لا تزال التصريحات التي أطلقها وزير الخارجية الأمريكي السابق بومبيو حول استضافة أعضاء من «القاعدة» في إيران، تشغل الكثيرين من المراقبين، وقد وضحنا في مقال سابق، سياق العلاقة الندية والمتوترة والعدائية بين «القاعدة» وطهران، وطبيعة وجود بعض القيادات تحت الإقامة الجبرية، وظروف احتجاز أفراد من عائلة بن لادن ومنهم، ابنه حمزة وتعرضه للتعذيب في سجون الأمن الإيراني، وسنأتي هنا على سبب وجود قيادات لـ»القاعدة» في طهران واغتيال أحدهم في طهران، كما أعلن بومبيو مؤخرا.
فالقياديان الموجودان في طهران، كانا معتقلين في سجون طهران، وأطلق سراحهما مع أربعة آخرين بناء على صفقة تبادل للمعتقلين بين «القاعدة» والحكومة الإيرانية، حيث اعتقلت «قاعدة اليمن» دبلوماسيا إيرانيا في صنعاء، عام 2013 وبادلته عام 2015 بستة من قيادات «القاعدة» المعتقلين في طهران، بينهم 3 من مصر هم سيف العدل وأبومحمد المصري وأبو الخير المصري، واثنان من الأردن هما أبو القسام وساري شهاب، مقابل الدبلوماسي الإيراني في اليمن.
سياق وجود قيادات «القاعدة» في إيران يشير إلى علاقة مضطربة مع طهران، ويمكن تلمس بعض ملامحها منذ عشر سنوات
وحينها توجه أربعة من القادة إلى سوريا هم، أبو الخير المصري، والأردني أبو القسام، واثنان من رفاقهما، أما اللذان بقيا في إيران فهما المصريان سيف العدل وأبو محمد المصري، ومنعا من السفر خارج إيران، ولاحقا قتلت كل القيادات التي وفدت لسوريا، وقتل أحد المقيمين في إيران. وتسلط رسالة لقيادي شرعي في هيئة «تحرير الشام» في عام 2017، هو عبد الرحيم عطون، الضوء على طبيعة وجود بعض قيادات «القاعدة» في إيران، الرسالة جاءت ردا على أيمن الظواهري في إطار خلافات اندلعت بين جبهة النصرة. يقول عطون في رسالته: «حصلت صفقة تبادل بين الأخوة في اليمن والحكومة الإيرانية، حيث كان لدى المجاهدين في اليمن رهينة إيراني، وبموجب الصفقة خرج خارج المعتقل وخارج إيران كل من الشيخ أبي الخير النائب المستخلَف الأول وصاحبه، والأخ قسام وصاحبه، وخرج من المعتقل لكن مع منع مغادرة إیران لكل من الشیخین: (المستخلَف الثاني والمستخلَف الثالث) ووصل الشیخ النائب أبو الخیر رحمه الله، وصاحبه والأخوان قسام وصاحبه إلى الشام، وأبرز لنا الشیخ أول مقدمه، كتاباً یتضح من خلاله أن الشیخ أبا الخیر ھو المستخلَف عن الشیخ الظواھري حفظه الله، وقد فسر الاستخلاف حینھا بالنیابة». ليست عملية تبادل الرهائن التي حصلت في 2015 جديدة، فقد سبقتها عملية تبادل اخرى عام 2011، فحينها تم الإفراج عن حمزة بن لادن من سجون طهران، مقابل إطلاق «القاعدة» لدبلوماسي إيراني اختطفته في باكستان عام 2008. إذن، سياق وجود قيادات «القاعدة» في إيران يشير إلى علاقة مضطربة مع طهران، ويمكن تلمس بعض ملامحها منذ عشر سنوات، في رسالة بعثتها قيادات من «القاعدة» عام 2010 تحدثوا فيها عن ظروف الاحتجاز «في سجون المخابرات الإيرانية القمعية» مطالبين تنظيم «القاعدة» بإطلاق سراحهم، قائلين بشكل محدد: «ما نريدكم أن تفعلوه هو اختطاف المسؤولين الإيرانيين، والتفاوض مع الحكومة الايرانية». صحيفة «نيويورك تايمز» نشرت موضوعا مفصلا استعرضت فيه طبيعة العلاقة الإيرانية مع «القاعدة» واستخلص كاتب المقال كول بينزل، أن حديث الوزير بومبيو فيه الكثير من المبالغات، ويقول بينزل إن القيادي في «القاعدة» الأردني أبو القسام «يصور علاقة مع إيران لا تشبه الشراكة، ووفقا له، فإن حرية حركة قادة القاعدة في إيران قد حصلت بشق الأنفس، نتيجة تبادل الأسرى عام 2015، لم تمنحه إيران طواعية، لكنها اضطرت إلى ذلك، علاوة على ذلك، فإن نواب الظواهري في إيران ليسوا موجودين طوعًا، بل لأنهم ممنوعون من المغادرة بموجب شروط إطلاق سراحهم من الاعتقال الإيراني». ويضيف كول بينزل مجيبا على التساؤل حول سبب إصرار إيران على إبقاء قيادات «القاعدة» من دون السماح لهم بالسفر ويقول «الجواب المحتمل هو أن إيران تريد ضمان عدم قيام «القاعدة» بتنفيذ هجمات إرهابية ضد إيران، قاتلت «القاعدة» الجماعات المدعومة من إيران في جميع أنحاء الشرق الأوسط، بما في ذلك حزب الله اللبناني والحوثيون في اليمن، وأعلن أبناء عمومتهم الأيديولوجيون في تنظيم «الدولة الإسلامية» (داعش) عن عملياتهم على الأراضي الإيرانية، بما في ذلك الهجمات على البرلمان الإيراني وضريح آية الله الخميني في عام 2017، وبالتالي فإن وجود قادة «القاعدة» في البلاد يعد بمثابة بوليصة تأمين ضد الهجمات». ويختتم مقاله بالقول «يجب على الإدارة الأمريكية الجديدة أن تتجنب التقييمات المسيسة للتهديد الذي تشكله القاعدة».
وائل عصام
القدس العربي