قالت كارين كريمر، مديرة النشريات في مركز حقوق الإنسان في إيران بمقال نشرته في موقع “فورين أفيرز” إن إيران ليست مجرد ملف نووي بل وعلى الإدارة الجديدة لجوزيف بايدن التركيز على حقوق الإنسان والتي يجب أن تكون في مركز سياستها الخارجية مع إيران. وقالت إن إدارة بايدن تفعل خيرا لو ركزت على ملف حقوق الإنسان في إيران، خاصة أن هذا الملف لم يحصل على اهتمام كبير في أثناء إدارة دونالد ترامب. ولو حضر الملف فإنه كان عبارة عن أداة ضغط او هراوة سياسية ولم تكن فعالة والحالة هذه. ولم يهتم الدبلوماسيون الأوروبيون بانتهاكات حقوق الإنسان، خاصة ان خروج ترامب من الاتفاقية النووية الموقعة عام 2015 تركهم أمام معركة لحمايتها ومنعها من الانهيار. ولدى إدارة بايدن الفرصة والواجب للتركيز على ملف حقوق الإنسان في إيران، ليس لأنه يتدهور بل ولارتباطه بمظاهر القلق الإستراتيجية الأخرى. وكانت السنوات الأربع مظلمة في مجال حقوق الإنسان في إيران، فقد دفع الحنق المجتمعي بسبب تدهور الأوضاع الاقتصادية والقمع المتواصل السكان للاحتجاج عام 2019 في أسوأ موجة من الاحتجاجات لم تشهد البلاد مثلها منذ عقود. وفي محاولة لقمع التظاهرات استخدمت قوات الأمن القوة المفرطة والعنف القاتل وأصدر القضاء أحكاما قاسية ضد ناشطي حقوق الإنسان والمحامين عنهم وبل وحكم على بعضهم ظلما بالإعدام.
كانت السنوات الأخيرة مظلمة في مجال حقوق الإنسان في إيران، فيما يواصل العالم تركيزه على الملف النووي الإيراني الذي يقدم على أنه مفتاح لحل المشكلة مع إيران
ومع ذلك يواصل العالم تركيزه على الملف النووي الإيراني الذي يقدم على أنه مفتاح لحل المشكلة مع إيران. ويتجاوز هذا الرأي الرابطة بين حقوق الإنسان ومظاهر القلق الإقليمي بما فيها انتشار الأسلحة النووية. وبالتأكيد قد تكون الولايات فعالة في معالجة مصالحها الإستراتيجية الرئيسية المتعلقة بإيران مثل انتشار الأسلحة النووية، انتاج الصواريخ، النزاعات الإقليمية، الإرهاب وسوق النفط من خلال جعل ملف حقوق الإنسان في مركز سياستها الخارجية. فحماية الحقوق المدنية الأساسية والحريات ودعم الحكم الرشيد يزيد من الاستقرار المحلي. ولا يمكن محاسبة المسؤولين إلا عبر السماح بحرية التعبير والالتزام بالقانون. وبدو محاسبة يظل الاستقرار في وضع خطر. ويقدم التاريخ الإيراني الحديث صورة واضحة عن العلاقة بين الفوضى والحكم البائس. فالذين تظاهروا في المدن الإيرانية عام 2019 فعلوا هذا احتجاجا على سوء إدارة رجال الدين وظلمهم. وكان رد الحكومة على التظاهرات ساحقا حيث أطلقت قوات الأمن الرصاص الحي على المتظاهرين وقتلت واعتقلت المئات منهم. وفي الوقت الذي رحب فيه بعض المسؤولين الأمريكيين بزعزعة استقرار إلا أن انزلاق البلد نحو الفوضى سيترك أثاره على كل منطقة الشرق الأوسط. فالاستقرار الداخلي مرتبط بشكل لا ينفصم مع الاستقرار الإقليمي. فعلى طول المنطقة لعبت الدول الفاشلة دورا في تغذية اللاعبين غير الدول والحركات العابرة للحدود المتطرفة والتي أعملت بدورها الدمار في المنطقة. وفي حالة دخلت البلاد في حالة من الاضطراب الداخلي فإنها ستتفكك بناء على الخطوط الدينية والعرقية والأيديولوجية وتفتح المجال أمام حروب الوكالة وتزيد من التنافس بين الدول الكبرى على المنطقة.
