ورصد المكتب الاتحادي لمكافحة الجريمة في ألمانيا 24 تهديدا لمنتقدين للحكومة التركية مقيمين في ألمانيا من طرف تنظيم الذئاب الرمادية يد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الطولى في أوروبا كما يصفه سياسيون ألمان.
وأوضحت وزارة الداخلية الألمانية أن المتضررين من هذه التهديدات من أصول تركية بالدرجة الأولى وساسة من حزب اليسار ومدونون على الإنترنت وصحافيون ومؤلفو كتب وعلماء ونواب وأنصار حزب الشعوب الديمقراطي وأحد رؤساء الجالية الكردية في ألمانيا، وذكرت أن بعضهم تلقى تهديدات متكررة.
وقالت الوزارة إن هذه التهديدات تصل “بشكل أساسي إلى المخالفين في الفكر عبر جميع وسائل التواصل المعروفة إما بشكل شخصي مباشرة، على سبيل المثال عبر رسائل أو مكالمات هاتفية أو رسائل إلكترونية، أو في شكل منشورات على الإنترنت ووسائل الإعلام المشابهة”.
ونوهت الوزارة إلى أن “الجزء الغالب” من التهديدات ظهر في وسائل إعلام اجتماعي حيث لا يمكن التوصل إلى مشتبه به في الغالب، واتضح في الحالات التي تم كشف ملابساتها أن أغلب مرسلي التهديدات المحتملين هم رجال يقيمون في ألمانيا من أصول تركية، واستنتجت السلطات من المحتويات المستخدمة أن من بين المشتبه بهم متطرفين يمينيين أتراكا.
وحذرت أولا يلبكه المتحدثة باسم حزب اليسار لشؤون السياسة الداخلية من الاستخفاف بالتهديدات لأنه من ناحية هناك الكثير من أنصار حركة الذئاب الرمادية التركية القومية المتطرفة الذين يعيشون في ألمانيا “ومن ناحية أخرى لأن الكثير ممن تلقوا التهديدات لديهم أقارب في تركيا وتتعرض سلامة هؤلاء للخطر عبر نظام حكم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وأنصاره”.
والذئاب الرمادية منظمة قومية في تركيا تؤمن بتفوق العرق التركي على بقية الأعراق، وهي مجموعة تتميز بتعصبها القومي وتشكلت في فترة الستينات من القرن العشرين ضمن الحركة القومية التركية حليفة أردوغان في الحكم الآن.
وتورطت المجموعة في العديد من الجرائم من بينها قتل 100 علوي في السبعينات إضافة إلى تورطها في ارتكاب مجزرة تقسيم سنة 1977 التي راح ضحيتها أكثر من 100 شخص وكان لها دور في محاولة اغتيال البابا يوحنا بولس الثاني. وارتكبت المجموعة القومية المتعصبة جرائم ضد الأكراد إثر مشاركتها إلى جانب الجيش التركي في مواجهة حزب العمال الكردستاني بداية التسعينات من القرن الماضي.
وتعمل المجموعة على استعادة أمجاد تركيا وتاريخها في توحيد الشعوب التركية في دولة واحدة، وعلى التقليل من شأن قوميات أخرى كالأكراد والأرمن واليونانيين، ما يكشف طابعها الفاشي الذي تشترك فيه مع أفكار كالنازية التي تؤمن بتفوق العرق الألماني أو مع العنصريين في جنوب أفريقيا الذين يؤمنون بتفوق العرق الأبيض.
ووفق دراسة للمركز الاتحادي للتدريب السياسي في ألمانيا يوجد تنظيم الذئاب الرمادية في الأراضي الألمانية منذ عقود، ويملك العشرات من التنظيمات الصغيرة والمتوسطة، ما يجعله أكبر منظمة متطرفة.
ويبلغ عدد أعضائه في ألمانيا 18 ألف عضو، أي 3 أضعاف حزب “أن بي دي” أخطر حزب نازي في البلاد. ويشن عناصر المنظمة حملات دعاية ضد المعارضين الأتراك المقيمين في ألمانيا من اليساريين والأكراد والأرمن.
تواجه الحكومة الألمانية ضغوطا كبيرة من أجل التعجيل بحظر تنظيم الذئاب الرمادية واتهامات بالتقصير في محاصرة أنشطته المتطرفة التي باتت تهدد السلم الاجتماعي.
