رغم تضرر الفئات الضعيفة من الأزمة الصحية التي أشعل فتيلها فيروس كورونا، فإن أطرافا أخرى كسبت فوائد كبيرة.
وفي تقرير نشرته صحيفة “لونوفيل أوبسرفاتور” (LE Nouvel Observateur) الفرنسية، أوضح الكتّاب كلود سولا ومورغان برتراند وبابتيست ليجراند وبوريس مانينتي أن عامي 2020 و2021 لن يكونا ذكرى سيئة للمليارديرات الذين يعدّون أكبر المستفيدين من تسرب السيولة من البنوك المركزية لدعم الاقتصاد، وهم ليسوا الوحيدين الذين أحسنوا استغلال هذه الأزمة.
تُسلط الصحيفة الضوء على مفارقة، وهي أنه بعد عام من انطلاق أكبر أزمة عالمية منذ أزمة عام 1992 تراجع النشاط الاقتصادي بنسبة 4.9% في البلدان الصناعية ولكنها شهدت انتعاشا مفاجئا، وعادت إلى مستواها في فبراير/شباط 2020.
في فرنسا مثلا، حققت بعض الشركات أرباحا طائلة، فشهدت أسهم شركة “مويت هنسي لوي فيتون” -“إل في إم إتش” (LVMH)- الفاخرة العملاقة انتعاشا بأكثر من 25%، وكذلك شهدت شركة لوريال ارتفاعًا بنسبة 16%، وهو ما يضاعف ثروة أصحابها، ناهيك عن جميع المساهمين الآخرين.
وحسب تقرير صادر عن منظمة “أوكسفام” (Oxfam) غير الحكومية، “كسب المليارديرات الفرنسيون ما يقرب من 175 مليار يورو بين مارس/آذار وديسمبر/كانون الأول 2020، وهي نسبة تتجاوز مستوى ثرواتهم قبل الأزمة، وتعد هذه ثالث أعلى زيادة بعد الولايات المتحدة والصين”.
ووفقا لمنظمة أوكسفام، كسب أغنى 10 رجال على هذا الكوكب 540 مليار دولار خلال الفترة نفسها، في حين أن الأمر سيستغرق 10 سنوات على الأقل حتى تتمكن الفئة الفقيرة من تعويض الخسائر.
لكن لماذا يرتفع سوق الأسهم رغم حالة الفوضى التي يعيشها الاقتصاد؟ إن الأمر بسيط جدا، فالعلاج الذي يحارب الأزمة -وهو ضخ البنوك المركزية مئات المليارات من اليورو- هو أيضا السم نفسه الذي يؤدي إلى عدم المساواة، لأن هذه الأموال تنتهي في الأسواق المالية والعقارية لعدم وجود استثمارات مربحة أخرى، فتصبح قيمة السندات والقروض الحكومية عند معدلات فائدة صفرية أو حتى سلبية، ويؤدي ذلك إلى نمو سوق الأسهم والذهب والبتكوين (bitcoin).
جنة عمالقة الويب
عزز الحجر الصحي من هيمنة عمالقة التكنولوجيا، إذ لجأ 2.8 مليون فرنسي إلى التسوق عبر الإنترنت، وحققت “أمازون” (Amazon) أرباحا طائلة، وتضاعف صافي أرباحها عمليا وزادت قيمتها السوقية من ألف مليار دولار إلى مليار و696 مليون دولار، أي أنها حققت زيادة بما يفوق 69%.
كذلك شهدت “غوغل” (google) تكثيف الإعلانات عبر الإنترنت من خلال ربح 147 مليار دولار، أي زيادة بـ9%، أما بالنسبة لفيسبوك (Facebook) فقد نما صافي دخلها بنسبة 58%، وحققت شركة “آبل” (Apple) مبيعات إضافية بلغت 14 مليار دولار.
استفاد ناشر برنامج مؤتمرات الفيديو “زوم” (Zoom)، الذي تضاعفت قيمته السوقية بنحو 4 مرات، أما شبكة الفيديو الاجتماعية “تيك توك” (TikTok) فقد شهد عدد مستخدميها ارتفاعًا من 4.4 ملايين إلى 11 مليون مستخدم في فرنسا فقط، بالإضافة إلى الشركة المصنعة للسيارات الكهربائية “تسلا” (Tesla) التي تضاعف رأس مالها 5 مرات، وهي زيادة سمحت لمؤسسها إيلون ماسك بأن يصبح في السابع من يناير/كانون الثاني الماضي أغنى رجل في العالم، متقدما على جيف بيزوس رئيس شركة أمازون.
