في أعقاب الهجوم الصاروخي الأخير على أربيل والذي أسفر عن مقتل أو إصابة ستة مدنيين في المطار وبالقرب من القنصلية الأمريكية في المدينة، يجب أن يكون رد الولايات المتحدة أكثر تحديداً، لأن الصين وروسيا، وليس فقط إيران، ستراقبان الرد الأمريكي عن كثب. كما يجب على الحكومة الاتحادية في بغداد و «حكومة إقليم كردستان» فض خلافاتهما الأمنية الملحة ووقف تشابك مشاكلهما مع قضايا إقليمية أو دستورية أخرى أو تلك المتعلقة بالميزانية.
تخيّم المفاهيم الخاطئة على جزء كبير من النقاش الدائر حول الهجوم الصاروخي الأخير على أربيل، والذي أسفر عن مقتل أو إصابة ستة مدنيين في المطار وبالقرب من القنصلية الأمريكية هناك. أولاً، لا يعتبر هذا الهجوم “غير مسبوق”؛ فقد حصل هجوم مشابه، وإن كان على نطاق أصغر، منذ فترة ليست ببعيدة في أيلول/سبتمبر الماضي. لذلك، إذا لم يتمّ التصدي لهذه الهجمات، فمن شبه المؤكد أن تتكرر في وقت قريب جداً.
ثانياً، لا يُعتبر “لغز” منفّذ هذا الهجوم غامضاً فعلياً على الإطلاق. وتشير الأدلة الظرفية المقنعة إلى ميليشيا «عصائب أهل الحق» – من خلال «سرايا أولياء الدم»، إحدى جماعات “الواجهة” الصورية العديدة التابعة لها التي تبنت الهجوم. ثالثاً، إن الجدل بكامله حول ما إذا كانت إيران قد أمرت بتنفيذ الهجوم هو غالباً خارج الموضوع. وتتمتع إيران من دون شك بالقدرة، إذا تعرضت للتهديد المباشر، على وقف كافة الهجمات المماثلة تقريباً، كما أظهرت خلال الفترة الكاملة الممتدة من تشرين الأول/أكتوبر من العام الماضي وحتى منتصف كانون الثاني/يناير من هذا العام.
رابعاً، إن الميل الأخير في واشنطن إلى النظر إلى مثل هذه الحوادث على أنها مجرد مضايقة عفا عليها الزمن، ومصدر إلهاء عن القضية الأكبر بكثير المتمثلة في منافسة “القوى العظمى” أو “شبه النظيرة” مع الصين وروسيا، يغفل أيضاً النقطة الأساسية إلى حدّ كبير. فالصين وروسيا، وليس فقط إيران، ستراقبان الرد الأمريكي عن كثب، وتقيّمان الخطوات التالية على رقعة الشطرنج الدولية الأكبر وفقاً لذلك.
خامساً، انحرفت التغطية الإعلامية والتعليقات الأولية بشأن الهجوم الصاروخي الأخير على أربيل في بعض الأحيان لتصبح جدالات حول ضلوع محتمل لتركيا، نظراً للتوترات الأخيرة مع الميليشيات الكردية العراقية والعربية وحتى الأيزيدية بشأن وجود «حزب العمال الكردستاني» في سنجار المجاورة. وصحيح أن بعض ميليشيات «الحشد الشعبي» نفسها عززت مؤخراً من ظهورها ووجودها في تلك المنطقة، وصحيح أيضاً أن التنسيق الأفضل بين “قوات البيشمركة” التابعة لـ «حكومة إقليم كردستان» وقوات الأمن الأخرى في تلك المنطقة من شأنه أن يساهم في التخفيف من التهديدات سواء من تركيا أو من «حزب العمال الكردستاني». لكن لا يوجد دليل على أن الهجوم على أربيل مرتبط بأي من ذلك. وبالأحرى، يبدو بوضوح أن الهجوم كان خطوة أخرى من تكتيكات وكلاء إيران للضغط على الولايات المتحدة ومضيفيها العراقيين لإنهاء العلاقة بينهما، مع التسرع في تخفيف العقوبات المفروضة على طهران.
من هذا المنظور، فإن الردود على هجوم أربيل حتى الآن متباينة. ومن الناحية الإيجابية، جاءت تصريحات المسؤولين الأمريكيين سريعة وقوية النبرة وعلى مستوى رفيع للغاية، حيث شجب وزيرا الخارجية والدفاع الهجوم وتعهدا بالحفاظ على الشراكة الاستراتيجية للولايات المتحدة مع العراق و«حكومة إقليم كردستان». وتَرافق ذلك على نحو صحيح مع مقاربة دبلوماسية متعددة الأطراف، من بينها تصريحات داعمة من مسؤولين أوروبيين وآخرين في الأمم المتحدة.
لكن من الناحية السلبية، تجنّبت التصريحات الأمريكية حتى الآن أي تفاصيل. وربما يكون من الأفضل القول أولاً أن أي خطط لسحب المزيد من القوات الأمريكية في العراق، واستبدالها بقوات من دول أخرى في حلف “الناتو”، لم تعد الآن مطروحة على الطاولة. وثانياً، إن أي اعتبارات لرفع أو التخفيف من العقوبات على إيران معلقة حالياً إلى أجل غير مسمى إلى أن توقف الجمهورية الإسلامية هذه الهجمات بالوكالة. ومن شأن ذلك أن يحول دون تكرار الخطأ السابق والمكلف المتمثل في محاولة عزل القضية النووية الإيرانية عن جميع سلوكيات إيران السيئة الأخرى في المنطقة – أي الخضوع للابتزاز النووي في الواقع. وثالثاً، إن أي هجمات من هذا القبيل على أي أهداف صديقة، وليس فقط هجمات مميتة ضد الأمريكيين، سيتم إدراجها بعد الآن ضمن هذه الحسابات. وسيؤدي ذلك إلى محو الانطباع المؤذي بأن الولايات المتحدة تقبل إلى حدّ ما الهجمات غير المميتة ضد الأمريكيين، أو حتى تلك المميتة ضد شركائها المحليين.
كذلك، يمكن تحسين ردود كل من «حكومة إقليم كردستان» والحكومة العراقية، وهو أمر غالباً ما تم التغاضي عنه في هذا النقاش. فكلتا الحكومتين تواجهان، لأسباب مفهومة، ضغوطاً متقاطعة هائلة: من بعضهما البعض، ومن إيران، وتركيا، والميليشيات الداخلية، والأزمة الاقتصادية، وشعبهما المتضررين. ومع ذلك، تقع مسؤولية ضمان الأمن على عاتقهما في المقام الأول – مما يعني أنهما بحاجة إلى إصلاح خلافاتهما الثنائية على الأقل بشأن القضايا الأمنية الملحة بشكل أسرع، ووقف زجّ هذه المسائل مع القضايا الإقليمية أو الدستورية أو المتعلقة بالميزانية الأوسع نطاقاً.
أخيراً، وإلى الحد الذي لا تزال فيه أربيل وبغداد ترغبان بدعم أمريكي وغربي آخر، عليهما الامتناع عن السلوك الفاضح المناهض للديمقراطية، مثل الاعتداء على المحتجين السلميين أو سجن الصحفيين. فهذا النوع من الاستفزاز ليس فقط غير ضروري ومحرج، بل يقوّض أيضاً مكانتهما الدولية، مما يتركهما تحت رحمة إيران ويحضّ على تنفيذ المزيد من الهجمات كتلك التي ضربت أربيل للتو.
ديفيد بولوك
معهد واشنطن