أظهر رئيس الوزراء العراقي الأسبق نوري المالكي طموحه إلى حكم العراق مجدّدا على الرغم من التراجع الشديد في شعبيته بفعل الحصيلة بالغة السلبية لولايتيْه على رأس الحكومة بين سنتي 2006 و2014، واللّتين شهدت الدولة العراقية خلالهما تراجعا كبيرا على مختلف المستويات الاقتصادية والاجتماعية والأمنية، واستشرى أثناءهما الفساد بشكل غير مسبوق وأُهدرت فيهما مئات المليارات من عوائد النفط، وانتهتا بكارثة سيطرة تنظيم داعش على حوالي ثلث مساحة البلاد.
وهاجم المالكي زعيمُ حزب الدعوة الإسلامية الذي خسر منصب رئاسة الوزراء أهم منصب تنفيذي في العراق إثر انتخابات سنة 2014، حكومةَ رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي وعرض نفسه كقائد مستقبلي للبلاد.
كما قدّم نفسه كـ”صديق” للرئيس الأميركي جو بايدن عارضا وساطته بين طهران وواشنطن بشأن الخلافات حول الاتّفاق النووي والعقوبات الاقتصادية الشديدة المفروضة على إيران من قبل الولايات المتّحدة.
واستبعد متابعون للشأن العراقي أن تكون للمالكي الذي تراجعت مكانته السياسية محلّيا أي قدرة على المشاركة بأي شكل في حلّ مسألة دولية مستعصية من مستوى الخلافات بين إيران والمجتمع الدولي، معتبرين أنّ ما صرّح به لا يعدو كونه مظهرا لانخراطه في “الحملة الانتخابية” المبكّرة التي افتتحها عدد من كبار خصومه ومنافسيه من داخل البيت السياسي الشيعي استعدادا للانتخابات البرلمانية المبكّرة المقرّرة لشهر أكتوبر القادم.
ورغم أنّ تلك الانتخابات تمّ إقرارها بفعل الانتفاضة الشعبية غير المسبوقة التي شهدها العراق انطلاقا من أكتوبر 2019 ورُفعت فيها شعارات مناهضة للطبقة السياسية التي حكمت البلاد منذ سنة 2003 ومطالبة بالتغيير، إلاّ أنّ كبار قادة الأحزاب والتيارات الشيعية القائدة لتجربة الحكم تلك بدأوا مؤخّرا في الاستعداد للمناسبة الانتخابية الهامّة وشرعوا في تسويق أنفسهم كمرشّحين فوق العادة للفوز بها.
وقال رجل الدين الشيعي مقتدى الصدر إنّه سيخوض انتخابات أكتوبر بهدف تحقيق فوز ساحق فيها، بينما شرع عمّار الحكيم زعيم تيار الحكمة المنشقّ عن المجلس الأعلى الإسلامي في إعادة الترويج لمشروعه الذي يقول إنّه “وطني” جامع وعابر للطوائف.
وغير بعيد عن عملية التسويق المبكّرة تلك قال المالكي لفضائية الغدير التابعة لميليشيا بدر بزعامة هادي العامري، إنّه مؤهّل لتولي منصب رئيس الوزراء مجدّدا وإنّه “سيقاتل” في حال حصل على المنصب “في أشد الظروف صعوبة لمساعدة العراق”.
كلام المالكي محاولة للحاق بالحملة التي دشّنها غريمه مقتدى الصدر الطامح لحكم العراق عبر الانتخابات النيابية القادمة
كما هاجم رئيسَ الوزراء مصطفى الكاظمي قائلا إنّ حكومته غير دستورية وتنطوي على خلل كبير وهي غير منسجمة مع القوى السياسية.
كما انتقد تشريع قانون انتخابي جديد قائلا إنّه “ما كان ينبغي أن يشرّع”، معتبرا أنّ إجراء الانتخابات في الظروف الحالية سينتج “برلمانا غير متماسك مع اختفاء الكتل الكبيرة القادرة على صنع المواقف”، في إشارة إلى الأحزاب الكبرى التي يطالب الشارع بإزاحتها عن السلطة لفشلها في إدارة شؤون البلاد طيلة السنوات السبع عشرة الماضية.
ولم يهمل زعيم حزب الدعوة تصريحات غريمه مقتدى الصدر التي توقّع فيها قدرته على تحقيق فوز كبير في الانتخابات القادمة تتيح له تشكيل الحكومة التي ستنبثق عنها.
وقال دون الإشارة إلى اسم الصدر الذي جمعته به علاقات متوتّرة إنّه ينصح “الجميع بترك حسابات الفوز والخسارة وترك إدارة البلاد لمن هو قادر على حلحلتها”، مضيفا قوله “سأقبل تكليف البرلمان والقوى السياسية بمنصب رئيس الوزراء القادم إذا ما تم اختياري دستوريا”.
وعن مبرّر “أحقيته” بقيادة البلاد مجدّدا قال المالكي “من يمتدحنا الآن ينطلق من القول المأثور جرب غيري تعرف خيري”.
ويقرّ عراقيون بأنّ البلد ما يزال يعيش ظروفا سيئة ويواجه صعوبات أمنية واقتصادية واجتماعية في فترة حكومة الكاظمي التي جاءت كبديل عن حكومة عادل عبدالمهدي التي أصرّ الشارع على رحيلها، لكنّهم يجزمون في المقابل بأن الظرف الحالي هو وليد ما تراكم خلال الفترة السابقة، وخصوصا خلال فترة حكم نوري المالكي الطويلة نسبيا والتي توقّفت فيها التنمية عمليا طيلة ثماني سنوات ودخلت بعدها البلاد مباشرة في حرب مدمّرة ضدّ تنظيم داعش الذي غزا البلد على أرضية ممهدة من الطائفية التي أذكاها زعيم حزب الدعوة، فضلا عن دوره في إضعاف القوات المسلّحة التي شهدت حالة شبه انهيار أمام زحف بضع مئات من عناصر التنظيم في صيف سنة 2014.
ولم يكتف المالكي بمحاولة تسويق نفسه محليا فحسب، بل حرص على إصدار إشارات إلى كلّ من إيران والولايات المتّحدة اللتين يعلم جيّدا أنّ دورهما في العملية السياسية بالعراق ما يزال قائما، وأنّ اختيار من يحكم البلد خضع دائما لحالة من التوافق الضمني وغير المعلن بينهما على الرغم من صراعهما الشديد على النّفوذ في البلاد.
وادّعى المالكي أنّ “علاقات طيّبة” تجمعه “مع الرئيس الأميركي جو بايدن ووزير خارجيته وفريقه في الإدارة الجديدة” التي وصفها بأنّها “أفضل من السابقة بكثير” في إشارة إلى إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب.
وقال في المقابلة التلفزيونية “بحكم علاقتي مع بايدن، فإنه سيدخل في مفاوضات في إطار الملف النووي الإيراني”، مضيفا “لو أراد أي طرف إيراني أو أميركي (أن أتدخّل) لحل الأزمة بينهما فلا مانع لدي”.
صحيفة العرب