العراق: خطة لوقف الهجمات على أرتال الدعم التابعة للتحالف

العراق: خطة لوقف الهجمات على أرتال الدعم التابعة للتحالف

شهدت الأيام الأخيرة أعلى معدل هجمات بواسطة العبوات الناسفة التي تستهدف أرتال الشاحنات العاملة لصالح التحالف الدولي بالعراق، بواقع 8 هجمات منذ يوم السبت الماضي، كان أعلاها يوم الإثنين من هذا الأسبوع، بثلاث هجمات جنوب ووسط البلاد، ما أسفر عن خسائر مادية، بينها رتل عربات مدرعة، تبيّن لاحقاً أنه مقدم كمساعدات للقوات العراقية من التحالف الدولي بقيادة واشنطن.

وعلى الرغم من الهدوء الحذر على مستوى إطلاق صواريخ الكاتيوشا على القواعد والمعسكرات التي تستضيف القوات أو المصالح الأميركية منذ ما يزيد عن أسبوعين، إلا أنّ هجمات العبوات الناسفة محلية الصنع تتصاعد، وتحديداً في مناطق بغداد وجنوب ووسط العراق، حيث تأتي تلك الأرتال المؤلفة من شاحنات كبيرة تحمل مواد غير عسكرية، من موانئ البصرة على مياه الخليج العربي، أو عبر الحدود آتية من الكويت. ويطلق المسؤولون الأمنيون في العراق عبارة “أرتال الدعم اللوجستي”، على الشاحنات التي تحمل مواد مختلفة لصالح التحالف الدولي، وتتبع هذه الشاحنات لشركات عراقية محلية تتعهد بعمليات النقل للمواد التي تحتاجها قوات التحالف في العراق. وكان من بين تلك الأرتال المستهدفة أخيراً شاحنات تحمل مكيفات هواء وأخرى محملة بمواد مختلفة من بينها معقمات، وقد تسبّب استهداف إحدى هذه الشاحنات بتفاعل كبير بين العبوة والمواد التي على متنها، ما أدى لاحتراق الشاحنة بالكامل.

الهجمات بالعبوات الناسفة محلية الصنع تتصاعد

وتقف القوات العراقية حتى الآن عاجزة عن حماية تلك الأرتال التي عادة ما يتم استهدافها على الطرق الخارجية، من خلال زرع العبوات الناسفة محلية الصنع على جوانب الطرق، ليتم تفجيرها عبر أجهزة تحكّم عن بعد، في أسلوب يشبه عمليات تنظيم “القاعدة” بعد الغزو الأميركي للعراق عام 2003.

في السياق، كشف مسؤول عراقي في وزارة الداخلية، طلب عدم ذكر اسمه، لـ”العربي الجديد”، عن اجتماع عقدته قيادات أمنية بطلب من رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي، من أجل التصدي لتلك الهجمات، مبيناً أنه على الرغم من أن الأرتال لا تضم أي جنسيات غير عراقية، إلا أنّ الأميركيين يدرجون الهجمات بمستوى واحد مع الهجمات الصاروخية التي تستهدف القواعد والمعسكرات بين وقت وآخر. ولفت إلى أنّ الاجتماع أفضى إلى توصيات وقرارات مهمة، من أبرزها تسيير دوريات للشرطة أو الجيش العراقي، بحسب نوع القوات الموجودة في مناطق مرور الأرتال، بغية مراقبة تلك المناطق قبل وصول الرتل، وزيادة عدد كاميرات المراقبة. فضلاً عن إلزام تلك الأرتال بسلوك طرق محددة وتسليم خطة مرورها للقوات الأمنية قبل وقت كافٍ لتأمينها، مع فرض عقوبات على أي مسؤول أمني تشهد منطقته خرقاً أمنياً يستهدف تلك الأرتال، وذلك بسبب ورود ملاحظات عن تواطؤ من قبل بعض الضباط وعناصر من الأمن والجيش مع الجماعات المسلحة المتهمة بالوقوف وراء الهجمات، أو تجنب مواجهتها خشية منها. وأكد المسؤول نفسه أنّ التوجه أيضاً يقضي باعتبار تلك الهجمات أعمالاً إرهابية.

وتتبنى جماعات مسلحة عدة، المسؤولية عن تلك الهجمات عقب تنفيذها، وبرز من بينها أخيراً مليشيات “أصحاب الكهف”، و”المقاومة الدولية”، و”أبو الفضل العباس”، و”لواء خيبر”، وجميعها أسماء جديدة برزت خلال العام الماضي ومطلع العام الحالي، في حين يرجح مسؤولون أنها واجهات لفصائل مسلحة رئيسة في العراق ومرتبطة بإيران، مثل “كتائب حزب الله”، و”عصائب أهل الحق”، و”النجباء”. وعادة ما تعلن هذه الجماعات مسؤوليتها عن الهجمات، عبر منصات مختلفة تابعة لها، على تطبيق “تلغرام”، وأبرزها قناة “صابرين نيوز”، وهي الذراع الإعلامي لمليشيا “كتائب حزب الله” العراقية.

وفيما تتهم واشنطن مليشيات مدعومة من إيران بالوقوف وراء الهجمات، فإنّ نواباً وسياسيين مقربين من الفصائل المسلحة، يمارسون ضغوطاً على الحكومة العراقية لدفعها باتجاه الإسراع في إخراج القوات الأجنبية خصوصاً الأميركية من البلاد.

