مقتدى الصدر، زعيم التيار الصدري في العراق، الذي تتعاظم طموحاته السياسية وصولا إلى الأمل في قيادة العراق خلال الفترة المقبلة، يواصل رسم صورة مضخّمة لنفسه، لا يكتفي فيها بالزعامة الدينية التي تنحصر داخل حدود بلاده، بل يتعدّاها إلى زعامة عابرة لحدود الدولة والطائفة وقادرة، وفق تصوّره، على المشاركة في حلحلة قضايا إقليمية بالغة التعقيد عجزت دول من قبله على حلّها.
بغداد – عرض زعيم التيار الصدري في العراق مقتدى الصدر، الأربعاء، التعاون مع مساعي قطر إلى فتح حوار بين السعودية وإيران، في خطوة أثارت الاستغراب من مبالغة صاحبها في إضفاء أهمية على شخصه والتحوّل من زعيم ديني محلّي وقائد ميليشيا مسلّحة، إلى شخصية فاعلة على مستوى إقليمي وقادرة على المشاركة في حلحلة ملفات معقّدة وخلافات بين الدول.
وقال متابعون للشأن العراقي إنّ مبادرة الصدر المعروف بغرابة مواقفه وتقلّبها حدّ التّناقض جاءت امتدادا لمحاولاته الحصول على مباركة إيران له واعتماده قائدا للعائلة السياسية الشيعية في العراق بدلا من زعماء وقادة الأحزاب والميليشيات الذين اعتمدت عليهم إيران في مدّ نفوذها بالعراق والحفاظ عليه منذ سنة 2003.
ويحاول الصدر الذي يقود أيضا ميليشيا سرايا السلام، بذلك، أن يستثمر في فشل كبار خصومه ومنافسيه في قيادة الدولة العراقية وتحوّل الكثيرين منهم إلى عبء على إيران بسبب رفض الشارع العراقي لهم.
كما يحاول من جهة أخرى اللعب على الحاجة الإيرانية لإطلاق حوار مع السعودية، بإظهار التعاطف معها في ذلك المسعى مع علمه بانعدام حظوظ النجاح فيه، إذ ليس من المنطقي أن ينجح فيما فشلت فيه دول وأن يتمكّن من زحزحة الرفض المبدئي من قبل الرياض لعروض الحوار المتواترة من قبل طهران، وهو موقف يقوم على وجوب تغيير إيران لسلوكها وسياساتها في المنطقة، أوّلا، والبرهنة على ذلك عمليا، قبل الحديث عن أي حوار بين الطرفين.
لكن عرض الصدر في هذه الفترة بالذات لا ينفصل عن حملته التي يخوضها بشكل مبكّر جدّا استعدادا للانتخابات المقرّرة لشهر أكتوبر القادم والتي حدّد هدفا بالغ الطموح من مشاركة تياره فيها وهو حَصْدُ أغلبية مقاعد البرلمان والاستئثار بتشكيل الحكومة القادمة.
وفي سعيه لاستمالة أكبر عدد ممكن من أصوات الناخبين بما في ذلك أصوات المكوّن السنّي الذي اعتاد على التصويت لمرشحين عن الطائفة ذاتها، دافع الصدر، في وقت سابق، عن سنّة العراق معتبرا أنّهم يتعرّضون لضغوط في نطاق الحرب على الإرهاب مع أنّهم من أول ضحاياه.
وقال المسؤول الإعلامي لمكتب الصدر حيدر الجابري، خلال مؤتمر صحافي في مدينة النجف إنّ “هناك محاولة من قطر لفتح حوار بين الجارتين السعودية وإيران”. وأضاف إنّ “الصدر أبدى استعداده للتعاون بهذا الخصوص لما فيه من أثر إيجابي على العراق وشعبه”.
لا شيء يرشّح زعيما دينيا وقائد ميليشيا طائفية للنجاح في حلحلة ملف شائك عجزت دول عن تحقيق أي اختراق فيه
وكانت قطر قد دعت في وقت سابق، إلى حوار شامل في المنطقة، ورحبت إيران بهذه الدعوة. وجاء ذلك بعد أسابيع من انعقاد القمة الخليجية الحادية والأربعين في السعودية والتي شهدت المصالحةَ بين المملكة والإمارات والبحرين ومصر من جهة، وقطر من جهة مقابلة، عقب مقاطعة فرضتها الدول الأربع على قطر منذ يونيو2017.
