أعلن الاتحاد الأوروبي أمس الجمعة أنه سيعقد اجتماعات في العاصمة النمساوية فيينا الثلاثاء المقبل تحضره «جميع الأطراف الموقعة على الاتفاق النووي بما فيها الولايات المتحدة» لبحث عودة الاتفاق النووي مع إيران.
رغم تأكيد مسؤول أوروبي لصحيفة «واشنطن بوست» الأمريكية أن المحادثات بين واشنطن وطهران ستكون «غير مباشرة» فإن حضور البلدين هذا الاجتماع سيكون الحادثة الأولى من هذا النوع في عهد الرئيس الأمريكي جو بايدن، وهذا يعني أن المساعي الدولية للتقريب بين أمريكا وإيران قد آتت ثمارها أخيرا، وأن الطرفين باشرا النزول عن شجرة النزاع التي ساهمت سياسات الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب في وصولها إلى ذروتها، مع اغتيال الجنرال قاسم سليماني في بداية السنة الماضية، والقصف الإيراني على قاعدة «عين الأسد» الأمريكية في العراق.
تتركز المفاوضات عمليا على قائمتين، الأولى تتعلق بالالتزامات النووية التي ستتعهد إيران بتنفيذها، والثانية تتعلق بالعقوبات التي ستقوم الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي برفعها، وبما أن القوى الدولية المؤثرة، بما فيها الصين وروسيا، إضافة إلى الطرفين الرئيسيين، واشنطن وطهران، ستحاول تعديل هاتين القائمتين، فإن ما سيحصل سيكون عبارة عن اتفاق نووي جديد.
تحاول طهران الاستفادة من استراتيجيات الإدارة الأمريكية الجديدة التي أثارت قلق الصين وغضب روسيا، وقد ساهم التقارب الصيني ـ الإيراني، الذي تصاعد مؤخرا مع إعلان «اتفاقية التعاون الاستراتيجي» بين البلدين، في دفع الأمريكيين لإعادة ترتيب أولوياتهم، ولجأوا إلى ما سموه «الاصطفاف التكتيكي» مع بكين، لضمان تعاونها لاحتواء البرنامج النووي الإيراني.
إضافة إلى إعلان رفض العروض الجزئية الأمريكية فقد حرّكت طهران أوراقها الكثيرة، وخصوصا في مناطق نفوذها العربية، فشهدنا تصعيدا كبيرا في اليمن، واستعصاء سياسيا وتهديدات بالعودة للحرب الأهلية في لبنان، واستمرار استهداف قوات «التحالف» في العراق، والإصرار على وجودها السياسي والعسكري في سوريا.
رغم إصرار واشنطن على إقفال الملف النووي الإيراني، وإعلانها عن سحب جزء من قواتها من السعودية والخليج العربي، فالواضح ان إدارة بايدن لا تريد إعطاء انطباع بتراجع كبير لاهتمامها بقضايا العالم العربي، وخصوصا في مناطق نفوذ إيران، وهو ما ظهر في مشاركتها في اجتماع لتمويل تداعيات الكارثة السورية، وفي محاولاتها لإنهاء الحرب اليمنية، وفي علاقاتها مع العراق ولبنان.
كان الاتفاق النووي الذي عقده الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما مع إيران، قد عزز قدرات طهران المالية والعسكرية وفتح لها المجال للتدخل عربيا، وإذا لم تتطرق مفاوضات الدول الكبرى حول الاتفاق النووي إلى تدخلات إيران في الساحات العربية، وهي على الأغلب لن تفعل، فهل ستؤدي العودة للاتفاق النووي إلى تعزيز جديد لقدرات إيران ونفوذها العربي، أم أن أمريكا والاتحاد الأوروبي قد تعلّما من «درس أوباما» وسيجدان طريقة لجعل الاتفاق النووي رافعة لتسويات سياسية عربية؟
القدس العربي