ت أنظار حكومة العدالة والتنمية وتوجيهاتها، خصوصا عبر الاتحادات الإعلامية التي سعت لضم الصحافيين العرب وربطهم بالمؤسسات الرسمية لخدمة المصالح التركية في المنطقة العربية وتلميع صورة الحكومة.
إسطنبول – تنظم جمعية “بيت الإعلاميين العرب” في تركيا دورات تدريبية منتظمة للصحافيين المقيمين في البلاد بهدف معلن هو تعزيز الروابط بين الجمعيات الإعلامية والصحافية في دول المهجر والتعريف بالدولة والقوانين التركية، لكنها في نفس الوقت لا تخلو من أهداف أخرى تصب في صالح الحكومة التركية.
وقال جلال دمير، مسؤول الجمعية في ولاية غازي عنتاب، إن الدورة التي تعقد يومي الجمعة والسبت تأتي في إطار دعم وتطوير مهارات الصحافيين العرب في تركيا.
وأوضح أن “المشاركين من 13 دولة أبرزها العراق، لبنان، مصر، سوريا، السعودية، الأردن، اليمن، السويد والمغرب، إضافة إلى مشاركين من أوروبا والولايات المتحدة”.
واستطرد “تَقدم 1053 صحافيا للدورة، تم قبول بعضهم (لم يحدد عددهم) وستُنظم للآخرين دورة ثانية”.
وتطمح الحكومة التركية إلى استقطاب الاستثمارات الإعلامية ليكون لها مستقبل كبير كمراكز مؤثرة في توجيه الرأي العام العربي تحت رعايتها، باعتبار أن الوجود الإعلامي العربي يرتبط بالظروف السياسية التي يعيشها الواقع العربي.
وبدا ذلك واضحا في تصريحات محمد زاهد غول رئيس جمعية “بيت الإعلاميين العرب في تركيا” السابق، في بداية تأسيس الجمعية في أبريل 2017، بقوله “أعتقد أن المسؤولين الأتراك إن تنبّهوا وتفرغوا للتفكير في ما يتعلق بتطوير الإعلام العربي في تركيا وجذب الاستثمارات الإعلامية، فإن إسطنبول مؤهلة لتصبح مدينة إعلامية على مستوى العالم”.
وافتتحت في السنوات الأخيرة العشرات من وسائل الإعلام العربية مقارّ رئيسية لها أو مكاتب تعمل لصالحها في تركيا، سواءً أكانت هذه المؤسسات إذاعية أو تلفزيونية أو إلكترونية أو صحافية أو حتى دور نشر وشركات إنتاج إعلامي.
وأفاد ياسين أقطاي مستشار الرئيس التركي رجب أردوغان، أن “وجود الإعلاميين العرب في تركيا فرصة لا تقدر بثمن لنقل الرؤى التركية عبر الإعلام العربي”.
وقال أقطاي خلال حوار مفتوح نظمه اتحاد الإعلاميين الأجانب بتركيا عبر منصة “زوم” في مايو الماضي، إن عدد الإعلاميين العرب في تركيا تجاوز 3 آلاف، فيما وصل عددهم في إسطنبول إلى ألفي إعلامي.
وأشار إلى أن القانون التركي الذي ينص على توظيف خمسة أتراك مقابل كل عامل أجنبي، يستثنى منه الإعلاميون العرب، في محاولة من قبل الحكومة التركية لتسهيل عملهم.
وبالنظر إلى ما يواجهه الصحافيون الأتراك ووسائل الإعلام المستقلة في البلاد من تضييق وصعوبات ورقابة بشتى الطرق، فمن غير المتوقع من السلطات التركية أن تسمح للصحافيين العرب بقول ما يريدون، أو منحهم الحرية في ممارسة العمل حتى في ما يتعلق بالشؤون العربية، في ظل التدخلات التركية في الدول العربية سواء عبر التدخل العسكري المباشر أو عبر الإعلام كما هو حال القنوات التابعة لجماعة الإخوان التي تستهدف الدول العربية وفي مقدمتها الإمارات ومصر.
وجرى إطلاق أول قناة إخوانية مصرية في إسطنبول تحت اسم “تلفزيون رابعة” وبدأت بثها من تركيا عام 2013. وبعد ذلك، أطلق الإخوان عددًا آخر من القنوات الفضائية في إسطنبول، لكن عددا قليلا منها بقي يعمل حتى الآن؛ فقد أوقفت مزودات الأقمار الاصطناعية الأجنبية أبرزها “يوتلسات” الفرنسية، بث القنوات الإخوانية أهمها “الثورة” و”مصر الآن” و”تلفزيون رابعة”.
كما اضطرت قنوات إخوانية أخرى إلى إنهاء عملها بسبب صعوبات مالية. وفي عام 2015، أمرت السلطات الفرنسية شركة “يوتلسات” بإزالة قناة “رابعة” من القمر بسبب نشرها صورا عنيفة.
وتمتنع قنوات الإخوان العاملة في تركيا عن الكشف عن مصادر تمويلها، وفي معظم الحالات ترفض الكشف عن أسماء مالكيها الحقيقيين.
وتحرص السلطات على أن يعمل الإعلاميون العرب تحت أعينها وضمن توجيهاتها، فوجهت بإنشاء العديد من الاتحادات التي ينضوون تحت مظلتها، من بينها “اتحاد الإعلاميين الأجانب” و”بيت الإعلاميين العرب”.
