يواجه النظام السوري تحديات كبيرة لإجراء الانتخابات الرئاسية، ولعل من بينها تراجع نسب المؤيدين له في المحافظات والمدن المحسوبة عليه، نتيجة للواقع المعيشي الضاغط، وسط ترجيحات بأن تسجل الانتخابات نسبة مقاطعة واسعة في مناطق سيطرته مقارنة بعام 2014.
لم يعد يفصل عن الانتخابات الرئاسية في سوريا سوى أشهر قليلة، ورغم ذلك لم تعلن أي شخصية عن ترشحها للاستحقاق بما في ذلك الرئيس بشار الأسد، فيما بدا الهدف من هذا التأخير هو ترتيب الأوضاع الداخلية التي تشهد حالة من الإرباك والفوضى، قبل الإقدام على هذه الخطوة.
ويذهب معارضون سوريون إلى أن الأسد من الأكيد أنه سيقدم ترشحه للانتخابات، ومن المرجح على نحو بعيد أن يتم ذلك خلال الشهر الجاري، في ظل استعدادات سورية وروسية حثيثة لإنجاح هذا الاستحقاق أو أقله توفير غطاء لتمريره، بمعزل عن موقف المجتمع الدولي.
وتأتي الانتخابات المقررة منتصف العام 2021، في ظرفية مختلفة نسبيا عن تلك التي جرت في العام 2014، والتي جدد من خلالها الأسد لنفسه لمدة سبع سنوات أخرى. ففي 2014 كان هناك انقسام حادّ بين كتلة موالية حد التعصب له وأخرى معارضة، لكن هذا الفارق بدأ في السنوات الأخيرة بالتلاشي مع تراجع التأييد للأسد في صفوف الحاضنة الشعبية نتيجة تدهور الأوضاع الاقتصادية، والتي انتهت بأكثر من 80 في المئة من الشعب السوري تحت خط الفقر.
ويُسجّل اليوم تململ شعبي في عدة مناطق ومحافظات محسوبة على الرئيس السوري منذ انطلاقة الأزمة في العام 2011، على غرار محافظات اللاذقية وطرطوس، والسويداء في الجنوب، والعاصمة دمشق. وفيما لم يكن لسكان الأخيرة القدرة على الخروج والاحتجاج بسبب تركّز القوة الأمنية هناك، إلا أن المحافظات الثلاث شهدت في الأشهر الأخيرة مسيرات احتجاجية وإن كانت بشكل متفاوت، احتجاجا على الأزمة المعيشية الخانقة.
ولم يعد يخفي العديد من السوريين الموالين غضبهم حيال طريقة تعاطي النظام مع الوضع الاقتصادي، الذي ساهم في تأزيمه تفشي الفساد وظهور ما يسمى بأثرياء الحرب الجدد الذين يحظون بغطاء أمني كبير، وما فتئوا يستغلون الأزمة لتجييرها من أجل مراكمة ثرواتهم.
ويشير نشطاء إلى أن حالة الغضب الناجمة عن سوء إدارة النظام، من شأنها أن تدفع الغالبية الموالية له إلى معاقبته بمقاطعة الاستحقاق، حيث لن يكون بإمكانه إجبار الناس على الذهاب إلى صناديق الاقتراع بالقوة.
ويبدو الوضع بالنسبة للرئيس بشار الأسد أكثر سوءا في المناطق التي نجح في إخضاعها بقوة السلاح، وأجبرها على الذهاب في تسويات هشة على غرار محافظتي درعا في الجنوب وحمص في الوسط. وتشهد درعا هذه الأيام عمليات ابتزاز من قبل النظام، الذي يلوح بشن عمليات عسكرية ضد مناطق في داخلها، في محاولة لترهيب الناس وإخماد التمرد الذي بدأت تنتقل عدواه إلى خارج أسوارها، وتطال ريفي القنيطرة ودمشق.
وكان سكان درعا أول المنتفضين على نظام الرئيس بشار الأسد، ونجحوا في فك سيطرته عن المحافظة في العام 2013، قبل أن يتمكن بمساعدة روسيا من إخضاعها مجددا في إطار تسوية شاركت فيها الولايات المتحدة، لكن هذه المحافظة لم تهدأ لاسيما بعد عدم التزام النظام بمعظم بنود الاتفاق، وظل يتعامل مع أبنائها بعقلية أمنية بحتة.
