تضاعفت أعداد معارض التجارة والتسوق الإيرانية في العراق، في خطوة لتخفيف ضغوط العقوبات، والتي تسرب تأثيرها بقوة على التجار والأنشطة الاقتصادية في طهران بفعل انهيار قيمة العملة الإيرانية.
وفي مركز تسوق كبير في شمال العراق يصطف السجاد الفاخر المفروش، حيث يستضيف بائعين إيرانيين على أمل أن يبيعوا مشغولاتهم اليدوية وأن تنتشلهم من براثن الفقر.
ويحاول التجار ترويج بضاعتهم في بغداد بعد أن تعثر الاقتصاد بشكل ملحوظ في بلدهم بفعل العقوبات المفروضة عليهم من الولايات المتحدة.
ويقول الإيراني راميار برويز، منظم معرض التسوق، وهو في الأصل من سنندج “أموالنا فقدت قيمتها في إيران، ولذلك عندما نأتي هنا في العراق، بغض النظر عن التبادل الثقافي الذي نتشاركه، نحقق أرباحا أكبر من الأموال التي نكسبها، إما بالدولار أو بالدينار، لها قيمة أكبر هنا وتساوي الكثير”.
وافتتحت حوالي 24 شركة في 15 مدينة إيرانية مركزا للتسوق في دهوك في شمال العراق، وهي المنطقة التي يحكمها الأكراد. وقد أحضر الإيرانيون معهم السجاد الفاخر من سنندج وبيجار. كما أحضر يزد وحمدان، من أصفهان، معهما الأحجار الثمينة والنحاس والأواني الفخارية.
وتعد إيران من بين أكبر شركاء العراق في التجارة، وقد تم تعميق هذا التعاون في عام 2018 بعد أن فرض ترامب أقصى عقوبات على إيران في أعقاب انسحابه من الصفقة النووية الإيرانية التي عُقدت عام 2018.
ويزور عشرات الآلاف من الحجاج الإيرانيين المواقع العراقية المقدسة في النجف وكربلاء كل عام، مما يعزز من قطاع السياحة العراقي. كما تنقل أكثر من 100 شاحنة يوميا مواد بناء وموادا غذائية وأدوية وأجهزة إلى العراق.
وقد ازداد الاعتماد على الأسواق العراقية بعد أن تراجع الاقتصاد الإيراني بشكل ملحوظ، لاسيما بعد أن منعت العقوبات المفروضة الشركات الأميركية والأجنبية من التعامل مع إيران مما أثر على قطاع الطاقة الإيراني، وقطاع الشحن، وكذلك القطاع المالي، ونتج عن ذلك انسحاب الاستثمارات الأجنبية من البلاد.
تزايد الاعتماد على الأسواق العراقية بفعل العقوبات التي أفضت إلى انسحاب الاستثمارات من طهران
وتعد صادرات النفط من أكثر القطاعات المتضررة بفعل العقوبات المفروضة، مما تسبب في تراجع الاقتصاد وعدم اتضاح الرؤية بشأن توقعات المستقبل.
ويقام معرض المنتجات الإيرانية كل عام في مدينة السليمانية العراقية، التي تقع على حدود إيران. وهذا هو العام الأول الذي يذهب فيه منظمو المعرض إلى دهوك، التي تتمتع بروابط اقتصادية مع جارتها تركيا، آملين أن يجذبوا زبائن جدد وأن يزيدوا من فرص العرض والطلب على البضائع الإيرانية.
وقال برويز “مشروع دهوك كان نتيجة ليأسنا. يعاني الإيرانيون في بلدنا من ضغوط هائلة بسبب ارتفاع تكاليف المعيشة. لا نستطيع أن نشتري أي شيء. لا نستطيع حتى أن نشتري الأدوية”.
وبالنسبة إلى رجال الأعمال الإيرانيين الذين يمرون الآن بأوقات عصيبة، يعرض العراق لهم ملاذا للراحة.
ويبيع رجل الأعمال الإيراني، تاجي توسي، من مدينة مشهد الإيرانية، سجاده الفاخر بأسعار أقل من أسعار التجار العراقيين المحليين. ويعرف جيدا أن الدولارات التي يكسبها ستساعده على العيش في مستوى جيد إذا عاد بها إلى وطنه. ويقول توسي “نبيع السجادة هنا بـ200 دولار، بينما يبيعها التجار المحليون هنا بـ300 و350 دولارا للسجادة الواحدة”.