وستتفاقم النزاعات في لبنان وسوريا واليمن والعراق حيث تشارك إيران فيها. وستعرض الخلافات الإقليمية المصالح الأمنية للخطر وتزيد من مخاطر عدم الاستقرار في المنطقة بشكل سينشر الأسلحة فيها ويدفع اللاجئين عبر الحدود مما سينقل عدم الاستقرار في المنطقة إلى حدود أوروبا. وستستعيد الراديكالية التي غذت الإرهاب الدولي حياتها من جديد وستتعطل أسواق النفط في وقت انكمشت فيه اقتصاديات العالم بسبب هجوم وباء فيروس كورونا. وببساطة فالأمن والسلام على مستوى البلد لا ينفصم عن الأمن والسلام في المنطقة، وكلاهما مرتبط بالدفاع عن حقوق الإنسان. وتعكس الحقوق المدنية والسياسية الأساسية حكم القانون. وبناء عليه فهي تشكل أساسا للحكم المحلي والعلاقات الدولية.
وربما لم يكن القلم أحد دائما من السيف إلا أن تاريخ الحرب الباردة يكشف لنا عن أهمية المعارضة. فأصواتها تحمل وزنا وتؤثر بشكل واضح على شرعية الدول. ويتم الاستماع لهذه الأصوات في مجتمعاتهم، ولهذا السبب تقوم الحكومات القمعية بسجنهم ولان الطغاة يخشونهم. وأشارت الكاتبة إلى رموز مثل أندريه سخاروف في الإتحاد السوفييتي السابق وفاكلاف هافل في تشيكوسلوفاكيا السابقة ونيلسون مانديلا في جنوب افريقيا حيث كانوا أساسيين في نقد البنى السياسية في بلدانهم. وكلما تردد صوت هذه الرموز وتعمق كلما أخذ من شرعية الحكومات التي تمارس القمع عليها وتسجنها. وبنفس السياق فالمعارضون في إيران مثل المحامية نسرين سوتدة والناشطة نرجس محمدي يحملون سلطة واسعة. ولم يؤد سجنهم إلى إسكاتهم، بل وتم توزيع وتبادل رسائلهم من السجن عبر منصات التواصل الاجتماعي في إيران. وانضم عدد من الناشطين الغير معروفين إلى جوقة الأصوات الداعية للحريات المدنية والسياسية. ومن هنا فدعم هذه الأصوات وتكبير رسالتها والعمل مع الحلفاء للتعريف بهم والدفاع عنهم أمام المحاكم والاتهامات ليس واجبا أخلاقيا بل وعمل استراتيجي مهم. كما أن فتح مجال أوسع لحرية التعبير في إيران سيكون في صالح أمريكا لأنه سيقلل من مخاطر المواجهة بالمنطقة. وأظهرت الدراسات أن الدولة ذات التقاليد القوية في حرية التعبير تكون اقل ميلا لافتعال مواجهات ونزاعات مع جيرانها.
وسيكون من الصعب في الدول التي يتمتع سكانها بحريات مدنية فرض ثمن الحرب عليهم، ذلك إن بإمكانهم رفع أصواتهم ومعارضة أفعال العدوان. وفي الوقت الحالي ينشر الإيرانيون تعليقات مليئة بالمرارة على منصات التواصل الاجتماعي، ليس فقط عن انتهاكات حقوق الإنسان بل وعن تحركات الحكومة في لبنان وسوريا والعراق. ولو كانت هناك مساحة لحرية التعبير لكن لتعليقات المواطنين أثر على الحكومة والحد من تحركاتها. وستظل الخطوة الأولى لحماية المواطنين في إيران هي احترام حقوقهم الإنسانية. وأثبت “مركز” المجتمع الداعي للتحاور مع الغرب والتفاوض حول المشروع النووي وتخفيف التدخلات في الشؤون الإقليمية أنه الأكثر عددا وتسيدا في الانتخابات التي عقدت بالسنوات الماضية في إيران، إلا أن هذا المركز المعتدل لم يكن قادرا على حرف السياسة الإيرانية. فالسلطة في إيران تتركز في يد المرشد الأعلي وشلة المقربين منه وأجهزة الأمن التي تأتمر بأمره. ولم يستطع المسؤولون المنتخبون الوفاء بأي من وعودهم. ومن يطلق عليهم بالإصلاحيين خسروا الثقة كقوى تغيير في البلاد.
