انفرد مجلس النواب العراقي، المنتخب في عام 2018، بكونه الأكثر مخالفة للدستور والنظام الداخلي، منذ الغزو الأميركي للبلاد عام 2003. وهو ما كشفه العديد من النواب، بالإشارة إلى أن سجلات إدارة جلسات البرلمان أظهرت عدم انعقاد جلسة واحدة بحضور جميع الأعضاء، لا بل إن بعض النواب لم يقسموا اليمين الدستورية لغاية الآن. وغاب الكثير من النواب عن أكثر من 70 في المائة من جلسات البرلمان، في مخالفة واضحة للدستور ولقانون البرلمان، الذي ينصّ على وجوب فصل كل نائب غاب أكثر من خمس جلسات متتالية من دون أعذار.
تكدست عشرات مشاريع القوانين في أروقة المجلس
وعلى الرغم من اقتراب البرلمان العراقي من إنهاء دورته الحالية، بالإعلان عن حلّ نفسه، تمهيداً لإجراء الانتخابات المبكرة في البلاد، المقررة في شهر أكتوبر/تشرين الأول المقبل، وفقاً لطلب رسمي قدمته مفوضية الانتخابات قبل أيام، إلا أن مشاريع القوانين ما زالت تتكدّس في أروقة البرلمان، وتنتظر التصويت عليها. ويبلغ عدد هذه المشاريع نحو 60 قانوناً، أبرزها قانون حماية المرأة والطفل، وقانون حرية الإعلام والجرائم الإلكترونية، وقانون التكافل الاجتماعي، وقانون المحكمة الاتحادية، وقانون الأحوال المدنية، والقانون المتعلق بحقوق الفلسطينيين في العراق، وقانون حماية التنوع ومكافح التمييز الطائفي والعرقي، وقانون الاختفاء القسري، وقانون توزيع قطع الأراضي السكنية للمواطنين.
ومنذ 3 سبتمبر/أيلول 2018 لم تكتمل جلسة للبرلمان بكامل أعضائه البالغ عددهم 329 عضواً. وحول هذا الأمر، كشف مسؤول رفيع في الدائرة القانونية بالبرلمان لـ”العربي الجديد”، أنه في أحسن الحالات، شارك 260 عضواً في إحدى الجلسات، والتي عُقدت بعد انتخاب البرلمان. وأضاف أن نواباً فازوا في الانتخابات ولم يرددوا اليمين الدستورية لغاية الآن، وأبرزهم نوري المالكي، ومحافظ كركوك راكان الجبوري، ومحافظ البصرة أسعد العيداني، وحيدر العبادي، وآخرون معهم، كون تأديتهم اليمين ستحول دون استمرارهم بمناصبهم مثل محافظي البصرة وكركوك. أما المالكي فقد كان يأمل بمنصب نائب رئيس الجمهورية.
نواب فازوا في الانتخابات لم يرددوا اليمين الدستورية لغاية الآن
ونوّه المسؤول إلى أن “نواباً آخرين باتوا خارج العراق منذ أكثر من عام، وتُرسل لهم رواتبهم البرلمانية مع المحافظة على مخصصاتهم، كما يتلقى أفراد حماياتهم داخل العراق رواتبهم”. وحول القوانين المعطلة، أوضح بأنه من المرجح أن يتم ترحيلها إلى الدورة المقبلة من دون حسم. وأشار إلى أن ذلك لا يعود لرئاسة البرلمان، بل بسبب الخلافات بين الكتل السياسية نفسها، على غرار رفض تمرير قانون حماية المرأة والطفل ومكافحة العنف الأسري، الذي تعتبره كتل مثل “الفتح” و”دولة القانون”، مستنسخاً من قوانين غربية ويشجع المرأة والأبناء على التمرّد على سلطة الآباء، وفقاً لمداخلاتهم في البرلمان حيال القانون المقدم.
أما عضو البرلمان عن تحالف “سائرون”، بدر الزيادي، فأكد في حديثٍ لـ”العربي الجديد”، أن “حضور الجلسات لا يتجاوز الـ170 نائباً على الأغلب، رغم أن عدد أعضاء البرلمان هو 329”. وأضاف أن “هذه المشكلة كبيرة، لأنه في حال قررنا حلّ البرلمان، لن يحضر العدد المطلوب وهو 220 (أغلبية الثلثين من المجلس). بالتالي لن تكون هناك قدرة على حل مجلس النواب”. ولفت إلى وجود نواب فازوا وحصلوا على حقوقهم، وهم الآن خارج البلاد، موضحاً أن “أعضاءً في البرلمان اتفقوا أخيراً على التحرك، لنشر أسماء المتغيبين لاطلاع الناس عليهم”.
