“إسرائيل باللهجة العراقية”: التطبيع الشعبي يسبق التطبيع السياسي

“إسرائيل باللهجة العراقية”: التطبيع الشعبي يسبق التطبيع السياسي

في الوقت الذي تواجه فيه الحكومة الإسرائيلية انتقادات لفشلها في تضمين اللغة العربية على اللافتات والمواقع الرسمية، فإنها تستخدمها على نحو متزايد وبشكل فعال جدا على مواقع التواصل الاجتماعي، خاصة على صفحة “إسرائيل باللهجة العراقية”.

لندن – قالت ليندا مينوهين، مديرة صفحة “إسرائيل باللهجة العراقية” على فيسبوك إن الصفحة أطلقتها وزارة الخارجية الإسرائيلة عام 2018 بعد ردود الفعل الإيجابية من العراقيين على صفحة “إسرائيل تتكلم بالعربية”.

وأضافت مينوهين، المولودة في بغداد عام 1950، أن العراقيين كانوا ثاني أكبر مجموعة تستخدم الصفحة.

وفي العام 2011 أطلقت وزارة الخارجية صفحة “إسرائيل تتكلم بالعربية”. وفي العام 2013 أطلقت صفحة “إسرائيل في الخليج”، التي ركزت إلى حد كبير على المصالح المشتركة في المجالات الجيوسياسية والاقتصادية بين إسرائيل ودول الخليج مثل الإمارات والبحرين. لكن صفحة “إسرائيل باللهجة العراقية” اتخذت نبرة مختلفة تماما.

وأشارت مينوهين إلى استطلاع أجرته الصفحة بعد وقت قصير من إطلاقها جاء فيه أن 43 في المئة من العراقيين يريدون الاعتراف بإسرائيل. وهي تعتقد أن هذا الرقم سيكون أعلى اليوم.

وأيدت شبكة البارومتر العربي للبحوث التي أجرت بعضا من أكبر استطلاعات الرأي العام في الشرق الأوسط، كلام مينوهين.

وخلص استطلاع للشبكة في عام 2019 إلى أنه بينما كان 79 في المئة من اللبنانيين ينظرون إلى إسرائيل باعتبارها أكبر عدو لهم، كان 21 في المئة فقط من العراقيين يشاركونهم هذا الشعور، وهي واحدة من أدنى النسب في جميع الدول العربية. وترجع صحيفة “هاآرتس” الإسرائيلية سبب ذلك إلى “التاريخ اليهودي الغني للعراق وما يمثله ذلك لشعب العراق”.

وعلى الرغم من مرور عقود على مغادرة الجالية اليهودية للعراق عقب تأسيس دولة إسرائيل عام 1948 “لا تزال الذكريات اليهودية لبغداد حية”.

وفي محاولة لجذب العراقيين، تعرض الصفحة على فيسبوك تاريخ اليهود في بغداد أوائل القرن العشرين وتقاليد مجتمعاتهم والأحياء التي سكنوها.

وقالت مينوهين إنه بالرغم من تطبيع العلاقات مع السودان والمغرب والإمارات والبحرين، فإن شعوب هذه الدول تبادل الإسرائيليين “قليلا من الحب” باستثناء الإمارات. وتضيف “الوضع مختلف بالنسبة إلى العراقيين، فالسلام الذي نحاول تحقيقه هو من القاعدة إلى القمة: هناك دفء حقيقي واتصال بين الشعبين”، وقد سرّعت حملات وسائل التواصل الاجتماعي الإسرائيلية هذا الدفء.

وأضافت “في ظل غياب العلاقات الدبلوماسية، سعى البعض إلى إعادة الاتصال بأصدقائهم وجيرانهم القدامى”.

وكمثال على هذا التواصل أشارت هاآرتس إلى مجموعة “الحفاظ على اللغة العراقية” على فيسبوك التي تضم 72 ألف شخص، وتركز على الهوية العراقية بين الإسرائيليين، وكذلك جمعية الصداقة العراقية اليهودية التي تضم 12 ألف عضو يتحدثون باللغة العربية إلى جانب مجموعات واتساب أخرى.