ولكن ما يثير استياء التجار الإيرانيين هو أنهم لا يستطيعون التنبؤ بما سيحدث بشأن المشكلات التي يعاني منها الاقتصاد العراقي بالفعل. ويجذب معرض التسوق الكثير من المتسوقين، لكن أغلبهم لا يستطيع حتى أن يدفع الثمن الزهيد لبعض البضائع.
وتقول مريم مرادي، وهي سيدة أعمال من سنندج “لقد رحب العراقيون بهذا المعرض، لكن المشكلات الاقتصادية التي تواجههم منعتهم من الشراء والتسوق”.
ويواجه العراق أزمة سيولة كبيرة ناتجة عن انخفاض أسعار النفط. وهذه الأزمة عملت على تخفيض مخزون خزائن الدولة إلى النصف، كما أجبرت الحكومة على الاقتراض من احتياطي العملات الأجنبية الخاص بالبنك المركزي لدفع الأجور المستحقة.
وتشكك بعض البائعين الإيرانيين من أن بضائعهم ستلقى ترحيبا في دهوك ومناطق أخرى في العراق، التي تكون فيها البضائع التركية هي المهيمنة في الأسواق. وقالت شيرين محمد، وهي من السكان المحليين “الناس يتهافتون على شراء البضائع التركية بشكل أساسي”.
وتغذي كافة هذه المؤشرات آراء العديد من الخبراء ممن يرون أن خطة إيران الوحيدة لمواجهة العقوبات الأميركية هي الاعتماد على العراق كرئة اقتصادية لتخفيف قسوة العقوبات.
24 شركة إيرانية افتتحت مراكز تسوق في محافظة دهوك العراقية التي يحكمها الأكراد
وأواخر العام الماضي حاولت الحكومة العراقية بقيادة رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي قطع طريق استغلال إيران لموارد البلد، حيث قررت خفضَ سعر صرف الدينار أمام الدولار الأميركي، وكشف عدم تجاوب السوق السوداء مع القرار الحكومي أن الكاظمي وجه فعليا ضربة اقتصادية كبرى لحلفاء إيران في العراق في توقيت حساس.
وخفّضت حكومة بغداد سعر صرف العملة المحلية ليُباع كل دولار أميركي واحد بـ1450 دينارا بدلا من 1119، وذلك لمواجهة أزمة غير مسبوقة في السيولة النقدية بسبب انخفاض أسعار النفط وتأثيرات جائحة كورونا.
لكن السوق السوداء لا تزال تتداول الدولار الأميركي بسعر أقل من ذلك الذي حدده البنك المركزي، ما يعني أن سياسات الحكومة المالية تحقق نجاحا سريعا، الأمر الذي قد يسهم في معالجة الركود الاقتصادي العام.
وخلق السعر القديم للدينار العراقي مساحة واسعة للمضاربة بالدولار في الداخل وتهريبه إلى إيران من قبل ميليشيات مسلحة تملك مصارف أهلية وتجار على صلة بأحزاب شيعية موالية لطهران.
ويقول خبراء الاقتصاد إن إيران تعاملت مع العراق طيلة الأعوام العشرة الماضية بوصفه مصرفا لإنعاش اقتصادها وتمويل حروبها في سوريا واليمن. وتستخدم الأموال العراقية المهرّبة لتمويل عمليات شراء أسلحة على أنها مواد أخرى.
ولكن مع تغيير سعر الصرف لم يعد مجديا استخدام الدولار القادم من العراق لأن كلفته أصبحت باهظة، فيما لم يعُد الدولار القادم من البنك المركزي العراقي مطلوبا للمضاربة لأن السوق السوداء تتداوله بأسعار أقل من سعره الحكومي.
وفي المحصلة، ربما فقدت إيران غطاء ماليا مؤثرا كان العراق يوفره لإدامة عملية تزويد وكلائها في سوريا واليمن بالسلاح، كما أن ميليشياتها وأحزابها وواجهاتها في العراق خسرت موردا ماليا مهمّا للغاية، كان كفيلا بإدامة أنشطتها السياسية.
صحيفة العرب