تصرّ إيران على فصل الملف النووي عن بقية ملفات المنطقة، وهذا هو أصل المشكلة مع إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، والذي قرّر في عام 2018 الانسحاب من الاتفاق الذي وقعه سلفه بارك أوباما مع طهران في عام 2015. وطرح ترامب صيغة من أجل اتفاق جديد، يقوم على وقف نشاطات إيران المزعزعة للاستقرار في المنطقة، وهو ما رفضته طهران، وتواصل اليوم سياسة رفض التفاوض على اتفاق جديد، طرحت إدارة الرئيس الحالي جو بايدن إطاره الذي لا يبتعد كثيرا عن شروط ترامب، ويؤكّد على نقطتي وقف النشاطات المزعزعة للاستقرار، وإشراك أطراف إقليمية في الاتفاق، ومنها السعودية وإسرائيل. وهو ما ردّت عليه طهران بالرفض، وقالت صراحة إنها لن تجلس على طاولة المفاوضات مع الرياض من أجل التفاوض على اتفاق نووي.
النشطات الإيرانية المزعزعة للاستقرار تجري كلها في المنطقة العربية، وتشمل سورية، لبنان، العراق، اليمن، والسعودية، التي تتلقى الضربات بالطائرات المسيرة بصورة شبه يومية، ويتم تسجيل ذلك على أنه رد حوثي على حرب السعودية والإمارات على اليمن. ولكن لا يخفى على أحد أن الأسلحة المستعملة والتصويب يحتاجان درجة عالية من الحرفية، ولا شك أن من يقوم بهذه المهمة هي طهران التي تزوّد الحوثيين بأسلحة متطورة، وبخبراء يقومون بتشغيل هذه الأسلحة. وكلما تقدّم الوقت أصبحت نشاطات طهران أكثر من مزعزعة في المنطقة العربية، وأقل ما توصف بها أنها تخريب ممنهج قائم على أسس طائفية. وهذا هو الخطر الكبير الذي لا يريد أحد أن يراه ويعترف به ويقر بآثاره الراهنة والمستقبلية. وبعد أن ركزت إيران مشروعها الطائفي في لبنان وسورية، تمدّدت إلى العراق في ظل الاحتلال الأميركي، وها هي اليوم بعد 15 عاما تتحكّم بكل تفاصيل الوضع العراقي، كما أنها باتت لاعبا أساسيا في اليمن. والمحطة المقبلة هي تهديد بلدان الخليج العربي. ولا تقتصر النشاطات المزعزعة على التدخل في الشؤون الداخلية لهذه البلدان على المستوى السياسي، وإنما تعمل على تغيير هويتها الثقافية كاملةً من خلال بناء هوية طائفية جديدة، كما هو حاصل حاليا في شمال شرقي سورية في محافظتي دير الزور والحسكة، حيث يجري نشر التشيع في دير الزور بقوة، وبنت إيران مراكز ثقافية وأقامت حسينيات دينية وشكلت فرق كشافة، بالإضافة إلى إنشائها تشكيلات عسكرية تحت مسمّيات طائفية، مثل الباقر من قبيلة البقارة، وهاشميون من قبيلة الشعيطات، ويترافق هذا مع بث أساطير وخرافات عن شيعية المنطقة.
امتلاك إيران القنبلة النووية سوف يقود حتما إلى سباق نووي في المنطقة، ويؤدّي، بكل تأكيد، إلى أن تمتلك السعودية هي الأخرى السلاح النووي، وستجد من يبيعها هذه التكنولوجيا من دون أي اعتراض من الأمم المتحدة أو الدول الكبرى الأعضاء في النادي النووي. وفي الوقت نفسه، لن يؤدّي امتلاك إيران السلاح النووي إلى تغوّلها أكثر مما هي عليه اليوم، بل سوف يأتي اليوم الذي تصبح فيه قوتها العسكرية من دون مفعول، كما حصل قبل ذلك مع إمبراطوريات استعمارية، مثل فرنسا في الجزائر وبريطانيا في الهند. ومهما حاولت إيران أن تخلق واقعا جديدا في المنطقة، فإنها تزرع في بيئة غير بيئتها. وفي النتيجة، ستعود الخسارة عليها وعلى أهل المنطقة. ولذلك على قادة إيران مراجعة النفس، ووقف ما تقوم به بلادهم من تغيير للواقع القائم، لأنها بذلك تزرع الأحقاد والعداوات بين أبناء البلد الواحد الذين تعايشوا عدة قرون، ولم تمنعهم التباينات الطائفية من الحياة معا على أرضٍ واحدة، ومن أجل أهداف مشتركة.
بشير البكر
العربي الجديد