تشكيل الحكومة اللبنانية.. التعقيدات سيدة الموقف

تشكيل الحكومة اللبنانية.. التعقيدات سيدة الموقف

خلال الساعات القليلة الماضية، زادت التعقيدات أمام تشكيل الحكومة اللبنانية، على خلفية دخول كل من رئيس الجمهورية ميشال عون، ورئيس الوزراء المكلف سعد الحريري، في سجال علني متبادل، في ظل استبعاد أي خرق إيجابي لحلحلة الأزمة، وفق متابعين.
وبات الجمود سيد الموقف، فالخروج من المأزق الحالي الذي يكبر يوميا، يصطدم بجملة عقبات، رغم حركة مكوكية خارجية يقوم بها الحريري، حيث زار دولا منها قطر وفرنسا ومصر.
وبشأن تأخر تشكيل الحكومة المكلف به الحريري من جانب عون منذ 22 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، قال مصدر مقرب من رئيس الجمهورية، إن “الأمور متجهة إلى التجميد حاليا فيما يخص تأليف الحكومة”.
وردا على حديث للحريري، اعتبرت الرئاسة، الأحد، أنه “يحاول من خلال تشكيل الحكومة فرض أعراف جديدة خارجة عن الأصول والدستور”.
وكان الحريري قد حمّل عون مسؤوليّة تأخير تشكيل الحكومة، مؤكدا أنه قدم “لرئيس الجمهورية اقتراحا بتشكيلة من 18 وزيرا اختصاصيين غير حزبيين”.
وسبق أن أعلن عون (مسيحي ماروني) اعتراضه على ما سماه “تفرّد الحريري بتسمية الوزراء، خصوصا المسيحيين، دون الاتفاق مع الرئاسة”.
وجراء استقطاب سياسي حاد، لم يتمكن لبنان حتى الآن من تشكيل حكومة لتحل محل حكومة تصريف الأعمال الراهنة برئاسة حسان دياب، التي استقالت في 10 أغسطس/ آب الماضي، بعد 6 أيام من انفجار كارثي بمرفأ العاصمة بيروت.

جولة خارجية وتأييد روسي
وفق محمد الحجار، نائب عن تيار المستقبل بزعامة الحريري، فإن “هناك جهة تسعى للحصول على الثلث المعطل، وهذه الجهة غير قادرة على أن تستوعب أن هذه الحكومة هي من اختصاصيين فقط”.
و”الثلث المعطل” يعني حصول فصيل سياسي على ثلث عدد الحقائب الوزارية، ما يسمح له بالتحكم في قراراتها وتعطيل انعقاد اجتماعاتها.
وبشأن زيارة الحريري لقطر الأربعاء، قال إن “الحريري يتابع ويكثّف جولاته لإعادة ترميم علاقات لبنان مع الخارج، بفعل تهجمات حزب الله (شيعي) ومن خلفه (يقصد حليفته إيران)”.
وحول إن كان الحريري حصل على ضوء أخضر روسي، ردّ الحجار: “بعد اتصال (المبعوث الخاص للرئيس الروسي إلى الشرق الأوسط ميخائيل) بوغدانوف بالحريري (الإثنين) صدر بيان يؤيّد تولي الأخير الحكومة والطريقة التي يسير من خلالها”.
وشددت روسيا، في بيان الإثنين، على “ضرورة التشكيل السريع لحكومة مهمة برئاسة سعد الحريري، الحائز على أغلبية الأصوات في البرلمان، وكذلك التكليف من رئيس لبنان ميشال عون”.
ولخص الحجار الوضع بقوله إن “الذريعة الأساسية هي رغبة وقرار بالتحكم بأي حكومة تصل، كما حصل مع حكومة دياب، طالما هذا النمط يحقق لهم مصالح خاصة”.

إجحاف بحق المسيحيين
على خط مقابل، نفى أسعد درغام، النائب عن كتلة “التيار الوطني الحر” (بزعامة جبران باسيل صهر عون)، تمسك رئيس الجمهورية بـ”الثلث المعطل”.
وتابع درغام: “الرئيس عون يتمسك بحقه بالاطلاع على الأسماء المطروحة (الوزراء المقترحين)”، فهو “ليس ساعي بريد تصله اللائحة”.
وأضاف: “هناك إجحاف بحق الطائفة المسيحية، ولا يجوز تحت أي ظرف من الظروف أن تشعر كتلة وازنة في البرلمان بأنها مستهدفة أو مبعدة”.
ورأى أنه “لتأليف الحكومة يجب التعاون مع الجميع بالتساوي، ولا أعتقد ما يحصل سيأخذ لبنان إلى عملية الإنقاذ”.

تمسك بالسلطة
بدوره، شدد ظافر ناصر، أمين السر العام بالحزب التقدمي الاشتراكي بزعامة وليد جنبلاط، على أن “الأساس هو تشكيل الحكومة؛ لأن الوضع لا يحتمل”.
وأضاف: “أعلنا أننا لن نشارك حزبيا في هذه الحكومة، وبات واضحا أن التعطيل في التشكيل يأتي نتيجة التمسّك بالسلطة والإمساك بالثلث المعطل من قبل التيار الوطني الحر في حال لم يتم تلبية مطالبه وشروطه في المرحلة المقبلة”.