ورغم مصادقة البرلمان الألماني (البوندستاغ) في 18 نوفمبر2020 بالأغلبية على طلب مشترك مُقدَّم للحكومة من أحزاب الائتلاف الحاكم والحزب الديمقراطي الحر وحزب الخضر، بدراسة إمكانية حظْر هذه المنظمة داخل ألمانيا، إلا أن الحكومة الألمانية لم تغادر بعد ترددها ما ساهم في تكوين رأي عام قوي لفرض هذه الخطوة والتخلص من أكبر تنظيم تركي متطرف في البلاد.
ووفق تقارير صحافية ألمانية يتزايد الضغط على الحكومة الألمانية لحظر الذئاب الرمادية بشكل كامل، على غرار الخطوة الفرنسية المماثلة.
وكانت الحكومة الفرنسية قد حلت تنظيم الذئاب الرمادية مؤخرا بتهمة إثارة التمييز والكراهية والضلوع في أعمال عنف. لكن الخارجية التركية نددت بالخطوة وطالبت بضرورة “حماية حرية التعبير والتجمّع للأتراك في فرنسا”.
وقال كريستوف دي فريس البرلماني البارز عن الاتحاد الديمقراطي المسيحي الحاكم “يجب أن نأخذ رد الفعل الصحيح الذي قامت به فرنسا كفرصة لاتخاذ إجراءات مماثلة لحظر الذئاب الرمادية، أكبر حركة يمينية متطرفة في ألمانيا”.
وأضاف دي فريس “تحريض الذئاب الرمادية ضد الأكراد والأرمن يمثل تهديدًا كبيرًا لنظامنا الأساسي الحر والديمقراطي”، فيما قال كريستوف بلوس قائد الحزب الديمقراطي المسيحي في ولاية هامبورغ (وسط) في تصريحات صحافية “لقد طال انتظار حظر الذئاب الرمادية في ألمانيا”.
وصنفت هيئة حماية الدستور الألمانية (الاستخبارات الداخلية) في تقريرها الصادر عام 2019 الذئاب الرمادية تنظيما “ينشر الأفكار اليمينية المتطرفة”.
عدد أعضاء تنظيم الذئاب الرمادية في ألمانيا يبلغ 18 ألف عضو، أي ثلاثة أضعاف حزب (أن.بي.دي) أخطر حزب نازي في البلاد
وقالت النائبة البارزة عن حزب اليسار في البرلمان الألماني سيفيم داغديلين إنه “يتعين على الحكومة الفيدرالية أن تدعم قرار فرنسا ضد الذئاب الرمادية، وتسير على نهجه”.
وطالبت داغديلين خاصة بحل الاتحاد التركي “ADÜTDF”، وهو أكبر ممثل للذئاب الرمادية في ألمانيا ويضم تحت مظلته 170 جمعية و7000 عضو.
ولم يتوقف الأمر عند ذلك، إذ وصف ألكسندر غولاند زعيم المجموعة البرلمانية لحزب البديل من أجل ألمانيا (شعبوي) تنظيم الذئاب الرمادية بأنه “قوات أردوغان المتطرفة”، مضيفا “فرنسا نموذج يحتذى به هنا في الكفاح من أجل الديمقراطية والحرية”.
وكان الجيش الألماني قد أعلن عن تحقيقات بشأن أربع وقائع تطرّف داخل صفوف الجيش لها علاقة بالذئاب الرمادية، المعروفة كذلك باسم “الشباب المثالي”. وقالت الحكومة إنّ إحدى هذه الحالات تثبت بأدلة موثقة “عدم الولاء للدستور في الحد الأدنى”.
ويحاول المتطرفون اليمينيون الأتراك بشكل متزايد التأثير على تشكيل الرأي العام والسياسي في ألمانيا، حيث يسعى أنصار اليمين التركي المتطرف إلى “التأثير على الخطاب السياسي داخل مجتمع الأغلبية الألماني من خلال الاقتراب من صناع القرار السياسي والأحزاب”.
وتعمل الوكالات الحكومية التركية على استخدام شبكة كثيفة بشكل متزايد من المنظمات الدينية والاجتماعية التي تسيطر عليها الدولة من خلال التجسس والترهيب والتأثير لجعل ألمانيا مكانًا للسياسة الداخلية التركية، أو حتى لممارسة التأثير على السياسة الداخلية في ألمانيا.
ومنذ سنوات يحذر مكتب حماية الدستور من تنظيم الذئاب الرمادية، فيما لا تزال الحكومة الفيدرالية مترددة في كيفية التعامل معه.
وتواجه الحكومة الألمانية ضغوطا وانتقادات على أنها “لم تتخذ قرار حظر الذئاب الرمادية حتى الآن بسبب وجود عقبات قانونية كثيرة أمام هذه الخطوة”، لكنها تقر في الآن ذاته بأن “المخاوف من الحركة مازالت قائمة”.
