لم يشكّل القرار الأميركي بشطب الحوثيين من قوائم المنظمات الإرهابية الأجنبية، منتصف الشهر الحالي، صدمة كبيرة للرأي العام في اليمن، خصوصاً أنها جاءت ضمن مساعي الإدارة الأميركية الجديدة لترويض الجماعة، وإبعادها قدر الإمكان عن الارتماء في حضن إيران، بالطرق الدبلوماسية. وأفصحت التصريحات التي أطلقها المبعوث الأميركي إلى اليمن، تيم ليندركينغ، يوم الثلاثاء الماضي، عن جانب من استراتيجية واشنطن الجديدة حيال الحوثيين، والتي كشف فيها عن امتلاك بلاده “طرق لتوصيل الرسائل عبر قنوات نستخدمها بقوة”. ولم يكشف الدبلوماسي الأميركي، الذي قاد بنفسه المشاورات السرية بين واشنطن والحوثيين قبل سنوات، عن طبيعة تلك القنوات، لكن سلطنة عمان، ظلت طيلة سنوات الحرب الماضية، نقطة الالتقاء التي تربط بين الولايات المتحدة وحلفاء طهران.
يستخدم المبعوث الأميركي لغة ناعمة غير معتادة مع جماعة الحوثيين، ودعاهم في تصريحاته الأخيرة إلى “تغيير سلوكهم البغيض” و”عدم استخدام السعودية كهدف للتدريب”، من دون التلويح بالمسارات البديلة التي ستلجأ إليها واشنطن في حال لم يتم وقف تلك الهجمات. وتشعر الإدارة الأميركية بأن السياسة العدائية التي اتّبعتها الإدارة السابقة مع الحوثيين، مكّنت إيران من الاستحواذ على قرار الجماعة العسكري خلال السنوات الماضية واستخدامها لانتزاع مكاسب هامة من المجتمع الدولي. ووفقاً لمراقبين، فإن مهمة الترويض التي تنتهجها إدارة الرئيس جو بايدن، باتت متأخرة وشبه مستحيلة، بعد تغلغل طهران في مفاصل الجماعة الحوثية، وتبنيها لخطاب الحرس الثوري بشكل كامل.
يستخدم المبعوث الأميركي لغة ناعمة غير معتادة مع جماعة الحوثيين
ومن غير المعروف ما إذا كانت جماعة الحوثيين ستتماهى مع الاستراتيجية الجديدة خصوصاً بعد تلبية شرطها المهم وهو الشطب من قوائم الإرهاب أم لا، لكن مصادر سياسية أكدت لـ”العربي الجديد” أن واشنطن بدأت بالفعل بفتح خطوط تواصل مباشرة معهم منذ نحو أسبوعين. ولفتت المصادر إلى أن التواصل أسفر عن مرونة لافتة في الموقف الأميركي، ابتداء بوقف الدعم للتحالف بقيادة السعودية في سبيل إنهاء الحرب ومن ثم شطب الجماعة من قوائم الإرهاب، وتعيين مسؤول التواصل غير المعلن، كمبعوث رسمي لواشنطن لدى اليمن.
وعلى الرغم من حالة العداء الظاهرة، واعتماد الحوثيين لشعار الصرخة الخمينية الذي ينادي بـ”الموت لأميركا وإسرائيل”، كركن عقائدي، لم ينقطع خيط التواصل بين الجانبين منذ مطلع الأزمة اليمنية، باستثناء الجمود الذي حصل خلال فترة الرئيس السابق، دونالد ترامب، إذ اعتمدت إدارة الأخير على ما تقرره الإدارة السعودية فقط.
لا يمانع الحوثيون إجراء حوار علني مع الإدارة الأميركية، من زاوية أن الحرب الدائرة حالياً تم إعلانها من واشنطن، في إشارة للبيان الذي ألقاه السفير السعودي السابق لدى أميركا، عادل الجبير، عشية انطلاق عمليات “عاصفة الحزم” في 26 مارس/آذار 2015. وعقد الطرفان سلسلة من المفاوضات السرية بعد ذلك، ومطلع ديسمبر/كانون الأول الماضي، كشف القيادي في الجماعة محمد علي الحوثي، في تدوينة على “تويتر”، عن إرسال الإدارة الأميركية رسالة لهم عبر وسطاء، أبلغتهم فيها بأنه “لن يكون هناك سلام في اليمن ما لم يوافق عليه الحوثيون حتى ولو كانت السعودية راضية به”.
وكانت إدارة الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما، أكثر انفتاحاً مع جماعة الحوثيين، وفتحت بعد أشهر قليلة من الحرب عام 2015، خطوط تواصل على مستوى رفيع مع الوفد التفاوضي الحوثي في العاصمة العمانية مسقط، وذلك في محاولة توسط لوقف إطلاق النار. لكن تلك المساعي التي فشلت في وقف الحرب، أثمرت عن صفقة جانبية تم بموجبها إفراج الحوثيين عن رهائن أميركيين كانوا محتجزين في صنعاء.
وشهدت الأسابيع الأخيرة من عام 2016 والتي سبقت فترة نهاية ولاية أوباما، محادثات علنية للمرة الأولى، إذ التقى وزير الخارجية الأميركي حينها جون كيري، الوفد التفاوضي الحوثي في مسقط، وقدّم لهم ما عُرف حينها بـ”رؤية كيري”، التي نالت استحسان الحوثيين وقوبلت برفض حكومي. ونصّت رؤية كيري، والتي تم تسريبها حينذاك، على وقف الحرب بعد مشاورات بين أطراف الصراع اليمني، وليس “حكومة شرعية في مواجهة انقلابيين”، وتشكيل حكومة وحدة وطنية، فضلاً عن نقل صلاحيات الرئيس إلى نائب رئيس جمهورية توافقي، فيما يظل الرئيس في منصبه بشكل شرفي.