لا للمحاصصة
أما شارل جبور، رئيس جهاز الإعلام بحزب القوات اللبنانية، بزعامة سمير جعجع، إن “كل ما يقال عن صلاحيات وحقوق مسيحية أو إسلامية هو كلام خارج السياق؛ فاللحظة المسيطرة هي الانهيار المالي”.
ومنذ أكثر من عام، يعاني لبنان أزمة اقتصادية هي الأسوأ منذ نهاية الحرب الأهلية، وزادتها سوءا تداعيات كل من جائحة كورونا وانفجار المرفأ.
واعتبر جبّور أن “من يتحدث عن حقوق يريد فقط المحاصصة، أي ضمانة حصص لفريقه السياسي، بينما المطلوب وضع رزمة إصلاحات”.
وزاد: “نحن كقوات لبنانية موقفنا ليس موجها ضد الرئيس المكلف (الحريري) أو أي شخصية أخرى، المشكلة هي مع الفريق الحاكم، أي مع فريق رئيس الجمهورية وحزب الله”.
وتحدثت وسائل إعلام محلية، مؤخرا، عن دخول روسيا على خط حلحلة أزمة تشكيل الحكومة، عبر اتصالات مع أطراف لبنانية، في الساعات الماضية.
وحول الاتصالات التي أجراها بوغدانوف، رأى جبور أنها “محاولة، مع العلم أن المبادرة الفرنسية لم تنجح لغاية اللحظة”.
وبعد أيام من انفجار المرفأ، أطلق الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، من بيروت، مبادرة بلهجة “تهديد” لتشكيل حكومة لبنانية من اختصاصيين لا ينتمون إلى أحزاب سياسية، وإجراء إصلاحات إدارية ومصرفية.

“حزب الله” وراء العرقلة
وبحسب طوني بولس، كاتب ومحلل سياسي، فإن الإشكال الكامن يبدو في العلن أنه على الحصص، ولكن الجوهر الأساسي هو “حزب الله”.
وأضاف أن “حزب الله غير مستعجل لتشكيل الحكومة، خاصة إن كان غير قادر على تأمين حكومة يراها مناسبة له”.
واعتبر أن “رئيس الجمهورية، والعهد هما واجهة للحزب لعرقلة المسألة تحت عناوين مختلفة، وأهمها صلاحيات رئاسة الجمهورية”.
ويشار بـ”العهد” إلى فترة حكم رئيس الجمهورية، وقد انتخب عون في 31 أكتوبر 2016، وتنتهي رئاسته في 2022.
وختم بولس: “مُراد حزب الله هو حكومة تحمي ظهر المقاومة، وهذا ما أعلن عنه الأمين العام للجماعة (حسن نصر الله) في أكثر من مناسبة، أي الحزب يود حكومة برئاسة الحريري، ولكن بمضمون حسان دياب”.
وفي 6 فبراير/ شباط 2006، وقّع نصر الله وعون، رئيس “التيار الوطني الحر” آنذاك، تفاهما في كنيسة مار مخايل ببيروت، للعمل معا في معالجة قضايا هامة، أبرزها “بناء الدولة”.

رؤية غير واضحة
أما محمد نصر الله، النائب عن “حركة أمل” بزعامة رئيس البرلمان نبيه بري، فقال إن “كل الجهات مغلقة، الرؤية غير واضحة للزمن الذي يمكن أن تُشكل به الحكومة.. الأمور معقدة، ولا سيّما بعد فشل المساعي الإقليمية والدولية، ومنها الفرنسية”.
وبشأن ما يتردد عن تصلب مواقف عون لإفساح المجال أمام وصول وزير الخارجية السابق جبران باسيل، إلى سدة الرئاسة، أجاب نصر الله: “لم يتحدث أحد بشكل مباشر في هذا الموضوع”.
واستطرد: “لكن لا شك أن معركة رئاسة الجمهورية لها علاقة بشكل أو بآخر بتشكيل الحكومة، لأن الحكومة المنتظرة من المفترض أن تكون حكومة الانتخابات النيابية القادمة (في 2022)، التي لها دور فاعل جدا في اختيار رئيس الجمهورية المقبل (ينتخبه أعضاء البرلمان)، لذلك الأمور مرتبطة ببعضها”.

لا حصة للرئيس
حول قانونية ما يُطرح عن وجود تجاوزات على صلاحيّات رئيس الجمهورية، رأى أنطوان سعد، خبير دستوري وقانوني، أنه “يجب أن يصدر مرسوم لتشكيل الحكومة بالاتفاق مع رئيس مجلس الوزراء”.
وأوضح سعد: “أي يجب التوافق على كل تفاصيل تشكيل الحكومة دون أن تكون هناك حصة لرئيس الجمهورية، ودون أن تكون هناك محاولة لأن يكون له ثلث معطل، لكي لا يؤثر على مستقبل الحكومة”.
وتابع: “الخلاف لم يقع على صلاحيات رئيس الجمهورية بإبداء رأيه بمعظم الوزراء أو من الوزراء ضمن التشكيلة، وإنما الخلاف القائم هو أن رئيس الجمهورية يود الثلث المعطل، وهذا الأمر غير وارد في اتفاق الطائف”.
وبعد انتهاء الاستعمار الفرنسي، عام 1943، اتفق مسلمو ومسيحيو لبنان على “الميثاق الوطني”، وهو اتفاق غير مكتوب يتولى بموجبه الرئاسة مسيحي ماروني، مقابل أن يكون رئيس الوزراء مسلما سنيا، ورئيس البرلمان مسلما شيعيا.
وختم سعد بالتشديد على أن “الدستور واضح، ويتحدث عن أنه لا قدرة لرئيس الجمهورية على أن تكون له حصة تضمن له عرقلة الحكومة أو فرملة نشاطها واعتبارها مستقيلة إذا استقال ثلث أعضائها”.

(الأناضول)