ستتفاقم النزاعات في لبنان وسوريا واليمن والعراق حيث تشارك إيران فيها. وستعرض الخلافات الإقليمية المصالح الأمنية للخطر وتزيد من مخاطر عدم الاستقرار في المنطقة
ويظل التغيير ممكن في إيران ولكن ليس بدون احترام حقوق الإنسان. ولو احترم البلد الحقوق الأساسية والحريات المدنية، مثل حرية المعارضة والتجمع وحرية تشكيل الأحزاب السياسية فإن هذا سيفتح الباب أمل فضاء جديد ومرشحين مستقلين يمكنهم متابعة المطالب الواسعة لتغيير سلمي وتحول بنيوي للسياسة في البلد. وعملية كهذه تحتاج لسنين لكنها تعني تقوية المركز المعتدل الذي طالما تجنب العنف. والطريقة لإجبار الحكومة الإيرانية على احترام حقوق الإنسان هي ممارسة الضغط الشديد عليها في الداخل والخارج. وأثبت الحكومة حساسية لمواقف الرأي العام، مثل استجابتها لعدم تطبيق حكم الإعدام في القضايا غير الخطيرة من المخدرات، وهو مطلب طالما دعت إليه منظمات مجتمع المدني والمنظمات الحقوقية الدولية. كما أن محاولات الحكومة السيطرة على الإنترنت والخطاب العام والتحكم بالإعلام وبث اعترافات مسجلة للمعتقلين واستفزاز وملاحقة الصحافيين وعائلتهم وإسكات المعارضين تعطي صورة عن اهتمامها بمواقف الرأي العام. وكلما زادت نسبة من ينشرون هذه الشهادات ويشاركونها على منصات التواصل كلما زاد ثمن القمع السياسي على الحكومة.
ويظل دور اللاعبين الخارجيين محدود في إحداث تغيير داخلي ولو كان هناك دور فأثره قصير المدى. ولكن الأدلة كثيرة حول رضوخ الحكومات القمعية للمطالب الدولية بشأن الحقوق والحريات والمحاسبة. ومن هنا فتشكيل سياسة من إيران بهذه الوجهة ليس مستحيلا، وهناك حاجة لأن تعيد الولايات المتحدة ترتيب بعض من اولوياتها. فسياسة خارجية تتخذ من حقوق الإنسان تعني أن الولايات المتحدة ستطرح الموضوع في المحادثات الثنائية مع بقية الدول، مما يعطي صورة أن واشنطن تعتبر الموضوع مهما لدرجة أنها بحثت عن تنسيق الجهود بشأنه. ويمكن للولايات المتحدة استخدام المحافل الدولية لمعاقبة وشجب انتهاكات إيران لحقوق الإنسان.
ومن خلال ربط التقدم في ملف حقوق الإنسان بقضايا أخرى تريدها إيران مثل التجارة والتبادل العلمي والاستثمار فستكون أمريكا قد حددت ثمنا لأي انتهاكات. وعندما تقرر واشنطن جعل حقوق الإنسان في مركز سياستها فإنها ستتشاور مع بقية منظمات حقوق الإنسان وتحصل على المعلومات الدقيقة وغير الحزبية حول ما يحتاجه المجتمع المدني الإيراني. كما وسترسل أمريكا رسالة للمنطقة من أن حقوق الإنسان في سياساتها الخارجية هو أساس وليس أداة سياسية. وفي النهاية يجب ألا يكون التفويض الذي تحصل عليه الإدارة للتفاوض حول ملف البرنامج النووي على حساب القضايا الأخرى. فنهج شامل للأمن يضع حقوق الإنسان على قدم المساواة مع بقية القضايا الإستراتيجية سيؤدي في النهاية إلى السلام والاستقرار والتنمية السياسية والاقتصادية في شرق أوسط مضطرب.
القدس العربي