على الرغم من جهود المساعدة البطولية من قبل العديد من الجماعات، من الضروري أن يعترف المجتمع الدولي بفشله في حماية الشعوب من النزاعات المسلحة والأزمات الإنسانية في سوريا واليمن ومناطق أخرى. ولا يهتم العديد من السياسيين والجهات الفاعلة المسلحة في هذه المناطق بالمعاناة على الجانب الآخر من خطوط الصراع، خاصة عندما يواجهون مجتمعاً دولياً غير متماسك وعاجز.
“في 15 كانون الثاني/يناير، عقد معهد واشنطن منتدى سياسي افتراضي مع جان إيجلاند وأليكس هاربر وإيما بيلز وجمانة قدور. وإيجلاند هو الأمين العام لـ “مجلس اللاجئين النرويجي”. وهاربر هو محلل إنساني في “ميرسي كورب” (“Mercy Corps”)، حيث يركز على اليمن ومناطق أخرى في الشرق الأوسط. وبيلز هي مستشارة أولى في “المعهد الأوروبي للسلام” وباحثة غير مقيمة في “معهد الشرق الأوسط “في واشنطن. وقدور هي زميلة أقدم غير مقيمة في “المجلس الأطلسي”، وعضوة في “اللجنة الدستورية السورية”، وشريكة مؤسسة في “سوريا للإغاثة والتنمية”. وفيما يلي ملخص المقررين لملاحظاتهم”.
يان إيجلاند
على الرغم من جهود المساعدة البطولية من قبل العديد من الجماعات، من الضروري أن يعترف المجتمع الدولي بفشله في حماية الشعوب من النزاعات المسلحة والأزمات الإنسانية في سوريا واليمن ومناطق أخرى. ولا يهتم العديد من السياسيين والجهات الفاعلة المسلحة في هذه المناطق بالمعاناة على الجانب الآخر من خطوط الصراع، خاصة عندما يواجهون مجتمعاً دولياً غير متماسك وعاجز. ولكن العاملين في المجال الإنساني يجب أن يظلوا متفائلين.
وفي أعقاب تنصيب جو بايدن، ستتمكن المنظمات الإنسانية مرة أخرى من التواصل بحرية وفعالية مع الحكومة الأمريكية، بما يتناقض مع تحديات التواصل مع إدارة ترامب. ومن الأمثلة على ذلك إدراج الحوثيين كجماعة إرهابية في 10 كانون الثاني/يناير، الأمر الذي سيلحق ضرراً شديداً بمعظم السكان اليمنيين ما لم تعكس إدارة بايدن هذا الإدراج على الفور.
وبعد أن قلنا ذلك، من المهم أن نتذكر أن الجهود الإنسانية في عهد إدارة أوباما غالباً ما كانت غير فعالة على الرغم من حسن نواياها. فلم تكن الولايات المتحدة قادرة على التأثير بشكل كبير على وضع المدنيين في سوريا، لا سيما في ظل تصعيد الصراع من قبل الجهات الفاعلة الأكثر نفوذاً، مثل روسيا وتركيا ودول الخليج.
واليوم، لا يزال العاملون في المجال الإنساني يواجهون تحديات عملياتية هائلة، بينما يواجه اللاجئون السوريون ظروفاً بائسة في لبنان ومناطق أخرى. وإذا لم يتمكن هؤلاء اللاجئون من العودة إلى ديارهم في السنوات القليلة المقبلة، ستكون أطراف النزاع كما سيكون المجتمع الدولي الأوسع قد خذلوهم.
لهذه الأسباب وغيرها، من الأهمية بمكان أن تجد إدارة بايدن والجهات الفاعلة الأخرى طريقة للخروج من المأزق الحالي، وتطوير حلول تساعد في إنهاء العنف، وتسهيل التقدم بشأن هذه القضايا في الأمم المتحدة. وهناك الكثير من الأشخاص في الأمم المتحدة الذين يحاولون المضي قدماً بالعملية الديمقراطية السورية، لكنهم لن ينجحوا بدون دعم أكبر.
أليكس هاربر
يُعتبر الوضع الإنساني في اليمن فريداً من نوعه من عدة جوانب، من بينها فترة الحرب الطويلة، والدمار الواسع النطاق الذي أحدثته على البنية التحتية، وغياب عملية ذات مغزى نحو تسوية سياسية، والتدخل المستمر للجهات الفاعلة الأجنبية. فضلاً عن ذلك، كانت البلاد تتخبط في وضع هش أساساً قبل اندلاع النزاع، مع انعدام الأمن الغذائي بشكل كبير. وبالتالي، فإن نطاق الاستجابة للمساعدات [الإنسانية] هو من الأكبر في العالم، حتى إلى المدى الذي تمثل فيه المساعدات جزءاً كبيراً من اقتصاد البلاد، مع كل التعقيدات الناجمة عن ذلك.
