التعامل مع الأسرى الفلسطينيين.
القدس العربي