وتقول مينوهين إن هذا التحول “لم يكن ليتحقق دون التكنولوجيا”. وتضيف “عشت في بغداد حتى السبعينات والتحقت بالجامعة هناك، كنت قادرة إلى حد كبير على تبديد الصورة القائلة بأن هذه مجرد دعاية حكومية”.

وقال رونين زيدل، المتخصص في شؤون العراق في مركز “موشيه دايان” لدراسات الشرق الأوسط وأفريقيا، “يضيفني العراقيون على فيسبوك كل يوم تقريبا، وننخرط في المحادثات. لقد اكتسبت بعض الأصدقاء الجيدين”.

ومع ذلك، لا يزال الكثيرون يرفضون هذا التقارب. وكتب أحد العراقيين أن “الصهيونية كانت مسؤولة عن تمزيق نسيج العراق متعدد الثقافات”. وقال آخر إنه “يدعم إعادة تجنيس اليهود، لكن هذا يختلف عن إقامة علاقات ثنائية بين العراق وإسرائيل”.

وحتى توقيع “اتفاقيات أبراهام” الصيف الماضي، كانت منشورات مينوهين على صفحة “إسرائيل باللهجة العراقية” تبتعد عموما عن الموضوعات السياسية.

في محاولة لجذب العراقيين، تعرض الصفحة على فيسبوك تاريخ اليهود في بغداد أوائل القرن العشرين وتقاليد مجتمعاتهم والأحياء التي سكنوها

وبدا أن السياسة باتت تلعب دور البطولة في الفترة الأخيرة. وفي نوفمبر الماضي نشرت الصفحة صورة تظهر “قطار تطبيع” يحمل الدول العربية الخمس التي تأسست فيها علاقات دبلوماسية رسمية مع إسرائيل في تلك المرحلة (مصر والأردن والإمارات والبحرين والسودان) وهي تلوح للعراقيين على المنصة. وطرحت الوزارة سؤالا وسط ما زعمت أنها “دعوات في وسائل الإعلام العراقية للانضمام إلى النظام الإقليمي الجديد: ما هي الفوائد التي تراها في تطبيع العلاقات مع إسرائيل؟”.

ووصل المنشور إلى أكثر من 6 ملايين شخص وأثار “نقاشا حقيقيا”، وفق مينوهين التي أضافت أن الانقسام كان واضحا عند تصفح التعليقات، ففيما يتحدث البعض عن “الفوائد الاقتصادية” و”عن لا جدوى العداء”، يقول آخرون إن “التخلي عن القضية الفلسطينية يرقى إلى التنازل عن الكرامة”.

وتعترف مينوهين بأن التطبيع يمثل نقطة تحول للصفحة، ولذلك تم تكثيف الرسائل السياسية مما أدى إلى المزيد من الجدل. وتزعم أن موجة التطبيع في الأشهر العديدة الماضية “زادت من رغبة” العراقيين في الانضمام أيضا.

ومع ذلك، كان هناك أيضا جانب آخر، حيث أصبح أولئك الذين يعارضون أي علاقات أو اعتراف بإسرائيل أكثر حماسا للمشاركة. وتقول مينوهين إن “الكثير من المشاعر المؤيدة لإسرائيل هي وسيلة لمحاربة النفوذ الإيراني في بلادهم”.

ومع تدهور الوضع السياسي في العراق، ربما توقّف قطار التطبيع في مساره. ويقول زيدل “إن الأمر يزداد خطورة، وقد دفع بعض الناس حياتهم ثمنا لذلك”. وبعد ازدهار الاتصالات في السنوات الأخيرة، يلاحظ الآن “انسحاب كبير” من الجانب العراقي، ويقول “لا يوجد مجال تقريبا للتعاون في الوقت الحاضر”. ويضيف “عندما تدرس التعليقات الأخيرة، يتضح اتجاه آخر: يأس كبير يعيشه العراقيون بعد عقود من الصعوبات”.

العرب