قبل الدخول في الجدل حول مزاعم إسرائيل وأميركا التي تتحدث عن القنبلة النووية الإيرانية، وعن اقتراب موعد قدرة الإيرانيين على صنع المواد الانشطارية، ينبغي أن نضع أرجلنا العربية في ماء بارد، ولا نخاف، حتى لو كان احتمال اقتراب موعد حيازة النظام الإيراني لسلاح نووي، واقعا، وليس تهويشا وترويجا لخرافة.
فالواقع الحاصل في العالم اليوم لا يسمح للدول الكبرى، قبل الصغرى، باستخدام سلاحها النووي لفرض إرادتها على خصومها، ولتحقيق مطامعها في الدول الأخرى، بقوة هذا السلاح التدميري.
ولو كان كل من يمتلك قنبلة نووية قادرا على استخدامها عند الضرورة، أو لأي غرض آخر، لكانت روسيا أول من استخدمتها ضد أميركا، والصين ضد أوروبا وأميركا، وبريطانيا لاستعادة أمجاد إمبراطوريتها التي لم تكن لتغيب عنها الشمس، ولسارعت باكستان إلى محو عدوّتها الهند، أو لفجرّتها الهند بالباكستانيين وأعادتهم إلى خيمتها السابقة.
القنبلة النووية الإيرانية لن تكون، في أحسن الأحوال والافتراضات، أكثر من أداة للزينة ولتخويف الخصوم. وذلك لأن استخدامها من قبل إيران ضد أي من أعدائها يعني فناءها هي قبل غيرها، وذلك لسبب بسيط، هو أن تفجير إيران قنبلة نووية في المنطقة يعني أن السلاح النووي الإسرائيلي لم تعد له قيمة، وأن وجود إسرائيل مرهون بذلك، وسيكون هذا مقتل النظام الإيراني الذي كان، منذ ولادته وحتى اليوم، يعرف حدّه ويقف عنده.
يقول وزير الطاقة الإسرائيلي، يوفال شتاينتز، إن أمام إيران نحو ستة أشهر لإنتاج ما يكفي من المواد الانشطارية اللازمة لصنع سلاح نووي واحد.
وتقول واشنطن إن انسحاب الإدارة الأميركية السابقة من الاتفاق كانت له نتائج سلبية، إذ دفع إيران إلى التخلي عن التزاماتها بتقييد أنشطتها النووية.
وكان وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، قد قال قبل يوم من توليه منصبه في الإدارة الجديدة، إن الوقت الذي قد تحتاجه إيران لزيادة تخصيب اليورانيوم إلى درجة النقاء المطلوبة لصنع سلاح نووي “تقلص من أكثر من عام (بموجب الاتفاق النووي) إلى ما بين 3 أو 4 أشهر تقريبا”.
وحين نجد أن أكثر نفّاخي أبواق التحذير من قنبلة الملالي هم الإسرائيليون والأميركيون (الجدد) فلا نستبعد أن يكون المقصود واحدا من اثنين، إما أنه تمهيد لحرب شاملة منتظرة تعيد إيران إلى العصر الحجري، مثلما حدث مع العراق حين كان الإسرائيليون والأميركيون والبريطانيون يدقّون طبول الحرب ضد صدام حسين بتهمة حيازته أسلحة دمار شامل يستطيع بها محو إسرائيل من الوجود، وتدمير قواعد الأميركيين العسكرية في المنطقة، ثم هجموا عليه، وأعادوا العراق إلى العصور الحجرية، كما وعد في حينها وزير خارجية جورج بوش الأب جيمس بيكر.
لكي يستدير إلى الخلف ويفاوض إيران يحتاج بايدن إلى تعظيم الخطر النووي الإيراني على الأمن القومي الأميركي من أجل إقناع الملايين بضرورة التفاوض مع النظام الإيراني لمنعه من ذلك
وإما أنه ترتيب فني متقن ومقصود لتعبيد طريق العودة إلى حالة التناغم والتفاهم وإلى سياسة باراك أوباما المجزية لإيران، وهو أمر يتطلب، قبل ترويض حلفاء أميركا العرب وتهيئة أذهانهم لقبول هذه الاستدارة، إقناعَ مواطنين أميركيين، ظل دونالد ترامب أربع سنوات يضخ في أذهانهم أن النظام الإيراني هو التهديد الإرهابي العالمي الأول والأخطر الذي يستهدف المواطن الأميركي ومصالحه وأمنه وسلامته.
ولكي يستدير بايدن، استدارة دراماتيكية إلى الخلف ويفاوض إيران ويصل معها إلى وضع شبيه بما كان بينها وبين أميركا في عهد أوباما، فإنه يحتاج إلى حملة لتعظيم الخطر النووي الإيراني على الأمن القومي الأميركي من أجل إقناع الملايين من الجمهوريين والديمقراطيين بضرورة التفاوض مع النظام الإيراني لمنعه من ذلك.
وقد حذر السفير الأميركي الأسبق روبرت فورد في مقال نشر في “الشرق الأوسط” من مخاطر الرقص مع طهران، مذكرا بـ”رفض الحزب الجمهوري وعدد من النواب الديمقراطيين التفاوض” معها، إذ “يطالبون باستمرار الضغوط القصوى على النظام الإيراني حتى التنازل التام عن البرنامج النووي والصاروخي ووقف تدخلاته الإقليمية”.
أما كلُّ ما يهمّ الدول العربية وشعوبها من العلاقة الأميركية الإيرانية فهو ما تفرزه من تبعات وانعكاسات وتأثيرات على أمن مواطنيها، قبل خوفها على أموالها وثرواتها حين يكون النظام الإيراني أداة أميركية إسرائيلية لإرهاب العرب وابتزازهم.
فحين تكون العلاقة بينهما “تهاونية” يكون من يتأثر، أولا، وربما لوحده، هو الأمن القومي العربي والتنمية والتطوير والبناء، والشيء نفسه يكون هو الحاصل حين تكون العلاقة “تشاكسية”.
وقد رأينا في حالة العداء الإيراني – الأميركي طيلة أعوام رئاسة ترامب، كيف وكم كانت عمليات الاستفزاز والانتقام من ترامب لا يدفع أثمانها الباهظة غير الدول العربية وشعوبها.
ثم حين نتذكر حالة الصفاء الأميركي في عهد أوباما الذي امتد ثماني سنوات نتذكّر أيضا أن الذي كان يدفع فواتيرها هي الحكومات العربية وشعوبها أيضا.
وخلاصة الكلام أن الدلائل السياسية والإخبارية “التسريبية” المبطّنة تشير إلى أن النهج “الترامبي” مع إيران في طريقه إلى الرفوف العالية، وأن أوباما عائدٌ إلى العرب وإيران ولكن بثياب جديدة بألوان جديدة ومن قماش جديد.
وعلى العرب، حتى الذين أحسنوا الظن بنتنياهو وطبّعوا معه على أمل اصطفافه معهم لردع الإرهاب الإيراني، أن يتهيّأوا لسنوات عجاف جديدة يكون فيها الخطر الإيراني أكثر تهديدا لأمنهم ولاستقرار مجتمعاتهم، وربما أشدّ ضراوة.
العرب