وأدى هذا الوضع إلى ظهور خلايا مسلحة (مؤلفة من مقاتلين سابقين) تنامى حضورها بشكل مقلق للنظام في الأشهر الأخيرة، لاسيما مع انضمام العديد من الشباب الحانق إليها، وتحاول اليوم روسيا جاهدة احتواء التمرد في المحافظة بيد أن الأمور لا تبدو أنها تجري وفق أهواء الأسد في ظل غياب ثقة الأهالي في هذا “الوسيط”.
يقول النشطاء إن الوضع لا يبدو مريحا أيضا بالنسبة للنظام في محافظة حمص التي وإن بدت الأكثر هدوءا في السنتين الماضيتين، بيد أن هناك حالة من الرفض المتنامي للنظام في صفوف أبنائها.
ومع محاولة النظام ترتيب الفوضى قبل الانتخابات، مراهنا في ذلك ليس على تحسين الوضع الاقتصادي وإنما على ترهيب الناس، وأيضا على آلته الدعائية، حيث كان الأسد خصص جزءا من وقته خلال الفترة الماضية للقاء الإعلاميين الموالين له، والذين بلغ عددهم 75 إعلاميا لتوجيههم بشأن الخطاب الذي يفترض تبنيه مع اقتراب الاستحقاق، تنشط على الجانب الآخر حملات مقاطعة الاستحقاق.
ويقول في هذا الصدد الأمين العام للمجلس السوري للتغيير المحامي حسان الأسود لـ“العرب”، “إن فكرة تدشين حملة واسعة للدعوة إلى مقاطعة الانتخابات بدأ العمل عليها منذ فترة لا بأس بها، حيث كان لا بدّ من التصدّي لجهود نظام الأسد المكثفة في هذا المجال وإحباطها”.
ويضيف الأسود “لقد بدأنا العمل على الترويج إلى هذه الحملة التي تحمل اسم ‘لا شرعية للأسد وانتخاباته’، في السابع من يناير الماضي، وبدأنا التواصل مع العديد من القوى والشخصيات السياسية والمدنية السورية للمشاركة في هذا العمل الوطني. وبعد اجتماع ضمّ ممثلين عن اتحاد تنسيقيات الثورة ورابطة المستقلين الأكراد، قررنا توحيد المخارج والدعوة إلى اجتماع يضمّ أكبر عدد ممكن من شركاء العمل”.
ويوضح المعارض السوري المقيم في درعا أن “هدف الحملة الوصول إلى جميع السوريين أينما كانوا، وستخاطب أهلنا المقيمين في أماكن سيطرة النظام لتبيّن لهم أهمية مقاطعتهم هذه الانتخابات. كذلك ستخاطب الحملة الرأي العام الإقليمي والعربي والدولي، وستتوجه إلى الدول عبر سفاراتها وخارجياتها، وإلى الهيئات الدولية”.
وستركز الحملة، وفق حسان الأسود على تبيان الأسس اللا شرعية لهذه الانتخابات وعلى الضرر الذي ستلحقه بالسوريين، فهي تأتي في تناقض واضح وصريح مع مقررات بيان جنيف واحد والقرارين 2118 و2254 الصادرين عن مجلس الأمن وقرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة. مشددا على أن إجراء الانتخابات بغير هذه الشروط سيعقّد الوضع ويفاقم الأزمة.
ولا تنحصر الصعوبات التي يواجهها الأسد فقط في المناطق الواقعة تحت سيطرته، بل وأيضا في أجزاء تحت هيمنة قوى أخرى، وهناك اليوم اتصالات تُجرى مع قوات سوريا الديمقراطية، التي تبسط نفوذها على أجزاء مهمة من شمال وشرق البلاد للسماح بتركيز صناديق اقتراع، لاسيما في الدوائر والمربعات الخاضعة له في الحسكة.
وذكرت مصادر مطلعة أن التحركات تشمل أيضا التنسيق مع لبنان والأردن اللذين يحتضنان الآلاف من اللاجئين لإضفاء نوع من الشرعية على هذا الاستحقاق. ويوجد أكثر من 7 ملايين لاجئ سوري في الخارج، أكثر من ربع أعدادهم يتوزعون في دول الجوار.
وتعد هذه الانتخابات التي تجري وفق دستور 2012 مهمة جدا بالنسبة للرئيس السوري لجهة تجديد “الشرعية” له، بالرغم من تصريحات القوى الدولية الرافضة لهذا الاستحقاق.
العرب