إيران وتحديات الانفتاح

إيران وتحديات الانفتاح

ترتفع احيانا الوتيرة حول منطقة الخليج وإيران، لكن بكل تأكيد يبدو أننا دخلنا مرحلة من الترقب لتطبيقات السياسة الأمريكية الجديدة مع الرئيس بايدن. بل تبدو سياسة بايدن وفريقه أكثر انسجاما مع التهدئة تمهيدا لمزيد من الانسحابات الأمريكية الإقليمية العسكرية. الطريق الجديد الذي ستتبعه الولايات المتحدة مع إيران يتطلب فتح الحوارات خاصة بعد سنوات من التوتر والحروب. بنفس الوقت ان القول بأن التهدئة سوف تدفع بإيران لمزيد من التطرف ليست أطروحة سليمة. إيران اليوم ليست إيران عام 1980، وهي ليست إيران الثورية بقدر ما هي إيران البراغماتية الساعية لترتيب وضعها العالمي والمالي. وهذا يعني ان السعي للحوار قد يفتح أبوابا محددة، كما فتحت زيارة الرئيس نيكسون في اوائل السبعينيات الباب لتغيرات في الصين بالرغم من ايديولوجيتها الشيوعية. كانت الصين قد دعمت كل حركات التحرر والحركات الشيوعية في العالم بما فيها حرب فيتنام. لكن الانفتاح الأمريكي على الصين غير الكثير من التوجهات الصينية، كما أنه أدى في نهاية سبعينيات القرن العشرين لبروز مدرسة الإصلاح الاقتصادي الرأسمالي دون تغير جوهر النظام الشيوعي.
أن السياسة التقليدية الأمريكية القائمة على حصار إيران ووضعها تحت طائلة العقوبات أضرت أولا الشعب الإيراني، لكنها بنفس الوقت عجزت عن تحقيق أي من النتائج التي سعت إليها الدول الغربية. فالعقوبات لا تغير أنظمة من النمط الإيراني، إضافة لوجود الكثير من الثغرات التي تسمح لإيران بالاستيراد والتصدير وتشجيع كل أنواع الصناعات المحلية. إن إيران التي تشعر بالاختناق في علاقاتها مع الغرب هي نفسها إيران التي ستلتقط كل فرصة للخروج من هذا الاختناق.
وفي المقابل السياسة الأمريكية الجديدة أقل اهتماما نسبة للسابق بحماية مصادر الطاقة، وذلك بسبب استغنائها عن النفط المستورد، إضافة لتراجع مكانة النفط كسلعة. إن الانسحاب الأمريكي سيقع وإن بدرجات مختلفة، وهذا سيحرر السياسة الأمريكية من بعض الاعتبارات التي تدفع بها للتورط في نزاعات الشرق الأوسط، خاصة وإنها تعرف بأن جل اهتمامها يجب أن يذهب نحو الصين. لهذا لن تقبل الولايات المتحدة أن يكون لإسرائيل او لبعض دول الخليج الحق في وضع قيود على عودتها للاتفاق النووي وعلى حوارها مع إيران، بل ستطالب الولايات المتحدة حلفاءها من الدول العربية بقبول حلول وسط مع إيران.

إن إيران التي تشعر بالاختناق في علاقاتها مع الغرب هي نفسها إيران التي ستلتقط كل فرصة للخروج من هذا الاختناق

منطقتنا تواجه نفوذا أمريكيا يزداد تراجعا، كما تواجه تحديات كبرى بحكم اختلاف سياسات دول الخليج، فهناك من بنى علاقات أمنية مع إسرائيل لتعويض التراجع الأمريكي، وهناك دول كالكويت وقطر وعمان التي تتبع سياسات عقلانية تجاه إيران وتجاه قضايا التطبيع. فلا الكويت ولا قطر او عمان لديها مشروع لتحالفات دولية وأمنية وإسرائيلية لمواجهة إيران. لقد بدأت الولايات المتحدة بحظر السلاح الموجه لحرب اليمن، وهي لن تدعم استمرار حرب اليمن، كما وستجد في لحظة ما انها مع حكومة تجمع كل الاطراف بما فيها الحوثيون.
الصراع الإيراني مع عدد من دول الخليج (وليس كلها) سوف يعني تعريض أمن الاقليم لنزاعات جديدة، وخوف أكبر من الممولين الدوليين من الاستثمار في الخليج، وسوف يعني مزيدا من هبوط أسعار النفط وذلك بسبب الوضع الأمني الاقليمي. إيران لن تختفي، وذلك بسبب حجمها وعدد سكانها ومساحتها ثم بسبب دورها الاقليمي، وسياساتها النووية، وقدرتها على تحدي السياسة الأمريكية.
إن عددا من الدول في الاقليم امتلكت الوقت لحل الاشكالات العالقة مع إيران، لكنها فضلت خيار الحصار واستخدام القوى الدولية وإسرائيل لإضعاف إيران بما في ذلك التشجيع على ضربها عسكريا. لكن كل ذلك لم يقع في زمن ترامب الذي استغل التوترات بهدف جني الامتيازات والأرباح وصفقات بيع السلاح، وهو لن يقع في زمن بايدن. لقد أصبح الطريق ممهدا للحل الوسط مع إيران، لكن المبادرة الآن ستكون بيد الولايات المتحدة.
إيران دولة وحضارة ثابتة في منطقتنا، وقد نجحت في مواجهة اسوأ العقوبات وهذا يعني عمليا انها رغم وجود قلاقل وتحديات داخلية في إيران، تمتلك إيران نظاما سياسيا قادرا على البقاء لفترة طويلة. إن تغير هذا النظام ممكن، لكنه وفق التجربة الإيرانية لن يأتي التغير في إيران بلا خلق أجواء تهدئة ونمو اقتصادي وإصلاح، وهذا لن يتحقق إلا بعد رفع العقوبات، وشعور إيران ان الاصلاح لن يعرضها للخطر. إن نهاية الصراع مع إيران او على الأقل تأطيره وعقلنته سيصب لصالح الإقليم ولصالح دول الخليج. فأمن الخليج بحاجة لترتيبات جديدة تكون إيران ضمنها، وذلك في إطار معادلة تحمي المصالح المتبادلة لدول المنطقة.

د.شفيق ناظم الغبرا

القدس العربي