تتجاوز رؤية كيري ما يسمى بـ”المرجعيات الثلاث” التي تتمسك بها الحكومة الشرعية كشرط جوهري لحل الأزمة، وهي المبادرة الخليجية ومخرجات الحوار الوطني والقرار الأممي 2216، وجميعها تفرض على الحوثيين أن يكون الرئيس عبدربه منصور هادي هو الرئيس الشرعي للبلاد حتى بعد الحل، وكذلك تسليم السلاح الثقيل للدولة والانسحاب من صنعاء قبل تشكيل الحكومة.
وعقب الهجمات المدمرة التي تبناها الحوثيون على منشآت بقيق وخريص النفطية السعودية وأدت إلى إرباك سوق الطاقة العالمي، في سبتمبر/أيلول 2019، عادت عجلة التواصل الأميركي ـ الحوثي مجدداً. وشهدت مسقط سلسلة لقاءات شارك فيها مسؤولون سعوديون وأميركيون في سبيل وقف الحرب، لكنها لم تخرج بنتيجة. وكانت واشنطن من أشد المعارضين لأي عملية عسكرية للحكومة المعترف بها دولياً باتجاه صنعاء أواخر عام 2016، ونجحت في كبح التقدّم الذي وصل إلى مسافة قريبة تقدر بنحو 50 كيلومتراً من مطار صنعاء في مرتفعات جبال نهم. كما عارضت العملية الأخرى لتحرير الحديدة أواخر عام 2018، بعد طرح اتفاق استوكهولم بقوة عبر الأمم المتحدة.
ويثير الموقف الأميركي المتفرج على الهجوم الحوثي ضد مأرب النفطية، شرقي البلاد، منذ نحو أسبوعين، الكثير من علامات استفهام، وسط مخاوف حكومية من وجود رضا لدى الإدارة الأميركية للحوثيين على اقتحام معاقل الحكومة الشرعية في آخر محافظة تقع ضمن خارطة اليمن الشمالي سابقاً، كجزء من خطة لتفتيت اليمن والقبول بالحوثيين كسلطة أمر واقع لحكم محافظات الشمال. وتتزايد المخاوف، من احتمالية اعتماد خريطة الحل التي يحملها المبعوث الأميركي الجديد، على خطة كيري، والتي ستنسف كافة التحصينات الدفاعية لشرعية هادي وعلى رأسها القرار 2216، وذلك عبر استبداله بقرار دولي جديد.
لم ينقطع خيط التواصل بين الأميركيين والحوثيين منذ مطلع الأزمة اليمنية
في السياق، يعتقد خبراء أن الإدارة السعودية المكبلة بقضية الصحافي جمال خاشقجي، سترضخ لأي حل تقرره الإدارة الأميركية الجديدة، حتى وإن كان مخالفاً لقناعتها، وأطاح بهادي، تحت مبرر أن الحكومة الشرعية هشة ولم تتخذ أي خطوات لتأمين مناطق نفوذها جنوباً، وكذلك لم تُقدم على أي إصلاحات اقتصادية.
ورأى الباحث اليمني، نبيل الشرجبي، أن التصريحات الأخيرة للمبعوث الأميركي لا تحتاج إلى تفسير، وذلك بعد اعتمادها على مسارين، يتركز الأول على دعم الجهود الأممية الحالية، والثاني هو محاولة التواصل مع الحلفاء الدوليين، وهي الاتحاد الأوروبي وروسيا والصين، لإلغاء القرار 2216. وقال الشرجبي، في حديثٍ لـ”العربي الجديد”، إن “أوروبا ربما اقتربت كثيراً من التوجه الأميركي، وروسيا ستكون مرحبة بأي خطوة لإلغاء القرار 2216 وكذلك الصين. وأي قرار جديد سيعتمد بدرجة رئيسية على خريطة المبعوث الأممي الخاصة بالإعلان المشترك، والتي تحفظت الحكومة الشرعية على بعض بنودها ورحب بها الحوثيون، لكن هذا بحاجة لوقت طويل للتنفيذ”.
وحول ما إذا كان الحل الأميركي المرتقب سيتجاوز المخاوف السعودية الحالية، أشار الشرجبي إلى أن التصريحات الأميركية ستقتصر كما هو واضح على بعض التطمينات وحفظ أمن المملكة وعدم التخلي عنها. ولفت إلى أن تكثيف الهجمات الحوثية على السعودية أخيراً، قد يندرج ضمن هذا الإطار، ومن المتوقع أن تقايض واشنطن السعودية بوقف الغارات، مقابل وقف الحوثيين ضرب مصالح المملكة، وهي نفس الشروط الحوثية الراهنة للحل. ورأى أن الاستراتيجية الأميركية، قد لا تجد طريقها إلى النجاح، وخصوصاً إذا تعثرت إلى موعد التجديد النصفي للكونغرس، ومن المتوقع أن يتغير المزاج الأميركي لحساب الجمهوريين ويفقد الديمقراطيون الأغلبية وهو ما قد يجعل خطط إدارة بايدن تتبخر.
زكريا الكمالي
العربي الجديد