هناك توجه لاعتبار الهجمات أعمالاً إرهابية

وأول من أمس الخميس، برز تطور لافت في نوعية تلك الهجمات، إذ أكدت الشرطة تعرض أحد الأرتال الذي كان متجهاً إلى قاعدة عين الأسد، غربي الأنبار، إلى رشقات إطلاق نار عند عبوره من بلدة أبو غريب بضواحي بغداد، ما أدى لإصابة سيارة رباعية الدفع ترافق الرتل بأضرار، من دون تسجيل خسائر بشرية.

إلى ذلك، علّق المتحدث باسم قيادة العمليات المشتركة العراقية، اللواء تحسين الخفاجي، على تصاعد الهجمات في الأيام الأخيرة على أرتال التحالف الدولي، بالقول إنها “لن تؤثر على استمرار عمل وفاعلية التحالف، أو علاقته بالقوات العراقية”. وأضاف في إجابة على سؤال لـ”العربي الجديد” حول صحة الإجراءات الأمنية لمواجهة تلك الهجمات، أن “عمليات استهداف أرتال الدعم اللوجستي التابعة للتحالف الدولي، تعتبر من العمليات الإرهابية، خصوصاً أن هذه الهجمات تستهدف عراقيين، بينما أنشطة التحالف هي لدعم وتطوير قدرات القوات العراقية”.

تقارير عربية
مباحثات بين النظام السوري والعراق حول عودة اللاجئين
وفيما أكد الخفاجي أن “تلك الأعمال لن تؤثر على استمرار عمل التحالف الدولي أو فاعليته في العراق، وبرامج تطوير قدرات القوات العراقية”، أشار في الوقت نفسه إلى أنها “تؤثر على أمن واستقرار العراق، وهيبة الدولة وفرض القانون، خصوصاً أنها تؤدي إلى إصابات في بعض الأحيان بصفوف مواطنين عراقيين”. وأضاف أنّ “القوات العراقية جادة وعازمة على ملاحقة كل المتورطين بهذه الأعمال، وهناك خطط وُضعت لمواجهة قضية استهداف أرتال الدعم اللوجستي التابعة للتحالف الدولي، ولن يكون هناك أي تهاون مع الجماعات التي لا تريد للعراق والعراقيين خيراً”.

في السياق ذاته، قال عضو لجنة الأمن والدفاع في البرلمان العراقي، عبد الخالق العزاوي، إن حكومة الكاظمي “باتت مطالبة بالتعامل بشكل أكثر حزماً مع الجماعات المسلحة التي تعمل خارج إطار الدولة، بل وتعمل ضد الدولة، من خلال عمليات زرع العبوات ضد الأرتال التابعة للتحالف الدولي أو من خلال عمليات القصف الصاروخي”. وأضاف العزاوي، في تصريح لـ”العربي الجديد”: “بحسب المعلومات المتوفرة لدينا، فإنّ الجهات الحكومية المختصة لديها معلومات عن تلك الجماعات، وتحركت فعلاً لملاحقتها والحد من أعمالها، لكن المنتظر من الحكومة نتائج فعلية ملموسة، خصوصاً أنّ الأمر يتعلق بسيادة البلاد وهيبة الدولة، بالإضافة إلى تأثير هذه التصرفات على علاقة العراق بالمجتمع الدولي”.

الخفاجي: القوات العراقية جادة وعازمة على ملاحقة كل المتورطين بهذه الأعمال

ولفت العزاوي إلى أنّ “عمليات استهداف أرتال التحالف، تضر بالقوات العراقية وليس الأميركية أو الأجنبية، فهذه الأرتال دائماً ما تحمل دعماً وهدايا مقدمة من التحالف الدولي إلى العراق، وفق خطط تطوير قدرات القوات العراقية. كما أن سائقي الشاحنات هم من العراقيين، وحتى الآليات تابعة لشركات عراقية، ولهذا لا يوجد أي مبرر لأي عمليات استهداف لها تحت أي حجة”.

من جهته، وصف الخبير في الشأن الأمني العراقي، محمد التميمي، في حديث لـ”العربي الجديد”، تصاعد الهجمات على أرتال التحالف الدولي، بأنه “محاولة تصعيد جديدة من قبل فصائل مسلحة معروفة، تحاول من خلال هذه العمليات إيصال رسائل للحكومة والقوات الأميركية على حد سواء”. ولفت إلى أنّ “التحالف الدولي لا يعتمد النقل البري في تحركاته، خصوصاً المتعلقة بشحن السلاح أو المعدات القتالية الأخرى، وهو ما يمكن اعتباره معروفاً أيضاً لتلك الفصائل. لذا، فإن الهجمات محاولة لإبقاء حالة التصعيد الرافض للوجود الأميركي والتحالف عموماً حاضرة”. وأضاف التميمي أنه “بات من المعروف أن واشنطن لن ترد عسكرياً، إلا في حال تسجيل خسائر في صفوف قواتها أو قوات التحالف عموماً، فيما أفراد هذه الأرتال كلهم عراقيون، لذلك، فإنه يمكن اعتبار الهجمات الجديدة والمتصاعدة، محاولة للإبقاء على حالة مواجهة باتت مفتوحة بمستويات وطرق عدة منذ يناير/كانون الثاني من العام الماضي”، في إشارة إلى تاريخ اغتيال قائد فيلق القدس السابق بالحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني، ونائب رئيس هيئة “الحشد الشعبي” أبو مهدي المهندس.

عادل النواب

العربي الجديد