وشدّد على ضرورة فصل أعضاء البرلمان الذين لم يحضروا ولا جلسة واحدة، لافتاً إلى عدم حضور بعض النواب، ولم يؤدوا اليمين الدستورية، وبقي مكانهم محجوزاً. وأكد وجود مطالبات باستبدال النواب الذين لم يؤدوا اليمين الدستورية، موضحاً أن النواب المتغيبين جاءوا للحصول على الامتيازات والحصانة البرلمانية فقط.
وسبق أن برر رئيس البرلمان محمد الحلبوسي، في عام 2019، عدم محاسبة النواب الذين لم يؤدوا اليمين، بأن المرشح الفائز لا يمكن التعامل معه كنائب إلا بعد أدائه اليمين الدستورية، وفقاً لتفسيرات للمحكمة الاتحادية، مبيناً أن الأمر يتطلب وجود تعديل دستوري.
من جهتها، نوهّت النائبة، بهار محمود، إلى وجود نواب لم يباشروا حضور الجلسات منذ انعقاد الجلسة الأولى (عام 2018)، معبّرة عن استغرابها من عدم قيام رئاسة مجلس النواب باتخاذ أي إجراءات قانونية بحقهم. وأشارت في حديث لصحيفة “الصباح” الرسمية، الشهر الماضي، إلى أن فقرة سجل غيابات النواب موجودة في النظام الداخلي للمجلس النيابي. وذكرت أن كل نائب يغيب عن 3 جلسات متتالية، أو 5 جلسات متقطعة، تجب إقالته او فصله، لافتة إلى وجود نواب لم يباشروا عملهم بعد، ورئاسة المجلس لم تتخذ أي إجراء بحقهم. وشدّدت على “ضرورة اتخاذ إجراءات دستورية وقانونية بحق هؤلاء النواب، لأنهم بتصرفاتهم أثبتوا أنهم لا يصلحون لأن يكونوا نواباً، كما أن ذلك سيؤثر على التزام الأعضاء الآخرين بالحضور”.
بدوره، رأى النائب السابق حامد المطلك، أن وجود بعض النواب الذين لم يؤدوا القسم، يعتمد على مدى جدية إدارة البرلمان في تحديد الأعضاء المتغيبين، مشيراً في حديث لـ”العربي الجديد” إلى أن هذه الظاهرة غير صحيحة، وغير سليمة.
يخشى المجلس فصل النواب المتغيبين كي لا يصطدم مع كتلهم
كما طالب النائب فالح الخزعلي، رئاسة البرلمان بفصل النواب المتغيبين عن حضور الجلسات، مشيراً في إيجاز صحافي له أخيراً إلى وجود بعض النواب الذين يتقاضون رواتبهم ورواتب حماياتهم، على الرغم من عدم حضورهم الجلسات منذ أكثر من عام، وفي مقدمتهم النائب فائق الشيخ علي. مع العلم أن الشيخ علي غادر العراق في وقت سابق بعد أن تبنى خطاب المعارضة للنظام السياسي، مؤيداً الاحتجاجات العراقية منذ انطلاقها في أكتوبر/ تشرين الأول 2019، فضلاً عن تبنيه خطاباً مناوئاً لوجود فصائل عراقية مسلحة تابعة لإيران. وتابع الخزعلي: “كنواب عن البصرة نقطع مسافة 550 كيلومتراً، من أجل تمثيل الشعب العراقي داخل البرلمان والمطالبة بحقوقه المشروعة”، موضحاً أن رئاسة البرلمان مطالبة بممارسة صلاحياتها وفصل النواب المتغيبين من دون عذر شرعي.
في المقابل، استبعد أحد الأعضاء السابقين في البرلمان اتخاذ أي إجراءات ضد النواب المتغيبين، مؤكداً في حديثٍ لـ”العربي الجديد” أن هذا الأمر ليس جديداً، ويمتد إلى الدورات السابقة لعمل السلطة التشريعية. وأوضح أن تطبيق النظام الداخلي لمجلس النواب، قد يصل إلى حد فصل بعض البرلمانيين، ما يعني أن رئاسة المجلس ستصطدم مع كتل برلمانية مهمة. ورأى أن هذا الأمر يدفع غالباً للتغاضي عن غيابات النواب تجنباً للصدام، لا سيما أن بعض المتغيبين والمنقطعين عن البرلمان يعدون من القيادات البارزة ضمن كتلهم.
سبب آخر لمقاطعة بعض البرلمانيين جلسات البرلمان تحدث عنه النائب أسعد ياسين، الذي قال إن بعض النواب من المكون السني، يتغيبون عن الجلسات بسبب خلافهم مع رئيس البرلمان محمد الحلبوسي، ضمن تباينات البيت السياسي السني.
براء الشمري
العربي الجديد