ماذا يفعل الشتات الفلسطيني تجاه قضيته؟

ماذا يفعل الشتات الفلسطيني تجاه قضيته؟

هذا سؤال يطرح في كل مؤتمر، وقد طرح في المؤتمر الشعبي لفلسطينيي الخارج الذي عقد مـؤخرا عبر الساحات الإلكترونية في أواخر شباط-فبراير 2021.
الشتات الفلسطيني المنتشر في العالم العربي وفي العالم يعيش حالة اهتزاز نسبة لما كان عليه حاله بعد ثورة عام 1965 التي فعلت في حينها النهوض الوطني الفلسطيني وعلى الأخص بعد حرب 1967. اليوم إختلف الوضع بسبب الضعف الذي يسود أوضاع الدول العربية وموجة التطبيع الراهنة التي نتجت عن دول عدة تبحث عن حماية مصالحها الآنية. لكن إهتزاز الشتات الفلسطيني مرتبط بصورة كبيرة بحالة الضعف التي ألمت بالمشروع الوطني الفلسطيني، خاصة في ظل المخاسر التي تعرض لها هذا الشتات كما حصل على سبيل بعد 2011 في مخيمات سوريا وخاصة في مخيم اليرموك.
الشتات الفلسطيني ليس كيانا موحدا ولا هو تعبير عن صيغ متقاربة بسبب أن الفلسطينيين منتشرون في دول كثيرة بين الشرق والغرب، لكل دولة قوانينها وظروفها وتوجهاتها. فالحالة في الأردن غير الخليج، والحالة في الدول الغربية غير الدول الأوروبية، كما أنها في الولايات المتحدة تختلف عن غيرها في العالم. وهذا يجعل الإعتقاد بأن الشتات يحمل في طياته بوصلة الإنقاذ الفلسطيني ليس في مكانه خاصة في المدى المنظور والمتوسط. فالشتات عنصر مساهم وقادر على الرفد وطرح أفكار جديدة بإمكانها أن تتفاعل مع أفكار تنتشر بين شباب الأرض المحتلة ومناضليها.
إن الشتات الفلسطيني بتنوعه عليه مسـؤوليات أساسية، فهو قادر على شرح القضية الفلسطينية عربيا ودوليا، وهناك قدرات وطاقات تفعل جزء من هذا، وهو قادر على التمسك بالرواية الفلسطينية وشرحها وطرحها في محافل عديدة وامام مجاميع كثيرة عربيا ودوليا. بل يتضح في هذه المرحلة أن قدرة الشتات على طرح القضية الفلسطينية وتبسيطها قولا وكتابة وعبر وسائط التواصل وكل انواع الإعلام المختلفة أصبحت أكثر أهمية للقضية الفلسطينية.

إن الجهود التي توصل الرسالة للعالم عبر الكلمة والأغنية والقصيدة والرسم والفن بكل أنواعه لها دور أساسي في التعبير عن المعاناة التي يمر بها الشعب العربي الفلسطيني

والشتات قادر على تأسيس المواقع الإلكترونية ثم التحالف مع المجاميع الأكاديمية والجامعية والمدنية. فمهما كان الوضع صعبا ومتداخلا يمثل إنتشار الجاليات الفلسطينية في العالم نقاط قوة لمصلحة القضية الفلسطينية. ويجب أن نلحظ أنه وبين المثقفين، وايضا بين العرب الذين يناصرون فلسطين، وهم الاغلبية، قدرات كبيرة يمكنها كسب العقول والقلوب في كل مكان. كما أن هذه الطاقات الثقافية بإمكانها أن تكون عابرة للفصائل والخلافات عبر تركيزها على الجوهر والقصة الأساسية المعبرة عن القضية الفلسطينية.
ستستمر الحملات الصهيونية في الربط بين العداء لها وبين العداء للسامية، لكن الهدف من تلك الفرضية التعتيم على واقع الأبارثهايد والسلوك العنصري في فلسطين. فالسياسة الإسرائيلية التي تمثل الاحتلال تميز يوميا ضد سكان البلاد الأصليين وتسعى بلا توقف للاستيطان في أراضي الشعب الفلسطيني، ثم للضغط عليه من خلال الجدران وحرية الحركة والحصار والارض والرزق وحياته اليومية للتخلي عن حقوقه. ذلك حكم عسكري بإمتياز. في الجوهر يجب العمل على كشف آلية عمل الصهيونية وفضح طريقتها في العمل في ظل التحالف مع القوى المؤيدة للحقوق في العالم.
دور الشتات بإمكانه أن يتجاوز مرحلة التوضيح والشرح لمرحلة بناء المؤسسات البحثية والإعلامية، بل والمؤسسات الداعمة للصمود على الأرض، كما هو الحال مع مؤسسة المقاطعة BDS ومؤسسة التعاون ومؤسسة الدراسات الفلسطينية والمؤتمر الشعبي الفلسطيني وغيرها.
إن الجهود التي توصل الرسالة للعالم عبر الكلمة والأغنية والقصيدة والرسم والفن بكل أنواعه لها دور أساسي في التعبير عن المعاناة التي يمر بها الشعب العربي الفلسطيني. للشتات الفلسطيني مهمة كبرى في تبني المعاناة تحت الاحتلال لكنه يحتاج أيضا أن يكون مستوعبا بأن نضاله جزء لا يتجزأ من نضالات الشعوب من أجل العدالة والمساواة، فالحقوق متداخلة كما هو حال كل الجماعات المهمشة في كل مكان. إن الشتات الذي يحتوي على أكثر من 6 ملايين فلسطيني في العالم يمتلك الكثير من الأوراق والقدرات، وبإمكانه أن يتفاعل مع احتياجات ونضالات أكثر من ستة ملايين مواطن فلسطيني ممن يختبرون نظام الأبارتهايد الصهيوني الذي يترك أثره يوميا على ارواحهم وأجسادهم وأحلامهم.

د.شفيق ناظم الغبرا

القدس العربي