سلطتان/ حركتان، «فتح» الضفة الغربية و»حماس» قطاع غزّة، في حال مزرية من التسلط والهيمنة والافتقار إلى الشرعية الانتخابية وفساد الأجهزة والارتهان لهذه أو تلك من القوى الإقليمية، وضعتا جانباً التصارع التنظيمي الدائر منذ انتخابات 2005، واستجابتا لمطالب أو ضغوط أو نصائح خلال مفاوضات شهدتها بيروت واسطنبول والقاهرة، فضلاً عن رحيل إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ومجيء جو بايدن؛ فاتفقتا على إجراء انتخابات تشريعية وأخرى رئاسية وثالثة لاستكمال أعضاء المجلس الوطني… هكذا، دفعة واحدة!
العنصر الأوّل الذي يكذّب صدقية سلسلة الانتخابات هذه هو أنها سوف تجري في شرط غير طبيعي وغير جدير بإتاحة الحدود الدنيا من سيرورة التصويت الديمقراطي الحرّ: تحت الاحتلال الإسرائيلي، وفي سياقات استيطانية وعنصرية أسوأ مما كانت عليه الحال في انتخابات 2005. ولعلّ عزام الأحمد، مندوب «فتح» في المفاوضات مع «حماس»، تسرّع قليلاً حين نطق بحقيقة ساطعة كالشمس، فجزم بأنه لا انتخابات من دون القدس. في عبارة أخرى، ولأنّ الاحتلال لن يسمح حتى بتجربة تصويت المقدسيين في سنة 1995 عبر البريد، لا انتخابات كاملة شاملة لائقة باسمها في غياب صوت القدس.
العنصر الثاني هو حملات الاعتقال التي تنفذها أجهزة السلطة في الضفة، مقابل حملات مماثلة لأجهزة «حماس» في القطاع، لا تستهدف حرمان البعض من هذا الحقّ لأسباب تتصل باختلاف الرأي أو التنظيم أو إبداء المعارضة، فحسب؛ بل تنتهي، في خلاصة المقاصد، إلى تكييف الترشيح وتجريد الانتخابات من زخمها الوطني وما يُؤمل من تعدديتها الديمقراطية. وإذا صحّ أنّ «فتح» سوف تقمع أنصار «حماس» في الضفة، وهذه الأخيرة سوف تمارس السلوك ذاته مع أنصار الحركة الأولى في القطاع؛ فإنّ ما لا يقلّ صحة هو أنّ كلا الحركتين لن يقصّر في قهر أصوات الاحتجاج داخلهما، كما في القطاع كذلك في الضفة!
العنصر الثالث هو العهدة إلى الجامعة العربية بمراقبة صحة الانتخابات، على نحو يمسخ المهزلة إلى مأساة بالنسبة إلى كيان سياسي وإداري وتنظيمي ليس أكثر من مرايا متجاورة متباينة لكنها لا تعكس سوى استبداد غالبية الأنظمة الأعضاء، ومقتهم الشديد والمطلق لكلّ ما يمتّ إلى الديمقراطية الانتخابية الحرّة بصلة. وهذا الخيار ليس سوى الجانب الإضافي الذي سيكمل نقائص «فتح» و»حماس» الموروثة، على صعيد الهيمنة والتسلط وتغييب الحريات بصفة خاصة.
رابعة الأثافي ما يتردد من أنّ «فتح» تزمع أن يكون الرئيس الفلسطيني محمود عباس مرشحها للرئاسة، بعد 16سنة في السلطة، وبعد 12سنة أعقبت انتهاء ولايته شرعياً؛ مع التذكير بأنّ انتخابه كان منتقَصاً أصلاً على صعيد شعبي بسبب مقاطعة «حماس» ومجموعات أخرى، وأنه تعهد ألا يرشح للرئاسة ثانية. ليست «حماس» أفضل حالاً في اختيار ترشيح اسماعيل هنية، من واقع فرضية حزبية وحركية صرفة ترى أنّ رئيس المكتب السياسي للحركة هو بالضرورة الحصرية الشخصية الأصلح لرئاسة الشعب الفلسطيني. وعجزت أرحام الفلسطينيات عن ولادة سواهما!
يبقى عنصر خامس، يمزج مأساة مناضل مخضرم مثل مروان البرغوثي، حكم عليه الاحتلال بخمسة مؤبدات؛ ورجل انقلابات ومؤامرات وارتهانات وتجارات مثل محمد دحلان؛ ليس على صعيد خيارات «فتح» الداخلية الحركية فقط، بل أن يُطرح أحدهما بديلاً عن عباس، على ما في الاستبدال من عوائق وموانع، وما ينطوي عليه من فوارق أخلاقية بين البرغوثي ودحلان. الأوّل تضغط خلف ترشيحه قواعد ما تزال وفية لتراث «فتح»، والثاني تسانده أنظمة تطبيعية رهينة بدورها لسياسات الاحتلال، وأمّا عباس فإنه الوريث عند تعثّر اللعبة أو انسدادها.
وكان في وسع هذه الانتخابات أن تكتسب بعض المصداقية لو أنّ جرعة بسيطة من الديمقراطية والتعددية واحترام الحريات اقترنت بسلوك «فتح» و»حماس» على مدار صراعاتهما البائسة المجانية منذ 2005؛ حيث بقيت مصالح الشعب الفلسطيني، وحقوق مجتمعاته ونضالاته، هي الضحية.
صبحي حديدي
القدس العربي