وعلى الرغم من تشرّد السكان المستمر وخسارة الأرواح، إلّا أن الحرب الاقتصادية هي الدافع وراء الحاجة الإنسانية لليمن أكثر من العنف الناتج عن القتال نفسه. ويصيب عدم الكفاءة المؤسسية كل جانب، وفي بلد يعتمد كلياً على المواد الغذائية المستوردة، يمكن أن تتذبذب كمية الاحتياجات بشكل كبير استناداً إلى التراجع المتواصل في قيمة الريال اليمني. وتشكل ديناميات التمويل تحدياً فريداً، حيث تتناقص المساهمات الدولية حتى مع استمرار ارتفاع الطلب على المساعدات. كما أن حجم الاستجابة فريد من نوعه في المناطق غير المعترف بها دولياً والواقعة تحت سيطرة الحوثيين بحكم الأمر الواقع، حيث توجد غالبية المساعدات المقدمة ومقرها.
وتمثّل صعوبة الدخول التحدي الأساسي أمام المساعدات. فالتداخل المؤسسي بين الحكومتين المتنافستين أسفر عن العديد من المشاكل اللوجستية، على غرار وجوب حصول العاملين في المجال الإنساني على تأشيرات وتصاريح مزدوجة من عدة وزارات. وبدورها، تؤدي عمليات التحويل بين المناطق الشمالية والغربية أيضاً إلى إحداث فوضى في التخطيط للاستجابة الإنسانية، وهو الأمر بالنسبة لعدم استقرار العملة، حيث يمكن أن يكون للتضخم المفاجئ تأثير كبير على برامج المساعدات التي تعتمد على المدفوعات النقدية.
ويمكن أن تساعد الأفكار الجديدة في المساعدات الإنسانية على إيجاد حلول لهذه التحديات، وذلك من خلال البناء على الجهود القائمة مثل استخدام التحليل الجيوفضائي في عملية الإشراف والتقييم. كما قام قطاع المساعدات بتوسيع معرفته بإدارة المخاطر، وهو أمر حاسم في التعامل مع النزاعات المعقدة التي تشكل تحديات خطيرة فيما يتعلق بالدخول.
من جانبها، يمكن لإدارة بايدن المساعدة من خلال إلغاء إدراج الحوثيين على قائمة الإرهاب. وإذا تُرك هذا الإدراج على ما هو عليه، فلن يؤدي سوى إلى تفاقم الوضع الإنساني في اليمن. كما أن اتساق تمويل البرامج الإنسانية أمر بالغ الأهمية؛ يجب ألا تعتمد المساعدة على النداءات الدبلوماسية.
إيما بيلز
تُعد الاستجابة الإنسانية في سوريا تحدياً بشكل خاص بسبب طول فترة الحرب، وتعقيد الاستجابة للمساعدات، وعدد الجهات الفاعلة المشاركة، والنطاق الكبير لنزوح السكان، وواقع أن معظم الناس الذين يتلقون المساعدات يعتمدون عليها بشدة. ومما زاد الطين بلة هو استخدام المساعدات في سوريا كسلاح، وذلك من خلال رفضها في المقام الأول. وقد استحوذت عليها الحكومة في دمشق لاسترضاء شبكات المحسوبية، في وقت تواجه فيه المشاريع الإنسانية قيوداً على وصول المساعدات باستمرار، ورفض منح التأشيرات، والانتقام من الأشخاص الذين يتحدثون عن المبادئ الإنسانية، مما يظهر تجاهلاً تاماً للقانون الدولي الإنساني. وقد قام نظام المساعدة نفسه بمحاولات محدودة فقط لمعالجة هذا الأمر، ولم يتغير سوى القليل.
ومن بين أكبر التحديات العملياتية أمام توزيع المساعدات في هذه البيئة هو نقص الحماية للعاملين في المجال الإنساني والبنية التحتية. فالعمال يتعرضون بشكل روتيني للاعتداءات، وحتى في ظل إنشاء “مجلس التحقيق” التابع للأمين العام للأمم المتحدة، لا تتم محاسبة أولئك الذين يرتكبون هذه الانتهاكات. وتستمر ثقافة الإفلات من العقاب. وقد عجز مجلس الأمن الدولي عن حل هذه المشاكل، ويرجع ذلك جزئياً إلى أن بعض أعضائه الدائمين هم الجناة أنفسهم.
