على وقع التهديدات الإسرائيلية- الإيرانية المتبادلة، والجدل الأمريكي- الإيراني بشأن مستقبل الاتفاق النووي الإيراني. يزداد الحديث في الأوساط الحكومية الإسرائيلية وتحديدا تلك المقربة من رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو عن خيار ضرب المفاعل النووي الإيراني، بعد أن كان الحديث عن هذا الخصوص محصورا في الأجهزة الأمنية والعسكرية طوال السنوات الماضية.
السؤال الأساسي الذي يطرح نفسه هنا، هل أصبح الخيار العسكري الإسرائيلي ضد إيران على الطاولة؟ وإذا كان الجواب نعم، فمتى موعد الضربة؟ والسؤال الآخر الذي لا يقل أهمية، هو.. أين تقف الولايات المتحدة من الخيار الإسرائيلي هذا؟ في الواقع، ثمة قناعة إسرائيلية قوية بأن البرنامج النووي الإيراني يتضمن صناعة أسلحة نووية، وأن طهران باتت قريبة من صنع قنبلة ذرية، وأن من شأن امتلاك إيران هذه القنبلة قلب المفاهيم العسكرية التي اعتمدتها إسرائيل طوال العقود الماضية (التفوق – القدرة على شن الحرب الوقائية – خوض الحرب على أرض العدو.. إلخ) رأسا على عقب، وعليه ترى العديد من الأوساط الإسرائيلية أنه لم يعد هناك غير خيار الضربة العسكرية لقطع الطريق أمام إيران نووية، ولعل هذا ما يفسر الإصرار الإسرائيلي لدى الإدارة الأمريكية على عدم العودة إلى الاتفاق النووي لعام 2015، وأن يتضمن أي اتفاق جديد البرنامج الصاروخي لإيران، وعدم تدخلها في الشؤون الداخلية لدول الجوار.
بانتظار نتائج المساعي والجهود الأمريكية والأوروبية والوكالة الدولية للطاقة الذرية لاستئناف المفاوضات مع إيران من عدمه، فإن مساحة الاشتباك الإسرائيلي- الإيراني في تزايد، خاصة أن التهديدات المتبادلة بين الجانبين بدأت تتحول إلى عمليات وهجمات عسكرية هنا وهناك، فالهجمات السيبرانية المتبادلة مستمرة، والقصف الإسرائيلي المتكرر للوجود العسكري الإيراني في سوريا في تصاعد، كما أن العملية الإيرانية ضد سفينة إسرائيلية في بحر عمان قد تزيد من عمق المواجهة بين الطرفين.
وسط القناعة الإسرائيلية بأنه لا يمكن الرهان على المفاوضات مع إيران لوضع نهاية لبرنامجها النووي، ثمة شكوك عميقة بأن تحقق ضربة عسكرية إسرائيلية للمفاعلات النووية الإيرانية أهدافها، أي تدميرها على غرار مفاعل أوزيراك العراقي عام 1981، وموقع الكبر السوري المفترض عام 2007، وذلك لأسباب كثيرة، لعل أهمها:
الأول: بعد المسافة، حيث تتطلب العملية (الضربة) الطيران لمسافة نحو ألف ميل، ومثلها في طريق العودة، فضلا عن كثرة المفاعلات النووية الإيرانية والتي تشير التقارير إلى أن عددها بلغ قرابة مئة موقع، قرابة عشرة منها أساسية، وبالتالي صعوبة تدميرها دفعة واحدة على غرار المفاعل النووي العراقي الوحيد.
الثاني: له علاقة بالتداعيات وتحديدا بالمخاوف من رد فعل إيراني مدمر في ظل امتلاك طهران صواريخ متطورة تطول العمق الإسرائيلي بكامله، فضلا عن رد متوقع من حزب الله من لبنان، يتمثل بإطلاق آلاف الصواريخ على العمق الإسرائيلي.
الثالث: له علاقة بنوعية القوة العسكرية الإسرائيلية وتفاصيل المعلومات الاستخباراتية المتوفرة عن النووي الإيراني، فالتقارير تشير إلى أن العملية تحتاج لنحو ألف غارة جوية، وقد تستغرق أياما بل وأسابيع، وحملة قصف واسعة النطاق مع حساب الرادارات الإيرانية، فضلا عن حماية العملية عبر عتاد عسكري متطور جدا، ربما غير متوفر سوى لدى الولايات المتحدة.
هذه الأسباب وغيرها تدفع بالعديد من الأوساط الإسرائيلية إلى القول إن ضرب إيران عسكريا يعد مغامرة قد لا تتحمل إسرائيل عواقبها، وعليه تحاول إسرائيل وبقوة إشراك الولايات المتحدة في أي عملية تقوم بها لضمان الحماية والنجاح، وعند هذه النقطة ثمة جدل أمريكي- إسرائيلي قديم يتجدد ويبرز إلى السطح كلما جرى الحديث عن كيفية التعاطي مع الملف النووي الإيراني، فإسرائيل تقول إن البرنامج النووي الإيراني دخل مرحلة الحسم والحصانة واللاعودة، وبالتالي ينبغي تدميره عسكريا، في حين يقابله موقف أمريكي يراهن على العقوبات الاقتصادية والدبلوماسية وممارسة المزيد من الضغوط الدولية على إيران لدفعها إلى التجاوب مع جهود إدارة الرئيس جو بايدن الذي ينتهج مقاربة مختلفة عن مقاربة الرئيس السابق دونالد ترامب مع الملف النووي الإيراني، دون أن يعني ما سبق أن مقاربة بايدن تعني التخلي عن الاستعداد للخيار العسكري، خاصة في ظل تعهده بمنع إيران من امتلاك السلاح النووي.
إسرائيل تدرك الأهمية السياسية لمقاربة بايدن هذه، ولكنها في العمق ترى أن الولايات المتحدة غير مهددة من إيران، كما هو حال إسرائيل التي ترى نفسها أمام تهديد حقيقي ومباشر، سواء من إيران أو ذراعها العسكرية في لبنان حزب الله. وعليه، ثمة قناعة إسرائيلية بأن التأخير لم يعد ممكنا لجهة الحسم مع الملف النووي الإيراني، خاصة أن مثل هذا النهج قد يفضي بعد فترة قصيرة إلى وجود إيران نووية بحكم أمر الواقع، معادلة ربما تدفع نتنياهو إلى حسم هذا الجدل والخيار، خاصة أنه يعيش أزمة داخلية تتعلق بمصيره ومستقبله السياسي والشخصي، ليبقى السؤال هل سيكرر نتنياهو تجربة مناحيم بيجين مع بايدن؟ (عندما طلب بيجين من السفير الأمريكي لدى إسرائيل صمويل لويس صباح السابع من يونيو/حزيران عام 1981 إرسال برقية عاجلة إلى الرئيس الأمريكي الأسبق رونالد ريجان يبلغه فيها بتدمير المفاعل النووي العراقي).
نتنياهو يرى أن الزمن لم يعد لصالح إسرائيل بل لصالح النووي الإيراني، وأن الأسلوب الأمريكي لن يؤدي إلى نتيجة خاصة في ظل رفضها المفاوضات إلا بعد رفع العقوبات عنها، وأن التردد الأمريكي لا ينبغي أن يكون على حساب أمن إسرائيل وأولوياتها، وهو في كل هذا ربما يفكر بموعد الضربة العسكرية، وتكرار تجربة مناحيم بيجين دون أن يعرف أحد كيف ستكون المنطقة في اللحظة التي ستلي الضربة الإسرائيلية.
خورشيد دلي
العين الاخبارية