وتم تأسيس”اتحاد الإعلاميين الأجانب” في أكتوبر 2019 في مدينة إسطنبول، عبر حفل تم تنظيمه في مبنى مؤسسة الإذاعة والتلفزيون التركية “تي.آر.تي” بمنطقة تقسيم.
وقال الإعلامي العراقي أيمن خالد رئيس الاتحاد إن “الدولة التركية التي تنعم بأجواء الحرية والديمقراطية والأمن والسلام، تحملت بثقلها الإقليمي والدولي الدور الأكبر في التعاطي مع الحدث العربي”، وهي كلمة اعتبرها المتابعون رسالة واضحة للدور المنوط بهم كإعلاميين عرب وهو خدمة النظام التركي وتلميع صورته.
وهو الأمر الذي أثبته الصحافي اليمني ياسين التميمي في كلمته خلال الحفل بالقول إن الإعلام العربي الذي يبث من تركيا “حقق إنجازات مهمة في صياغة الوعي العربي وفضح السياسات السلطوية القمعية”.
ولا تختلف أهداف جمعية “بيت الإعلاميين العرب” عن أهداف “اتحاد الإعلاميين الأجانب” في تلميع حكومة العدالة والتنمية بأصوات عربية، وتبرير سياستها في المنطقة ومهاجمة خصومها.
ونشط الحضور العربي في الساحة الإعلامية في تركيا بشكل بارز بعد الثورات العربية وانتقال الكثير من الصحافيين وأسرهم للعيش هناك. وانتشر بعضهم في مؤسسات إعلامية عربية وتركية، إذ أطلقت المؤسسات الإعلامية التركية أقساما موجهة للعالم العربي.
ورغم سعي حكومة العدالة والتنمية إلى استخدام الصحافيين والإعلاميين العرب كأدوات في مشروعها السياسي، إلا أن ذلك لا يعني أن أوضاعهم مثالية، فقد عانى الكثيرون تجارب قاسية لإيجاد فرصة عمل مع المؤسسات الإعلامية العربية والتركية، نتيجة قلة الفرص وزيادة العروض بعد وجود الكوادر الإعلامية العربية بوفرة في الساحة الإعلامية التركية.
ويقول صحافيون إنهم يواجهون مشكلتين أساسيتين؛ الأولى تتمثل في عدم تنظيم صفوفهم وتناقض المصالح. والثانية ترجع إلى غياب الرعاية والاهتمام من قبل الحكومة، وعدم تفعيل علاقاتها معهم كما ينبغي لتحسين ظروفهم وعلاج مشكلاتهم وتطوير إمكانياتهم.
عدد الإعلاميين العرب في تركيا فيما وصل عددهم في إسطنبول إلى ألفي إعلامي
وكان البعض من الصحافيين ينتظر أن يساهم “بيت الإعلاميين العرب” في حل بعض المشكلات التي يواجهونها مثل الحصول على ترخيص العمل واستصدار الإقامات، ورعاية حقوقهم والدفاع عن مصالحهم والعمل على ضمان ضرورات أداء واجبهم الصحافي وحقهم في الوصول إلى المعلومات بحرية. وأيضا توعية الكثير من الإعلاميين العرب غير الملمين بالقوانين التركية التي يجب عليهم معرفتها لممارسة عملهم، وتتعلق حتى بحياتهم الشخصية.
وهناك فجوة كبيرة في ضبط الإيقاع العربي في تركيا، فلا توجد قوانين كافية بشأن النشر الإلكتروني للمواقع التركية، وهذا يشمل المواقع العربية. ففي تركيا هناك هيئة عليا للإذاعة والتلفزيون مرتبطة بنائب رئيس الوزراء، وهي التي تضع المعايير للإعلام التركي.
لكن برأي كثير من الصحافيين، فشل “بيت الإعلاميين العرب” في تحقيق هذه الأهداف، وخاصة في ما يخص عملهم بالشكل الذي يلبي طموح العاملين في الحقل الإعلامي من العرب في تركيا. ولم يقدم أي حلول حقيقية لمعالجة مشكلات الإقامة وتراخيص العمل.
وباعتراف المسؤولين في الجمعية فإن عين الحكومة حاضرة بقوة فيها، إذ صرح محمد زاهد غول سابقا “معنا أشخاص من رئاسة الوزراء، ومن هيئة الصحافة التابعة لرئاسة الوزراء، ومن الدبلوماسية العامة، ولدينا تواصل مع أكثر من جهة حكومية، وسنحاول الوصول إلى جميع الجهات المختصة، ومنها وزارتا العمل والداخلية ورئاسة الوزراء ورئاسة الجمهورية”.
بدوره لفت أوميت بولات، رئيس دائرة الاندماج والتواصل في إدارة الهجرة التركية، إلى أهمية الدورة التدريبية نظرا لاستضافة تركيا أكثر من 4.5 مليون لاجئ، إضافة إلى حوالي مليون شخص لديهم إقامة سياحية (قصيرة المدى).
وأوضح بولات أن “نحو مئة ألف أجنبي تلقوا تدريبات ودورات تأهيلية مجانية في التعليم المهني ومهارات التواصل واللغة التركية في مختلف الولايات”.
العرب