وتمثّلت إحدى الاستجابات لهذه المشكلة في التحوّل نحو البرامج عن بعد. ولا يزال هناك أشخاص يواجهون المخاطر على الأرض، إلا أن وضع البرامج عن بُعد سمح للمنظمات غير الحكومية بالاستجابة للأزمات حيث يكون تواجدها في البلد محدوداً أو كان محدوداً. إن قيام مجلس الأمن الدولي بإنشاء آلية عبر الحدود – القرار 2165 والتمديدات اللاحقة – سهّل الدخول، لا سيما في شمال سوريا. وهذا الإجراء قابل للتجديد في تموز/يوليو، لذلك يجب على إدارة بايدن وحلفاء الولايات المتحدة ضمان استمراره.
على واشنطن وشركائها أيضاً تعزيز الالتزام بإيصال المساعدات الإنسانية والقانون الإنساني الدولي على المستوى السياسي. وبالإضافة إلى تجديد الآليات العاملة عبر الحدود، من الضروري تحقيق تقدّم دبلوماسي من خلال تعيين مستشار إنساني أقدم في جنيف وتوسيع نطاق الحماية للعاملين في المجال الإنساني والعمليات الإنسانية. بالإضافة إلى ذلك، يجب أن يركزوا على زيادة فعالية الاستجابة للمساعدات من أجل خلق الظروف التي يمكن أن تُنفذ فيها البرامج الطويلة الأجل. وسيستمر التمويل في الانخفاض، لذلك يجب على الإدارة الأمريكية أن تتعلم فعل المزيد بتسخير موارد أقلّ. ويبدأ ذلك بالدعوة بقوة لإصلاح عمليات المساعدة في دمشق.
جمانة قدور
من الضروري تتبع ما يقوله المسؤولون عن القضايا الإنسانية. ويُعد تعيين سامانثا باور مؤخراً لرئاسة “الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية” إشارة تبعث على الأمل، لأنها تنظر إلى الإنسانية على أنها وجه أساسي من جوانب السياسة الخارجية. وبالمثل، فإن تعيين أنتوني بلينكن وزيراً للخارجية الأمريكية سيسهل التطورات الإيجابية في هذا المجال بالنظر إلى الطريقة التي كرر بها التأكيد على أهمية إعطاء الأولوية للمساعدة ليس فقط لليمن وسوريا، ولكن للبنان أيضاً، حيث يؤثر وضعه السيئ بشكل مباشر على أكثر من مليون لاجئ سوري. وبالمثل، أكد مستشار الأمن القومي الجديد جيك سوليفان أن الإدارة الأمريكية ستمنح الأولوية للمساعدات الإنسانية وسياسات اللاجئين الأكثر ملاءمة.
وفيما يتعلق باليمن، فإن الإدراج الأخير للحوثيين على قائمة الإرهاب سيكون له تأثير فوري على المساعدات الغذائية والطبية، على الرغم من أن فريق بايدن يبدو منفتحاً لعكس هذا القرار. وهناك قضية رئيسية أخرى للإدارة الأمريكية وهي إعادة تأكيد التزام الولايات المتحدة بالمؤسسات متعددة الأطراف، لا سيما الأمم المتحدة.
وعلى نطاق أوسع، أُحيطت المساعدات الإنسانية بجو من التسييس، حيث ينظر إليها العاملون وصنّاع السياسة في هذا المجال من وجهات نظر مختلفة وبأهداف مختلفة. ومن الضروري الإقرار بهذه الاختلافات. فبالنسبة للعاملين في المجال الإنساني، يتمثل مبعث القلق الأكبر في إيصال المساعدات، لكن الحكومات في الولايات المتحدة ودول أخرى غالباً ما تستخدم المساعدات لتعزيز مصالحها واستراتيجياتها السياسية.
وفي المرحلة القادمة، يجب أن تكون المساعدة على تحقيق الاستقرار جزءاً من استراتيجية أكبر وأطول أجلاً. ولطالما قدم المجتمع الدولي المساعدات الإنسانية بدلاً من النظر إلى المسار الطويل الأمد للنزاع. وبدلاً من ذلك، يجب على صانعي القرار التفكير في فعالية المساعدات على المدى الطويل.