ومنذ نجاح المصالحة بدا أنّ قطر تريد أن تعمّم فائدتها على كلّ من إيران وتركيا اللتين تعاونتا معها أثناء فترة المقاطعة وما سببته لها من عزلة عن محيطها القريب.
ويرى مراقبون أن النزاع الإيراني السعودي ينعكس سلبا على العراق الذي يقطنه خليط طائفي من السنة والشيعة، ويعد إحدى ساحات التنافس على النفوذ الإقليمي بين الرياض وطهران.
ويرتبط العراق بعلاقات وثيقة الصلة مع إيران منذ الإطاحة بالنظام العراقي السابق عام 2003، وتَسَلُّم الأحزاب الشيعية المقربة من طهران، زمام الحكم في بغداد.
ولطالما أثار هذا التقارب امتعاض الرياض التي استأنفت العلاقات الدبلوماسية مع بغداد في ديسمبر 2015 بعد 25 عاما من انقطاعها جراء الغزو العراقي للكويت عام 1990.
وبعد محاولات زعيم التيار الصدري نحت زعامته العابرة لحدود الدولة والطائفة، دافع على سنّة العراق الذين عانوا التهميش في ظل تجربة حكم الأحزاب الشيعية وتعرّضوا لضغوط شديدة بسبب الإرهاب وعملية محاربته على حدّ سواء.
وقال الصدر، الثلاثاء، إنّ “السُنة في العراق يتعرضون لضغوط، من جهات بحجة محاربة الإرهاب”. وذكر في تغريدة على تويتر أنّ “هدف هذه الجهات، هو الاستفادة من هذا الوضع في الانتخابات البرلمانية المبكرة المقبلة مضيفا أن “أهالي المحافظات السُنية هم أكثر المتضررين من الإرهاب”.
وبعد قَسَمه على عدم المشاركة في الانتخابات، أعلن الصدر في نوفمبر الماضي العدول عن قراره قائلا في تغريدة على تويتر “إن بقيتُ وبقيت الحياة سأتابع الأحداث عن كثب وبدقة، فإن وجدت أن الانتخابات ستسفر عن أغلبية صدرية في مجلس النواب وأنهم (أعضاء تياره) سيحصلون على رئاسة الوزراء، وبالتالي سأتمكن بمعونتهم وكما تعاهدنا سوية، من إكمال مشروع الإصلاح من الداخل، سأقرر خَوْضَكُمْ للانتخابات”.
واحتاج الصدر، وهو بالأساس رجل دين، لتبرير الحنث بقسمه السابق على عدم المشاركة في الانتخابات، قائلا “السبب الذي أدى إلى قسمي بعدم خوض الانتخابات سيزول وأكون في حلّ من قسمي”، موحيا بأنّ الحنث أمر مشروع ومبرّر بما أنّ الرجل “سيخلّص” العراق “من الفساد والتبعية والانحراف”، مضيفا “الدين والمذهب والوطن في خطر وكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته”.
وشدّد الزعيم الشيعي على ضرورة “التنافس على أسس شرعية وأخلاقية وديمقراطية وإنسانية بعيدا عن العنف”، معتبرا أنّه “من المعيب أن تتصادم القوى السياسية من أجل الانتخابات، والمحافظات العراقية تعيش تحت خط الفقر والجوع والوباء والخوف”.
وعلى مدى السنوات الماضية، وجهت أطراف سياسية وسكان، اتهامات إلى فصائل شيعية مسلحة بارتكاب انتهاكات بحق السنة خلال الحرب ضد تنظيم داعش الذي غزا البلد سنة 2014 واحتل أجزاء شاسعة من أراضيه جلّها من مناطق السنّة في شمال العراق وغربه. وكما عانى سكان تلك المناطق العنف الدموي للتنظيم المتشدّد، فقد عانوا ويلات الحرب التي دارت ضدّه وخلّفت دمارا هائلا في البنى التحتية والممتلكات الخاصة والعامّة، كما أوقعت قتلى ومصابين بالآلاف، وشرّدت الأهالي نحو المناطق التي لم تطلها الحرب.
وتراوحت انتهاكات الميليشيات ضدّ السكّان السنّة والتي تحدثت عنها أيضا منظمات حقوقية دولية، بين عمليات إعدام ميدانية والتعذيب والإخفاء القسري.
العرب