قام المتمردون الحوثيون في اليمن، في تطوّر لافت أمس الأربعاء، بشن هجوم على مطار أبها السعودي بأربع طائرات مسيّرة، ورغم أن الحوثيين قالوا إنهم استهدفوا «مرابض الطائرات الحربية» في المطار الدولي، وأنه يستخدم لأغراض عسكرية، وأن «الإصابات كانت دقيقة» لكن يبدو أن النتيجة كانت اشتعال طائرة مدنية، وهو ما دفع التحالف الذي تقوده السعودية لاعتبار الهجوم «جريمة حرب».
يأتي الهجوم بعد تغيّر كبير في استراتيجية الولايات المتحدة الأمريكية تجاه اليمن، بعد إعلان إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن سحب الدعم الأمريكي للسعودية والعودة عن تصنيف الحوثيين منظمة إرهابية، وهو ما أدى إلى تغيّر ملحوظ وسريع على الأرض، بحيث لم تمض ساعات على الإعلان الأمريكي حتى استأنف الحوثيون هجماتهم ليس في اليمن فحسب بل كذلك في السعودية، فعززوا هجومهم على مدينة مأرب، المنطقة الغنية نفطيا، وكثّفوا القصف على الأحياء السكنية في تعز والحديدة، وواصلوا هجماتهم بالطائرات المسيرة على السعودية، وقد دفع التصعيد مبعوث الأمم المتحدة إلى اليمن، مارتن غريفيث، للإعراب عن «قلقه البالغ» من استئناف الحوثيين «الأعمال العدائية» في محافظة مأرب، وهو ما ردّ عليه الحوثيون بالقول إنه «مبعوث بريطاني بملابس أممية».
تشير هذه الوقائع إلى أن الحوثيين اعتبروا قرارات إدارة جو بايدن، الزعيم الجديد في «البيت الأبيض» ورحيل دونالد ترامب، الحليف الوثيق للمملكة السعودية، انقلابا أمريكيا على الرياض وإعلانا يعزز الاتجاه الدولي نحو إنهاء الحرب اليمنية، وسارعوا، بالتالي، إلى تحقيق مكاسب عسكرية كبيرة، تسمح لهم بالعودة إلى طاولة المفاوضات وفرض الأوضاع الجديدة على اللاعبين اليمنيين والإقليميين، وكذلك على المنظومة الدولية والأمم المتحدة.
لن تقتصر عواقب «انقلاب» السياسة الخارجية الأمريكية على سياسات وليّ العهد السعودي محمد بن سلمان الخارجية (وربما الداخلية) فيما يخص «المسألة اليمنية» تحديدا، على صعود نجم الحوثيين، واستعادتهم المبادرة الهجومية.
إحدى النتائج الجانبية، ولكن المهمة، لهذا التغير في المشهد اليمني، هو تعزّز الموقف الإيراني تجاه السعودية هناك، وكذلك في أكثر من ساحة عربية تخضع، بدرجات متفاوتة، للنفوذ الإيراني، كما هو الأمر في العراق وسوريا ولبنان، وهو ما سيعطي طهران إحساسا أكبر بالثقة فيما يخصّ التفاوض على مشروعها النووي.
الأغلب أن إدارة الرئيس الأمريكي الجديد اتخذت هذه القرارات مسترشدة بسياق السياسات الخارجية المعلومة للحزب الديمقراطي، والوعود الانتخابية التي قطعتها، وكذلك بوقف الانحيازات السياسية الخارجية الشديدة لإدارة ترامب، وكذلك اجتهادات وزير الخارجية الجديد أنتوني بلينكن، بالتعاون مع المؤسسات الأخرى المنوط بها تنفيذ سياسات الولايات المتحدة الأمريكية في الخارج، وخصوصا البنتاغون والمخابرات الخارجية الأمريكية.
من غير المعلوم، مع ذلك، طريقة احتساب الإدارة الأمريكية للسياسة الخارجية، لتأثير قراراتها حول السعودية واليمن، في ملف المشروع النووي الإيراني، وكذلك الملفات الملحقة الأخرى، المتعلقة بنفوذ إيران في عدد من الأقاليم العربية، فمن غير المعقول أن تعطي واشنطن، سلفا، أوراقا جديدة لطهران تضعف مواقف الخارجية الأمريكية في هذا الملفّ.
ستتغير، إذا نجح الحوثيون في التقدّم على جبهات مأرب والحديدة وتعز، «شروط السلام» الجديد في اليمن، وهو ما سيعطي أسبابا للتغيير في أماكن عربية تخضع للنفوذ الإيراني، ويمكن أيضا أن ينتج شروطا إيرانية جديدة لعودة الاتفاق النووي، وبذلك قد تدفع واشنطن، أيضا، ثمنا للسياسات المستجدة التي صنعتها، ضمن الأطراف الكثيرة التي ستدفع الثمن!
القدس العربي