ازدهار الصين
يقر الخبير فرانسو كانديلون مدير مركز أبحاث “بي سي جي هندرسون” (BCG Henderson) إن الصين هي الرابح الأكبر من الوباء على جميع الجبهات السياسية والاقتصادية والدبلوماسية، فقد اتخذ الصينيون كل الخيارات الصحيحة.
أولا على المستوى الداخلي، “حتى فبراير/شباط الجاري، كان الناس غاضبين من حكومة شي جين بينغ وأساليبها الاستبدادية، ولكن بعد أن شاهدوا حجم الوباء في الغرب اكتفوا باستئناف الحياة الطبيعية، وانتعشت شعبية شي جين بينغ”. ومن الناحية الاقتصادية، تعد الصين الدولة الرئيسية الوحيدة التي تجنبت الركود، حيث يتوقع صندوق النقد الدولي أنها ستشهد قفزة بنسبة 8.1% هذا العام.
أخيرا، على الصعيد الدولي، استفادت الصين من توزيع أقنعة الوجه واللقاحات في آسيا وأفريقيا وأميركا اللاتينية.
الصين استفادت من توزيع الكمامات واللقاحات في آسيا وأفريقيا وأميركا اللاتينية (الجزيرة)
عودة التلفاز
4 ساعات و58 دقيقة هو الوقت الذي يقضيه 44 مليون مشاهد فرنسي كل يوم أمام التلفاز، وهو يعد رقما قياسيا، وقد انعكس هذا الأمر من خلال الاندفاع نحو شراء أجهزة التلفاز، حيث ارتفعت المبيعات من 11% إلى 25%.
بين الحجر الصحي وحظر التجول وإغلاق دور السينما والمسارح، لجأ الناس إلى الشاشة الصغيرة بحثا عن الأخبار والمتعة.
وفي نهاية عام 2020، نافس موقع “سالتو” (Salto) الفرنسي موقع “نتفليكس” (Netflix)، الذي تجاوز 200 مليون مشترك في جميع أنحاء العالم، وقد استقطبت هذه المنصة، وهي مبادرة مشتركة بين “تي إف 1″ (TF1) و”فرانس تلفزيون” France) Télévisions) و”إم 6″ (M6)، أكثر من 200 ألف مشترك في غضون 3 أشهر فقط.
الإقبال على الطعام
تلاحظ مديرة التسويق في شركة كنتار (Kantar) جويل لي فلوش أنه “يبرز قطاع الأغذية باعتباره الفائز الأكبر في عام 2020، وشهد التوزيع على نطاق واسع زيادة بنسبة 8.3% في القيمة على الشبكات العمومية، وهو ما لم نشهده من قبل”.
في الوقت نفسه، عاد الفرنسيون للاستثمار في صناعة الأغذية، مع توجه خاص نحو اللحوم، وشهدت مبيعات “فلوران رايس” (Florian Raes) -وهو جزار ديناميكي من درافيل في إقليم إيسون- ارتفاعا بنسبة 23%. “كان الناس يشاهدون البرامج على التلفزيون وفي اليوم التالي كانوا جميعا يطلبون المنتج نفسه”.
فضلا عن ذلك، حققت كتب الطبخ نجاحا كبيرا، على غرار كتب المجلدات الثلاثة لـ”صنع في بيتي” لسيلين لينياك، بين يونيو/حزيران وديسمبر/ كانون الأول الماضيين، تم بيع أكثر من 820 ألف نسخة.
خبراء الجل المعقم
منذ 20 عاما، تخصصت “سوليبو” (Solibio)، وهي شركة صغيرة أسسها الكيميائيان جان لوب برنارد وزوجته أوديل، ومختصة في مستحضرات التجميل ومنتجات التنظيف “البيئية”، حيث كانا يصنعان صابونا مائيا كحوليًا لمنتجعات التزلج الواقعة في الحدائق الطبيعية، وبما أنهما كانا يملكان مخزون الكحول اللازم لإنتاج الجل المعقم، هرعا إلى تحويل نشاط المصنع، وقالا “كنا الوحيدين اللذين يصنعان الجل في المنطقة. انتقلنا من 500 لتر في السنة إلى 500 لتر في الساعة”.
تعددت الطلبات الضخمة، واستفادت المنتجات الأخرى من هذا الأمر على غرار صابون التنظيف ومرطب للبشرة التالفة وما إلى ذلك، وفي يوليو/تموز الماضي، عندما انخفض الطلب على الجل، تمكّنا من البدء في صنع مستحضرات التجميل مرة أخرى، وأضافا “لقد كان عاما شاقا، ولكننا حققنا نموا كبيرا، ولا نجرؤ حتى على تحديد مقدار ذلك، كنّا قادرين على التوظيف والاستثمار، كنا 20 موظفا قبل عام، وسنبلغ 30 الآن”.
المصدر : الصحافة الفرنسية