أنقرة – أقرت تركيا فتوى تجيز اللجوء إلى الربا في القروض الخاصة بشراء المنازل، في خطوة قال مراقبون إنها جاءت بمثابة اختبار لشعارات الرئيس رجب طيب أردوغان الذي سعى لإظهار نفسه كمنافح أوّل عن الإسلام وأحكامه فيما الواقع يظهر أن تلك الشعارات أقرب إلى الاستثمار السياسي.
وذكر الحكم، الصادر عن مديرية الشؤون الدينية (ديانت) التابعة لمكتب الرئاسة، أن قروض المنازل كانت معفاة من الفائدة بفضل الحظر المفروض منذ 1400 سنة على هذه الممارسة واعتبارها شكلا من أشكال الربا، بشرط مدّها من قبل بنك الدولة التركي لشراء عقارات في مشروع سكني حكومي.
ويُنظر إلى الحكم على نطاق واسع على أنه بمثابة تحايل على الدين، فمن جهة تم التشريع للربا ومن جهة ثانية السعي لإظهار أن هذا الربا ليس ربويا، وهي حيلة تعمل عليها بعض المؤسسات المالية الإسلامية التي تلعب على واجهتين، واجهة الربح عبر ربا مقنع، وواجهة جذب الحرفاء الذين لا يريدون تعاملا بالربا.
وقالت عالمة التمويل الإسلامي الإندونيسية، فوزية رزقي يونيارتي “من المرجّح أن تكون الفتوى موضوع نقاش ساخن لعدّة أسابيع أو أشهر.. سيتعيّن علينا أن نرى ما إذا كانت الفتوى ستزيد الرهن العقاري الإسلامي. إنني أفترض أن هذا هو السبب الرئيسي وراء إصدار مثل هذه الفتوى المثيرة للجدل.. ستقوي الذين يعارضون التمويل الإسلامي”.
وصدرت الفتوى إثر تقارير عن ضغط أردوغان على البنوك التجارية لمواصلة منح قروض رخيصة لتعزيز صناعة البناء. وأصبحت إدارة تطوير الإسكان الحكومية المسؤولة عن بناء المساكن بأسعار معقولة محركا مهما للاقتصاد التركي وأدت إلى زيادة مبيعات المنازل.
وجاءت الفتوى قبل أيام من زعزعة أردوغان للأسواق المالية من خلال العودة إلى خطاباته ضد أسعار الفائدة المرتفعة ودورها في إفلاس الشركات وزيادة التضخم.
ويقول المراقبون إن أردوغان يشجع على التلاعب بالفتوى لتوفير حلول لأزمة اقتصادية حادة خلقتها مواقف وأفكار لا تتناسب مع طبيعة الاقتصاد مثل السعي للتحكم في نسب الفائدة بشكل عشوائي.
وقال أردوغان، الجمعة، إنه “بالتأكيد” ضد أسعار الفائدة المرتفعة.
ونقلت وكالة بلومبرغ للأنباء عن الرئيس التركي قوله “أعرف أن أصدقاءنا غاضبون ولكن مع كل الاحترام، طالما أنني رئيس هذا البلد، سأستمر في الحديث عن هذا لأنني لا أعتقد أنه يمكن لبلدي أن يتطور مع ارتفاع أسعار الفائدة”.
ومن المرجّح أن تلقي الفتوى بظلال من الشك على جهود القوة الناعمة الدينية التي تبذلها تركيا للتمدد شرقا وغربا. في الشرق تظهر أنقرة دعمها لحركات إسلامية متشددة، وخاصة الإخوان المسلمين. كما تعمل على بناء تحالفات لإضعاف السعودية والحلول مكانها كقائد للعالم الإسلامي.
وفي الغرب، تراكم تركيا بناء المساجد والمراكز الإسلامية والهدف امتلاك نفوذ داخل الجاليات المسلمة وتحويلها إلى ورقة ضغط في الحوار مع أوروبا، وهو ما ظهر جليا خلال الأزمة التي رافقت حملات انتخابية تركية في أكثر من عاصمة أوروبية بمناسبة الاستفتاء على الدستور.
وما يزال الجدل قويا مع فرنسا التي تعمل على حل قضية تمثيل المسلمين بأسلوبها الخاص بما يراعي هوية الدول العلمانية المحايدة في الشأن الديني. كما يستمر الجدل مع ألمانيا بشأن المدارس الدينية.
وواجهت خطة تركية لفتح ثلاث مدارس في ألمانيا معارضة من السياسيين المحافظين واليساريين. وتجادل تركيا بأن المدارس ستستجيب لمطالب المجتمع بأن تتاح للطلاب فرصة اختيار اللغة التركية إلى جانب اللغات الأجنبية الأخرى.
ماركوس بلوم: لا نريد المدارس الدينية لأردوغان في ألمانيا
علاقة مثيرة لأردوغان مع الدين
وقال الأمين العام للاتحاد الاجتماعي المسيحي البافاري ماركوس بلوم، الحزب الشقيق للاتحاد الديمقراطي المسيحي الحاكم بزعامة المستشارة أنجيلا ميركل، “لا نريد مدارس أردوغان في ألمانيا”.
وعارضت البرلمانية الألمانية ذات الأصول التركية، سيفيم داغديلين، “تفاوض الحكومة على افتتاح مدارس خاصة في ألمانيا بينما يدفع المستبد التركي المثقفين الناقدين في بلاده إلى السجن أو المنفى”.
وجاء الجدل حول تلك المدارس وسط نقاش ساخن حول خطة لتدريب أئمة الاتحاد الإسلامي التركي للشؤون الدينية، وهي إحدى أكبر الجمعيات الإسلامية في ألمانيا التي تحافظ على علاقات وثيقة مع مديرية الشؤون الدينية وأردوغان.
وسيتنافس التدريب مع دورة مماثلة في جامعة أوسنابروك التي أقرها المجلس الأعلى للمسلمين في ألمانيا الذي يضم أعضاء يتراوح عددهم بين 15 و20 ألف مسلم من أصول ألمانية وعربية بالإضافة إلى أصول تركية.
وقد ضغطت الحكومة على الاتحاد الإسلامي التركي، الذي يدير ما يقرب من 900 مسجد من أصل 2600 في ألمانيا ويوظف 1100 إمام تموّلهم تركيا وتدرّبهم، لاختيار رجال الدين الذين تلقوا تعليمهم في ألمانيا والذين يجيدون اللغة الألمانية على عكس نظرائهم الأتراك.
ويقول متابعون للشأن التركي إن الفتوى بشأن اعتماد الربا ستكون بمثابة إضاءة لحقيقة علاقة نظام أردوغان بالدين، الذي هو في حقيقة الأمر ليس أكثر من واجهة للتغطية على خطط تركيا في التمدد شرقا وغربا، واستثمار التدين الإسلامي لكسب دعم أكبر للاختراق التركي الناعم.
العرب