ويأتي هذا فيما زادت حكومة حزب العدالة والتنمية والمخابرات التركية من أنشطتهما في ألمانيا منذ محاولة الانقلاب الفاشلة في يوليو 2016، حيث ينصب تركيز المخابرات التركية بشكل أساسي على المنظمات التي صنفتها تركيا متطرفةً أو إرهابية، مثل حزب العمال الكردستاني وحركة فتح الله غولن.
لطالما حذر الخبراء من أن ألمانيا لم تنجح بعد في القضاء على تهديدات الذئاب الرمادية، وأن الحكومة الفيدرالية تغض الطرف عما يسمى التطرف القانوني، وهو خطر لا يتمثل في الهجمات والقتل بل في تحريض المجتمعات الأوروبية من خلال اختراق مؤسساتها بطرق قانونية وخلق شرخ في البنية الأوروبية متعددة الأعراق، بالإضافة إلى خلق مجتمعات موازية.
ويقول الباحث في شؤون الهجرة بوراك كوبور من جامعة دويسبورغ إيسن إن حظر الذئاب الرمادية في ألمانيا ضرورة ملحة، لكنها لن تحل مشكلة التطرف اليميني التركي في ألمانيا ككل، لأن الذئاب الرمادية “لن تختفي في الهواء”.
ويضيف كوبور أن “الذئاب في ثياب حملان.. غالبًا ما ينأى (هذا التنظيم) بنفسه علنًا عن العنف، هدفه هو التأثير على السياسة الألمانية في قضايا مثل الإبادة الجماعية للأرمن أو في التعامل مع حزب العمال الكردستاني الكردي وبالتالي تعزيز القومية التركية، في الوقت نفسه يحاول الوصول إلى المجتمع الألماني التركي وتشكيله. ويتم التعامل مع الشباب على وجه الخصوص من خلال المساجد والجمعيات الثقافية ونوادي الملاكمة أو مراكز الأسرة، وبالتالي يتم تجنيدهم من أجل الذئاب الرمادية”.
ولا يستبعد مراقبون إمكانية قيام الذئاب الرمادية بتأسيس منظمة مجتمع مدني بديلة باسم مختلف وتعمل تحت ستارها، بحيث يتم تنظيم الأنشطة والفعاليات من خلالها، وإن كان بصورة أقل حدة حتى لا تلفت النظر إليها فيما بعد وذلك في خطوة استباقية لحظرها الذي بات وشيكا مع تفاقم الضغوط على الحكومة الفيدرالية.
ورغم رجاحة هذا السيناريو إلا أنه سيؤدي إلى تخلي الذئاب الرمادية عن العلامة التجارية المرتبطة بأنشطتها تجاه المعارضين الأتراك في ألمانيا، لكنه سُيبقي في النهاية على وجودها إذا استطاعت العمل تحت أعين المؤسسات الأمنية الألمانية.
وانطلاقا مما تقدم يطالب بعض قياديي حزب اليسار الديمقراطي الألماني الحكومة بإغلاق وتجريم الانتماء إلى منظمة ADUTDF الألمانية، التي بحسب رأيهم رغم اتخاذها تسميات تتعلق بالديمقراطية إلا أنها فعلياً تقوم بنفس الأدوار التخريبية المناهضة للمُعارضين لتركيا في ألمانيا.
ويرجح هؤلاء أن تكون هناك حالة غضب على قرار الحظر المحتمل من ألمانيا، ليس على مستوى النظام السياسي التركي فحسب بل أيضا على مستوى أنصار النظام التركي في الداخل الألماني، فبحسب المشرِعين الألمان يوجد حوالي 11 ألف تركي ينتمون إلى منظمات اليمين المتطرف في ألمانيا، وهو ما ينبغي أن تتحسب له الأجهزة الأمنية داخل ألمانيا عبر تكثيف الرقابة على أنشطة هؤلاء وتحركاتهم خلال الفترة المقبلة.
ويدعو خبراء إلى تعزيز التعليم السياسي وتوسيع نطاقه بشكل كبير لتصبح قضايا مثل الإبادة الجماعية للأرمن أو المشكلة الكردية جزءًا إلزاميًا ودائمًا من المناهج الدراسية في دروس السياسة والتاريخ، حيث يتعين على الدولة الألمانية مواجهة غسل الدماغ القومي في بعض العائلات التركية أو تأثير وسائل التواصل الاجتماعي من تركيا.
العرب